الخميس، 9 أبريل 2009

الفصل الخامس : دقة الوصف فى البيان النبوى

معنى الوصف عند اللغويين والبلاغيين : " الوصف من وصف الشئ له وعليه وصفاً وصفة : حلاه , والهاء عوض من الواو , وقيل : الوصف المصدر والصفة : الحلية , والوصف : ما ينعت به الشئ من صفات ونعوت , ومنه قوله تعالى : ( ... وتصف ألسنتهم الكذب ... ) ( النحل : 62) أى تقول الكذب وتحققه , ويقال : هو مأخوذ من قولهم : وصف الثوب الجسم إذا أظهر حاله وبين هيئته . والوصف والصفة مترادفان عند أهل اللغة و والمراد بالوصف ليس صفة عرضية قائمة بجوهر كالشباب والشيخوخة ونحوهما , بل يتناول جوهراً قائماً بجوهر آخر يزيد قيامه به حسناً وكمالاً , ويورث انتقاصه عنه قبحاً له ونقصاناً . وفى التعريفات : الوصف عبارة عما دل على الذات باعتبار معنى , وهو المقصود من جوهر حروفه , أى يدل على الذات بصفة كأحمر فإنه بجوهر حروفه يدل على معنى مقصود وهو الحمرة , فالوصف والصفة مصدران كالوعد والعدة " ([1] ) , ومن خلال كلام اللغويين حول الوصف يتضح أنه : توضيح الشئ وإظهاره , وبيان حاله وهيئته ([2] )
أما عن الوصف عند البلاغيين : فلقد عرفه قدامة بن جعفر بقوله : " هو ذكر الشئ كما فيه من الأحوال والهيئات . ولما كان أكثر وصف الشعراء إنما يقع على الأشياء المركبة من ضروب المعانى كان أحسنهم من أتى فى شعره بأكثر المعانى التى الموصوف مركب منها ثم بأظهرها فيه وأولاها حتى يـحكيه بشـعره , ويمثله للـحس بنعته " ([3] ) , ويـقول ابن القيم :

" والوصف أصله : الكشف والإظهار من قولهم : وصف الثوب الجسم إذا لم يستره ونم عليه وأحسنه ما يكاد يمثل الموصوف عياناً , ولأجل ذلك قال بعضهم : أحسن الوصف ما قلب السمع بصراً , ومنه فى القرآن كثير مثل قوله تعالى فى وصف البقرة التى أمر بنو إسرائيل بذبحها لما سألوا أن توصف لهم بقولهم : ( ادع لنا لربك يبين لنا ما هى قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ... ) ( البقرة : 68) , وقوله لما سألوه أن يصف لهم لونها : ( ... قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) ( البقرة : 69) , وقوله لما سألوه بيان فعلها : ( قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها ... ) ( البقرة : 71) فجمع فى هذه الآية جميع الأحوال التى ينضبط بها وصف الحيوان , فإن الحيوان عند البيع والإجارة , وسائر وجوه التمليكات يحتاج فيه إلى معرفة سنه ولونه وعمله , ثم يفتقر فيه إلى معرفة عيوبه فنفى الله سبحانه وتعالى عن تلك البقرة كل عيب بقوله : ( لا شية فيها ) , فجمع فى هذه الآية جميع وجوه الوصف , فإنه فى الاول وصف سنها , وفى الثانى وصف لونها , وفى الثالث وصف وصف خلقها وعملها ... , ومن هذا الباب فى القرآن كثير لا يحصى , وكذلك السنة النبوية وكذلك الشعر ... " ([4] ) , ويكاد النقاد يجمعون على أن أجود الوصف هوالذى يستطيع أن يحكى الموصوف حتى يمثله عياناً للسامع , وذلك بأن يأتى الشاعر بأكثر معانى ما يصفه وبأظهرها فيه وأولاها بأن تمثله للحس . ولذلك قال بعض النقاد : أبلغ الوصف ما قلب السمع بصراً ([5] ) , وكلام النقاد وإن كان حول الوصف كغرض من أغراض الشعر إلا أنه تحديد دقيق لهذا الفن من فنون التصوير ؛ ولذلك أخذ به ابن القيم , وطبقه على بعض آيات القرآن موضحاً أنه كثير فى القرآن , والسنة , وكلام العرب , وما يعنينا هنا الوصف فى الحديث النبوى . وسيتضح لنا عند التطبيق أن فن الوصف فى الحديث النبوى ينطبق عليه ما ذكره البلاغيون حول تعريفه كما سيتضح لنا أثره فى بلاغة البيان النبوى .
ومما يتصل بالموضوع تمام الاتصال : العلاقة بين الوصف والتصوير : " فالوصف وسيلة من وسائل التصوير المتعددة , فلقد اعتمد العرب على وسائل كثيرة فى التصوير منها ما كان واضحاً عندهم تمام الوضوح كالتشبيه , والاستعارة , والكناية , وبعضها لم يكن واضحاً فى نتاجهم الأدبى كالوصف , والقصة , والتجسيم , والتشخيص , والموازنة , والإشارة , والرسم " ([6] ) , وهذه الوسائل نراها بوضوح وجلاء فى البيان النبوى , فالنبى صلى الله عليه وسلم قد أوتى جوامع الكلم , وأدبه ربه فأحسن تأديبه , ولهذا لم يغفل البيان النبوى فى تصويره الدقيق هذه الوسائل ([7] ) , " والمتتبع للآثار النبوية يجد صورها الفنية من أحسن المثل لما تنجذب إليه النفوس من القول لما فطر عليه صلى الله عليه وسلم من معرفة عناصر التأثير فى البيان , وأوجه الجمال فى اللسان , فجاء حديث النبوى من البلاغة العالمية فى موضع تتطلع نحوه الأبصار , وتتقاصر دونه الأعناق " ([8] )
أما عن العلاقة بين الوصف والتشبيه : " فالوصف قريب من التشبيه إلا أن الفرق بينهما أن التشبيه مجاز , والوصف راجع إلى حقيقة الشئ وذاته " ([9] )
أما عن العلاقة بين الوصف والخيال : " فالكلام فى وصف الطبيعة والجمال والحب على طريق الأساليب البيانية إنما هو باب من الأحلام إذ لابد فيه من عينى أو نظرة عاشق , وهنا نبى يوحى إليه فلا موضع للخيال فى أمره إلا ما كان تمثيلاً يراد به تقوية الشعور الإنسانى بحقيقة ما فى بعض ما يعرض من باب الإرشاد والموعظة ... , فعمله أن يهدى الإنسانية لا أن يزين لها , وأن يدلها على ما يجب فى العمل لا ما يحسن فى صناعة الكلام , وأن يهديها إلى ما تفعله لتسمو به لا ما تتخيله لتلهو به , والخيال هو الشى الحقيقى عند النفس فى ساعة الانفعال والتأثر به فقط , ومعنى هذا أنه لا يكون أبداً حقيقية ثابتة فلا يكون كذباً على الحقيقة ثم هو صلى الله عليه وسلم ليس كغيره من بلغاء الناس يتصل بالطبيعة ليستملى منها , بل هو نبى مرسل متصل بمصدرها الأزلى ليملى فيها ... " (5) فوجـود الخـيال فى الحـديث النـبوى
أمر غير متوقع إلا عندما يكون مصدراً للتشبيه والتمثيل والتصوير([10] ), فالوصف النبوى الذى يعتمد التصوير الذى يعتمد بدوره الخيال إنما يأتى فى أعلى درجات الصدق , وعلى ذروة سنام البلاغة لأنه متصل بهذه النفس الصافية التى تربعت على قمة السمو الروحى , وهذا يدفعنا للحديث عن الخيال كطريق من طرق التعبير عن المعانى الصادقة والتصورات المعقولة طالما نتحدث عن الخيال وصلته بفن الوصف فى البيان النبوى .
" إن إطلاق لفظ التخيل أو الخيال ([11] ) فى صدد الحديث عن المعانى الصادقة والتصورات المعقولة لا يحط من قيمتها , أو يمس حرمتها بنقيصة , فإن علماء البلاغة أنفسهم قد أطلقوه على ما يأتى به البـليغ فى الاستعارة المكـنية من الأمورالخاصة بالمـشبه بـه , ويثـبته للمـشبه فقالوا : الأظفار أو إضافتها فى قولك : " أنشبت المنية أظفارها " ([12] ) تخييل أو استعارة تخييلية , وأطلقوه فى الفصل والوصل حين تكلموا على الجامع بين الجملتين , وقسموه إلى عقلى , ووهمى , وخيالى ([13] ) وأطلقوه فى فن البديع على تصوير ما سيظهر فى العيان بصورة المشاهد , ولم يبالوا أن يضربوا لجميع تلك المباحث أمثلة من آيات الكتاب العزيز , وغيره من الأقوال الصادقة .
ولقد كان من أساليب القرآن فى الدعوة أن ضرب الامثال الرائعة , وصاغ التشابيه الرائقة , والاستعارات الفائقة , والكنايات اللطيفة , ويضاف إلى ذلك ما كان ينطق به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأقوال الطافحة بضرب الأمثال والاستعارات والكنايات التى لم تخطر على قلب عربى قبله , فكان مطلع الإسلام مما زاد البلغاء خبرة بتصريف المعانى , وترقى بهم إلى منزلة سامية فى صناعة التخييل ([14] ) , " والوصف الدقيق النابع من البصيرة النافذة , وحسن الإدراك , والتدفق العاطفى أبلغ من التشبيه أو الاستعارة أو الكناية , أو الوسائل المألوفة فى التصوير , إنه ينقل لك أمام عينيك المشهد حتى تكاد تحس به بحواسك , وتلمسه بيديك " ([15] ) , وبعد أن اتضح لنا معنى الوصف عند اللغويين والبلاغيين , وعلاقته بالتصوير والخيال فى البيان النبوى, فسيتضح لنا من خلال التطبيق " أن الوصف النبوى من أبرز المقومات الحيوية المباشرة فى إقامة الصورة " ([16] ) , ولكن مما تجدر الإشارة إليه قبل ذلك بيان أن الوصف فى الحديث النبوى وصف متنوع فلقد استخدمه النبى صلى الله عليه وسلم لإرشاد الناس وتعليمهم ما يقربهم من ربهم , ولبيان حقائق الدين , كما استخدمه لتحذيرهم وتخوفيهم مما يبعدهم عن جنابه ورحمته . فنجد فى البيان النبوى أحاديث فى وصف الجنة والنار , ووصف المسلم , ووصف الخوارج , ووصف الشيطان وفعله بابن آدم إلى غير ذلك من الأحاديث التى تتصل بالعقائد , والغيبيات , والعبادات , والأخلاق .
وهذه اللوحات الوصفية مع تنوعها تأتى على درجة واحدة فى البلاغة لأنها خرجت من مشكاة النبوة ([17] ) , فالوصف فيها هو الوصف الذى يقلب السمع بصراً , والمعقول محسوساً , والمتخيل مشاهداً , ويحيط بالموصوف من جهاته المختلفة حتى يحكيه ويمثله للعيان .
فمن الوصف الدقيق : قوله صلى الله عليه وسلم : " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها , وإنها مثل المسلم , فحدثونى ما هى ؟ " فوقع الناس فى شجر البوادى , قال عبد الله بن عمر: ووقع فى نفسى أنها النخلة , فاستحييت , ثم قالوا : حدثنا ما هى يا رسول الله ؟ قال : " هى النخلة " ([18] ) فى هذا الحديث يضرب النبى صلى الله عليه وسلم مثلاً للمسلم , وفى ضرب الأمثال زيادة فى الإفـهام , وتصوير للمعانى لترسـخ فى الذهـن . وهنا جـاء الوصـف
معتمداً على التشبيه ([19] ) حيث شبهت النخلة بالمسلم , وجاء الوصف أولاً للنخلة لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها " , وهذا الوصف من أبرز صفات النخلة التى امتازت به من سائر الأشجار , وهو عدم سقوط ورقها , وليست هذه كل صفات النخلة . ويبدو لى فى ذلك ملحظ بلاغى , فالنبى صلى الله عليه وسلم بذكره لهذا الوصف من أوصاف النخلة يريد أن يبين أن النخلة لا ينقطع عطاؤها وخيرها بحال من الأحوال , فورقها فيها سواء أخرج منها الثمر أم لم يخرج , وفى هذا إشارة إلى أن الخير مستمر فى المسلم فى كل حال ؛ لأن نفسه مجبولة على حب الخير والعطاء , لا يفارقه حب الخير , ولا يفارق هو فعل الطاعات , فلا ينفصل أحدهما عن الآخر, كما أن النخلة لا يسقط ورقها بحال من الأحوال , ولهذا عقب النبى صلى الله عليه وسلم بعد هذا الوصف للنخلة بتمثيلها بالمسلم , وكأنه يلفت الأنظار بداية إلى أن هذه الخصيصة فى وصف النخلة هى أبرز الصفات التى تشابه فيها المسلم , فهذا الترتيب بين الوصف أولاً والتشبيه ثانياً – فيما يبدو لى – أمر مقصود إليه فى البيان النبوى ([20] )
فالنبى صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الصفة وحدها من صفات النخلة مع أن لها صفات أخرى كثيرة ([21] ) موجودة فى جميع أجزائها , مستمرة فى جميع أحوالها , فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعاً , ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى فى علف الدواب , والليف فى الحبال , ومن خشبها وورقها وأغصانها يستعمل جذوعاً وحطباً وعصياً ومخاصر وحصراً وأوانى وغير ذلك , فاكتفى النبى صلى الله عليه وشلم بذكر أبرز الصفات , وترك الباقى ليربط المسلمون بين الصفة المذكورة وبين المسلم ثم يبحثوا بعد ذلك عن باقى وجوه الشبه بين المسلم وبين النخلة , وإذا كانت الصفات السابقة موجـودة فى النخلة ([22] ) فى حال خَضِرها وفى حال خَضْرها ( قطعها وهى خضراء ) فكذلك المسـلم خيره
مستمر فى حال حياته وبعد مماته , ففى حياته بالطاعات , وفعل الخيرات , وغير ذلك من وجوه البر , وبعد موته بالصدقات الجارية وما كان سبباً فيه فى حال حياته, وما ورثّه من خير , وبدعوة الناس له , وبدخوله الجنة يوم القيامة , فالمؤمن كله خير ومنافع فى حال حياته وبعد مماته ([23] ) , ومن صفات النخلة : جمال النبات , وحسن هيئة ثمرها , فهى منافع وخير وجمال , وكذلك المؤمن خير كله بكثرة طاعاته , ومكارم أخلاقه , ومواظبته على صلاته وصيامه وقراءته وذكره وصدقته , وسائر وجوه البر . " ومن صفات النخلة الثبات والارتفاع عن الأرض , فكذلك الإيمان ثابت فى قلب المؤمن , وعمله عال مرتفع فى السماء ارتفاع فروع النخلة , وما يكسب من بركة الإيمان وثوابه كما ينال من ثمرة النخلة فى أوقات السنة كلها من الرطـب والبُـسر (تمر النـخل قـبل أن يرطب ) , والـبلح , والزهـو , والتـمر ,
والطلع " ([24] ) كما أن من صفات النخلة : الاستقامة والاعتدال , والمسلم مستقيم على طريق الطاعة , معتدل فى أمور دينه ودنياه , وإن كان يوجد فى بعض النخل إعوجاج فكذلك بعض المسلمين قد يكون فيهم شئ من الاعوجاج فى السلوك , وهذا لاينفى عنهم صفة الإسلام , والمؤمن لا يعرى من لباس التقوى كما لا تعرى النخلة عن الورق , والتقوى خير زاد , وخير لباس ([25] ) , وهذا الوصف النبوى الذى اعتمد التشبيه قد سلك طريق الإيجاز ([26] ) بذكر أبرز الصفات التى تشابه فيها النخلة المسلم ليلفت الأنظار إلى الصفات التى لم تذكر فى الحديث , وليشحذ المسلمون أفكارهم ويتأملوا وجوه الشبه بين المسلم والنخلة فيزدادوا معرفة بصفات المسلم من خلال النظر فى صفات النخلة , وهذا الأسلوب من أساليب توضيح المعقول بالمحسوس ([27] ) , وحث للفكر على النظر فيما بين الأشياء من وجوه الاتفاق , ووجوه الاختلاف ([28] ) . وهذا الوصف النبوى إنما هو أثر من آثار المثل القرآنى فى قوله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء * تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون ) ( إبراهيم : 25,24) فأكثر المفسرين على أن الشجرة الطيبة هى النخلة ([29] ), ولقد قرأ النبى صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : ( ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ... ) , وقال : " هى النخلة " ([30] ) " ولقد وصف هذه الشجرة بأربعة أوصاف : الأول : قوله " طيبة " أى كريمة المنبت . الثانى : رسوخ أصلها وذلك يدل على تمكنها , وأن الرياح لا تقصفها فهى بطيئة الفناء , وما كان كذلك حصل الفرح بوجدانه . والثالث : علو فرعها وذلك يدل على تمكن الشجرة ورسوخ عروقها , وبعدها عن عفونات الأرض , وعلى صفائها من الشوائب . الرابع : ديمومة وجود ثمرتها , وحضورها فى كل الأوقات " ([31] ) , وهذه الأوصاف تنطبق على المؤمن تمام الانطباق , فالإيمان راسخ وثابت فى قلب المؤمن لا تزعزعه البلايا والمحن , وهوإيمان مثمر بالعمل الصالح الذى يدل على صلاح المؤمن المتصل بالملأ الأعلى , وهوإيمان يعلو على شهوات الدنيا وملاذها , ويحلق فى آفاق من السمو الروحى .
وهذه الأوصاف فى الشجرة الطيبة تنطبق على أوصاف المؤمن التى سبق ذكرها تمام الانطباق " فالمقصود بالمثل المؤمن , والنخلة مشبهة به , وهو مشبه بها , وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك " ([32] )
ومن الوصف الدقيق : وصف حال أول من يدخلون الجنة والذين يلونهم ونعيمهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر , والذين على أثرهم كأشد كوكب إضاءة , قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض , لكل امرئ منهم زوجتان : كل واحدة منهما يُرى مُخ ساقها من وراء لحمها من الحسن . يسبحون الله بكرة وعشياً , لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون , آنيتهم الذهب والفضة , وأمشاطهم الذهب , ومجامرهم الألّوة – قال أبو اليمان : يعنى العود – ورشحهم المسك " ([33] ) إننا هنا أمام لوحات وصفية رائعة لمشاهد من عالم الغيب لمنازل المؤمنين يوم وما أعد الله لهم من النعيم فى الجنة . ولقد جاء هذا الوصف النبوى الدقيق معتمداً على التشبيه فى بعض أجزائه , ومعتمداً على العبارة الوصفية التى لا تعتمد على الصورة البيانية المعهودة من التشبيه والاستعارة والكناية فى أجزاء أخرى .
وبدأ هذا الوصف النبوى بذكر مراحل النعيم التى يمر بها أول زمرة تدخل الجنة من بداية دخولهم إلى حين استقرارهم . فبدأ بتشبيه صورة أول زمرة تدخل الجنة بصورة القمر ليلة البدر , وتشبيه الذين يلونهم بصورة أشد كوكب إضاءة . وهنا سر بلاغى فى الفرق بين التشبيهين : فالتشـبيه الأول : جاء بصورة " القمر ليلة البدر " , والوجـه فيه الهيئة والحسن,
والضوء . والتشبيه الثانى : بــ " أشد كوكب درى " , والوجه فيه الإضاءة فقط ([34] ) , وهنا نقف أمام هذا النور الذى يشع من أجسادهم وصورهم , هذا النور الذى يخطف الأبصار , ويبهر المتأملين , فصورة القمر ليلة البدر وما هو عليه فى الضوء معروفة بما فيها من جمال شكله , وحسن هيئته . إنهم حين يدخلون الجنة يكونون فى قمة الجمال والكمال والبهاء والحسن فلا يصيبهم أى مظهر من مظاهر النقص , فلقد مضت الدنيا بنقصها وبلائها , وهم اليوم فى دار الكمال لا النقصان . أما الذين يلونهم فصورتهم معروفة حين ننظر إلى الكوكب الدرى يلمع فى وسط السماء فى الليل , ولكن التشبيه هنا جاء فى الإضاءة وحدها . وهذا لا يعنى نقصان حالهم , ولكن يعنى اختلاف درجاتهم فى النعيم مع استوائهم فى أصل الكمال والبعد عن كل مظاهر النقص ([35] ) لقد وصفهم فى الزمرة الأولى والذين يلونهم بالإضاءة عند دخولهم الجنة , وهذا النور والضوء إنما هو نور وضوء الأعمال الصالحة, فطالما صلوا بالليل والناس نيام ([36] ), وطالما تحملوا بلاء الدنيا وعناءها . إن طاعتهم لله قد أثمرت ذلك النور الذى يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حيث بين ذلك القرآن بإضافة النور إليهم فى أكثر من موضع , فقال تعالى : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بـين أيديهم وبأيمـانهم ([37] ) بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز الكبير * يوم يقول

المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ([38] ) قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) ( الحديد : 13,12) , وقوله تعالى : (يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى تجرى من تحتها الأنهار يوم لا يخزى الله النبى والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير ) ( التحريم : 8) , ولم يقف الوصف النبوى الدقيق لهذا المشهد الرائع المهيب عند الصورة الظاهرة, بل انتقل إلى الصورة الباطنة , فبين إن " قلوبهم على قلب رجل واحد" ([39] ) فلا اختلاف بينهم ولا تحاسد ولا تباغض . إننا هنا أمام صورة مكتملة المعالم فى الظاهر والباطن, ففى الظاهر بالحسن والبهاء , وفى الباطن بالطهارة , والنقاء , والصفاء , وهذا يظهر بلاغة الوصف فى البيان النبوى , ويؤكد ما سبق ذكره من أنه وصف كاشف جامع لكل معالم الصورة .
وبعد الحديث عن كمالهم فى ذاتهم انتقل إلى الحديث عن النعيم الذى أعد لهم , فذكر الزوجتين من الحور العين, وبين صفاء ورقة بشرتهما فقال : " لكل امرئ منهم زوجتان([40] ) كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن " إن هاهنا صفاءً وبياضاً فى عظامهن ولحمهن ظاهراً وباطناً ليناسب حال هؤلاء المؤمنين فى الصفاء والنقاء , وهنا تكتمل معالم الصورة, ويقترن الشكل بشكله , والإلف بإلفه , فيزداد النور والبهاء , والحسن والضياء . فما أروع هذه الصورة النبوية حين نتخيلها أمام أعيننا , وقد امتزج النوران بين هؤلاء الداخلين إلى الجنة , والحور العين اللائى وصفهن القرآن بأنهن : ( كأنهن الياقوت والمرجان ) ( الرحمان : 58) , وقد أراد بذلك صفاء الياقوت فى بياض المرجان , فشبههن

فى صفاء اللون وبياضه بالياقوت والمرجان ([41] ) , إن هذا النعيم المقيم والعطاء الجزيل ليلهمهم التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس ([42] ) , وليس المقصود بالتسبيح بكرة وعشياً الحقيقة لفناء الدنيا , وإنما المقصود هو الديمومة ([43] ) . وبعد هذا الوصف الدقيق لصورتهم وما أعد لهم من الحور العين انتقل البيان النبوى إلى وصف حالهم فهم " لا يسقمون , ولا يمتخطون , ولا يبصقون , آنيتهم الذهب والفضة , وأمشاطهم الذهب " .
ما أروع هذا الوصف الدقيق الجامع , فلقد تناول حالهم فى الداخل وما يحتاجون إليه فى الخارج من الأوانى والأمشاط . وهنا سر دقيق . فهم لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون وهذا ما يناسب ما هم عليه من الضياء والنقاء والصفاء والحسن والبهاء , كما أن آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة , وفيهما من الصفاء واللمعان والبريق ما هو معلوم ([44] ) , فهنا ضياء ونور وصفاء فى كل شئ , فى ظاهرهم وباطنهم , فى كل ما يحيط بهم ([45] ) , ويبدو لى هنا لوحة وصفية يشع النور من كل أجزائها فى تناسق وتلاحم . هاهم المؤمنون والنور يشع منهم , وهاهى الحور العين فى صفائها ونقائها , وهاهى الآنية والأمشاط فى لمعانها وبريقها , هل بقى شئ ؟ نعم بقيت المجامر ([46] ) , وهى " الألوّة " ([47] ) , ولكن جعلت مجامرهم نفس العـود بأن يشتعل بـغير نار , بل بقوله : " كن " . لقد أحـيط هذا الضـياء بهذه
الرائحة الطيبة مع رشحهم المسك ([48] ) , فلقد جاءت هذه الرائحة الطيبة من رشحهم ومن حولهم لتكتمل معالم الصورة , وبهذا يكون البيان النبوى قد وصف لنا حال هؤلاء الداخلين إلى الجنة وصفاً كاشفاً جامعاً . وهو وصف لمشاهد من عالم الغيب عرضها علينا فى إيجاز وفى تناسق , وفى تلاحم عجيب جمع فيه بين أجزاء الصورة الرائعة التى شاع النور وانتشر فى جميع أجزائها . وهذه الصورة الرائعة هناك روابط وقواسم مشتركة بينها وهى الضياء , والبهاء , والحسن , واللمعان , والصفاء !
لقد جاء نورهم من أعمالهم الصالحة , وقد جاء حسنهم وبهاؤهم من طهارتهم الحسية والمعنوية فى الدنيا , فلينظر كل منا ومن خلال هذا الحديث الرائع إلى ما قدم من نور لنفسه يوم القيامة : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ) ( الحديد : 12) فى تصورى مهما أوتى المرء من بلاغة وبراعة لا يستطيع أن يصف حال أهل الجنة بأبلغ مما وصفه به البيان النبوى لأن النبى صلى الله عليه وسلم يصف وصف من رأى وسمع , مع ما أوتى من جوامع الكلم , والاتصال بالملأ الأعلى فى كل وقت وحين .
ومن روائع الوصف النبوى : وصف الخوارج , فعن أبى سعيد الخدرى رضـى الله عـنه قـال : بعث على رضى الله عنه إلى النبى صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها بين أربعة : الأقرع بن حابس الحنظلى ثم المجاشعى , وعيينة بن بدر الفزارى , وزيد الطائى , ثم أحد بنى نبهان,علقمة بن علاثة العامرى , ثم أحد بنى كلاب . فغضبت قريش والأنصار , قالوا : يعطى صناديد أهل نجد ويدعنا . قال : " إنما أتألفهم " . فأقبل رجل غائر العينين , مشرف الوجنتين , كث اللحية , محلوق , فقال : اتق الله يا محمد , فقال:" من يطع الله إذا عصيت ؟ أيأمننى الله على أهل الأرض فلا تأمنونى ؟ " فسأله رجل قتله – أحسبه خال بن الوليد – فمنعه فلما ولى قال : " إن من ضئضئ هذا – أو فى عقب هذا – قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم , يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية , يقتلون أهل الإسلام ويدعون
أهل الأوثان , لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " ([49] ) , وفى روايـة : " إنـه يـخرج من ضـئضئ ([50] ) هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " وأظنه قال : " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود " ([51] )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتى فى آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان , سفهاء الأحلام , يقولون من قول خير البرية , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية , لا يجاوز إيمانهم حناجرهم , فأينما لقيـتموهم فاقتلوهم , فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة " ([52] ) فى هذا الحديث الشريف نحن أمام وصف دقيق يتخطى حدود المكان والزمان ليكشف لنا عن أوصاف بعض من ينتسبون إلى المسلمين ولكنهم عبء عليهم , وحرب لهم , وأمان وسلم لعدوهم ... ,هذه الفئة التى نراها ونعايشها اليوم كما كانت بالأمـس وفى الماضـى , وكما ستكون فى المستقبل وضع لنا البيان النبوى أوصافاً لها تكشف عن حقيقتها وتوضح فكرها , ومدى فهمها للدين , وعوار هذا الفهم . والوصف النبوى هنا ينطبق عليه الخصيصة التى أشرت إليها من قبل , وهى أنه وصف يتجاوز حدود الزمان والمكان ليربط الماضى بالحاضر والمستقبل , وذلك لأنه خرج ممن لا ينطق عن الهوى ( إن هو إلا وحى يوحى ) (النجم : 4) . ولقد ذكر النبى صلى الله عليه وسلم أوصافهم فى أكثر من حديث , وسأجمع هذه الأوصاف كما جاءت فى الصحيحين , وأتناولها بالتحليل البلاغى والأدبى .
إنهم قوم يقرءون القرآن , وفى رواية يتلون كتاب الله ليناً رطباً لا يجاوز حناجرهم . لا يجاوز إيمانهم حناجرهم . تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ([53] ) وليس قراءتكم إلى قراءتهم بشئ

ولا صيامكم إلى صيامهم بشئ . يقولون من قول خير البرية . حدثاء أو أحداث أو حدّاث الأسنان . سفهاء الأحلام . يقتلون أهل الإسلام , ويدعون أهل الأوثان .
هذه عبادتهم كما جاء فى وصفهم : " يقرءون القرآن ليناً رطباً لا يجاوز حناجرهم " . ما أدق هذا الوصف . فهم لا نصيب لهم من القراءة للقرآن إلا ترديد الألسنة لأن القرآن لم ينفذ إلى قلوبهم , إنه عند الحناجر ([54] ) لا يتجاوزها , فلم تشرب قلوبهم حبه وفهمه كما يجب أن يكون , إنه لين ([55] ) رطب بالنسبة لهم , سهل عليهم فى الحفظ والتلاوة , أما فى الفهم والعمل فهم لا رصيد لهم ([56] ) , فهم يرددونه ويلوون ألسنتهم به تحريفاً لمعانيه , وميلاً لأهوائهم , فصورتهم وهم يقرءون القرآن صورة خادعة لمن لم يعرف حقيقة فكرهم , فمن رآهم وهم يقرءون القرآن بسهولة ولين ظنهم من العالمين الفاقهين حيث لان القرآن لهم فى التلاوة .
إن صورتهم الخادعة فى العبادة لا تقف عند قراءة القرآن , بل من أوصافهم : أنكم " تحقرون صلاتكم مع صلاتهم , وقراءتكم مع قراءتهم , وصيامكم مع صيامهم " , فهم يقومون الليل , ويصومون النهار , ويكثرون من التلاوة للقرآن , بل ويقولون من خير قول البرية ! ولكن ليس لهم روح العبادة , وإنما لهم مظاهرها وظاهرها , فهم لا يعرفون من الدين إلا القشور , وكما جاء فى وصفهم " لا يجاوز إيمانهم حناجرهم " . فكما أن القرآن لم يستقر فى قلوبهم فهماً وعملاً كذلك الإيمان إيمان باللسان لا بالجنان , إيمان بالأقوال لا بالأفعال , وما أبعد هذا الصنف من الناس عن حقيقة الدين . فالإيمان لم ينفذ إلى قلوبهم , إنما وقف عند حلاقيمهم , وما وقف عند الحلاقيم لا يصل إلى القلب !
ولذلك فهم " يقولون من خير قول البرية "([57] ) كما وصفهم البيان النبوى فكلامهم فى الظاهر
حسن معسول , ولكن فى الباطن فهمهم للدين مدخول , إن عبادتهم كلها ظواهر لا رصيد لها من إيمان أو إخلاص , وقراءتهم كلها حركات للألسنة والحناجر لا وزن لها , ولا تستند إلى فهم سديد . ولكن هل يقف وصفهم عند هذا الحد ؟ لا , فهم " أحداث الأسنان " ([58] ) صغار السن لم يسبروا أغوار العلم , ولم يعيشوا فى رحابه وقتاً كافياً فهماً وعملاً , ولم يكتسبوا الخبرة الكافية لصغر سنهم , وضيق عطنهم ([59] ) , وأفن عقولهم .
وعن هذه العقول فحدث ولا حرج , ولن تجد لوصف عقولهم أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم : " سفهاء الأحلام "([60] ) , فعقولهم ضعيفة رديئة صغيرة لا قدرة لها على الفهم والتحليل والاستنباط , ولا عناية لها بمعالى الأمور , وإنما عنايتهم بسفاسف الأمور , فهم يهتمون بالقشور ويتركون الجوهر , يهتمون بالظاهر ويغفلون الباطن , ولا صبر لهم على فهم الدين والفقه لمقاصده , ولا ثبات عندهم أمام الشبهات , ولا رسوخ لأقدامهم فى الحق , فهم متزعزعون عند الفتن , متخبطون فى النوازل , يضعون الأدلة فى غير مواضعها , انطلقوا إلى آيات نزلت فى الكافرين فجعلوها على المؤمنين . ولذلك فهم " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " ([61] ) , وما أروع هذا الوصف الدقيق لحالهم مع الدين , فهم كما يكفرون الناس على أهون الأسباب , ويأثمونهم على أصغر الأمور , فهم كذلك يخرجون من الدين بنفس السرعة التى دخلوه بها , فلا ثبات لهم على الحق , ولا نصيب لهم من الصبر , وكما يقول الشريف الرضى : " شبه عليه الصلاة والسلام دخولهم فى الدين وخروجهم منه بسرعة من غير أن يتعلقوا منه بعقدته , أو يعيقوا ( يلتصقوا ) بطينته بالسهم
الذى أصاب الرمية وهى الطريدة المرمية ثم خرج مسرعاً من جسمها , ولم يعلق بشئ من فرثها ودمها . وذلك من صفات السهم الصائب لأنه لا يكون شديد السرعة إلا بعد أن يكون قوى النزعة " ([62] )
ويبدو لى فى هذا التصوير النبوى الدقيق والذى رافق الوصف هنا أكثر من سر بلاغى : الأول : الصلابة والشدة عند هؤلاء فى التعامل مع الناس , وفى أمور الدين , وخاصة فى سفاسف الأمور . ويبدو ذلك واضحاً من خلال قوله عليه الصلاة والسلام : " كما يمرق السهم من الرمية " , وذلك من صفات السهم الصائب الصلب لأنه لا يكون شديد السرعة إلا بعد أن يكون قوى النزعة. فالصلابة فى السهم , والقوة والسرعة فى اندفاعه تدفعه إلى الرجوع والخروج من الطريدة بعد إصابتها . وهذا وصف دقيق لحالهم , وتصوير فريد لهم فهم لا رفق عندهم فى التعامل مع الناس , يغلب عليهم جفاف الروح , وتقطيب الجبين , وتعقيد الأمور , وتضخيم الصغير , وتضغير الكبير . وهذا واقع يعرفه من عامل هؤلاء ([63] ) وعرف حقيقة طباعهم , كما أن صلابة السهم موجودة فى آرائهم , هم لا يرجعون عن آرائهم الباطلة وفهمهم المدخول للدين , ولا يزعنون للحق ([64] ) , فصلابة الرأى من سماتهم مع فساد ما هم عليه من الفهم , وهذه حقيقة تاريخية معروفة عن الخوارج , وحقيقة واقعية معروفة عن أشباههم اليوم ! فهؤلاء يؤثرون أن يكونوا رؤوساً فى الباطل على أن يكونوا ذيولاً فى الحق !
الثانى :السرعة والاندفاع عند هؤلاء , وذلك أيضاً من خلال قوله صلى الله عليه وسلم : " يمرقون من الدين كما يمرق السـهم من الرمية " ([65] ) , والـسرعة والاندفـاع عند هـؤلاء فى

الحكم على الناس بالفـسق والكفر , والاندفاع فى التـعامل مع الناس , وعدم الصـبر على تحـصيل العلم , والسـرعة فى اتهام النـاس زوراً وبهـتاناً ؛ لأنهم لا يؤيـدونهم فيـما يذهبون إليه ([66] ) , إنهم يخرجون من الدين بنفس السرعة التى دخلوها فيه , وتشاهد كثيراً من ذيول هؤلاء فى عصرنا لا يلبث أحدهم فى طريق الالتزام قليلاً حتى يحيد عن الحق , ويرجع إلى سابق عهده فى الفسق ؛ لأنه لم يتعلق من الدين إلا بالقشور التى لا تبنى علماً , ولا تؤسس فهماً , وسرعتهم فى ذلك بقدر ما يدخل السهم فى الصيد ويخرج منه بسرعة!
وليس هناك وصف دقيق يصور حالهم مع الإيجاز أبلغ من هذا الوصف النبوى . فهذا الحديث بالإضافة إلى أنه معجزة من معجزات النبى صلى الله عليه وسلم يشتمل على أسرار بلاغية كاشفة عن حقيقة هؤلاء فى كل مكان وزمان . إن أفن عقولهم , وسوء فهمهم للدين , وصلابتهم فى التمسك بالباطل , واندفاعهم فى رفض الحق , كل ذلك يدفعهم إلى أن " يقتلوا أهل الإسلام , ويدعوا أهل الأوثان " كما وصفهم البيان النبوى ([67] ) , وهذا وصف دقيق لهؤلاء المارقين فى كل زمان ومكان , فهم يفعلون ذلك بالمسلمين استناداً إلى تأويل فاسد لآيات القرآن , وفهم مدخول لحقيقة الدين . وهذه حقيقتهم فى عصرنا كما كانت حقيقتهم فى الماضى , وكما ستكون فى المستقبل ([68] ) , إن الوصف النبوى هنا يتميز بخصيصة ظاهرة , وهى أنه وصف جامع كاشف مركز على أبرز صفات هؤلاء الخوارج ([69] )
وهو وصف متخطى لحدود الزمان والمكان . فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " , وفى رواية " لأقتلنهم قتل ثمود "([70] ) , وفى رواية " فأينما لقيتموهم فاقتلوهم , فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة " ([71] ) . وفى ذلك معجزة ظاهرة للنبى صلى الله عليه وسلم , فهم مع نهيه عن قتل أصلهم ( وهو الرجل الذى قال لرسول الله : اتق الله يا محمد ) أراد إدراك خروجهم واعتراضهم المسلمين بالسيف , ولم يكن ظهر ذلك فى زمانه , وأول ما ظهر فى زمان على رضى الله عنه كما هو مشهور ([72] ) . فهؤلاء بسفكهم للدماء , وفهمهم المدخول للدين , وعدم نفاذهم إلى حقيقة الإسلام يمثلون خطراً عظيماً على المسلمين ؛ لأنهم ينتسبون إلى الإسلام بينما يقتلون أهل الإسلام , ويدعون أهل الأوثان ([73] ) فهم رأس الفتنة , ومنبع البلوى , ومصيبة المسلمين فيهم أكبر من مصيبتهم من أعداء الإسلام . فما أروع وأدق هذا الوصف النبوى الموجز المعبر أدق تعبير عن حقيقة هؤلاء الخارجين فى كل زمان ومكان !
ومن روائع الوصف النبوى : قوله صلى الله عليه وسلم : " ويقولون : الكرم , إنما الكرم قلب المؤمن " ([74] ) , وفى رواية لمسلم : " ... ولا يقـولن أحدكم للعنـب الكرم , فإن الكـرم الرجل المـسلم " , وفى رواية لـه أيضاً " لا يقـولن أحـدكم الكرم , فإنـما الكرم قلـب المـؤمن " ([75] ) ونحن هنا أمام وصف من نوع آخر. وشاهدنا فى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الكرم قلب المؤمن " , وقوله : " فإن الكرم الرجل المسلم " والوصف النبوى هنا جاء لتصحيح لفـظ طالما وضـع لغير معناه الحقيـقى , وفى غيرموضـعه فى حـياة
العرب فى ذلك الوقت , وروعى فى تصحيحه الجانب الذهنى والفكرى عند الناس . لقد كانت العرب تطلق لفظة " الكرم " ([76] ) على شجر العنب , وعلى العنب , وعلى الخمر المتخذة من العنب ([77] ) , فكره الشرع هذا الاسم لأنه يربط بين العنب والخمر المتخذة منه فى أذهانهم , ولأن فيه خطأ فى الفهم حيث وصفت الخمر بغير صفتها , وسميت بغير اسمها , وهذا مما يؤدى إلى التباس الأمر على بعض الناس , ويهيج فى نفوسهم الاتجاه إلى مقاربتها ولذلك جاءهم بالاسم الحقيقى الذى لايلتبس بغيره وهو العنب , والحبلة ([78] )
وبلاغة الوصف هنا فى أن جعل " الكرم قلب المؤمن " , أو " الرجل المسلم " , فلم حول النبى صلى الله عليه وسلم الوصف هنا إلى الرجل المسلم أو قلبه المؤمن ؟ ويبدو لى هنا أكثر من سر : الأول : لفت انتباه المسلم , وتحويل فكره عن كل ما يذكر بالمعصية أو يقاربها ([79] ) , وتحويل الفكر إلى كل ما يذكر بالطاعة ويحض عليها , ويبدو ذلك واضحاً من إرادته صلى الله عليه وسلم أن يصرف أذهانهم وأفكارهم عن كل ما يتصل بالخمر من قريب أو بعيد ([80] ) , وتحويل أفكارهم إلى كل ما يقرب من الطاعة بربطه هذا الاسم بصفة من صفات المسلم أو قلبه المؤمن , وهى من الصفات التى يحبها الله .
الثانى : ربط المسـلم بالقرآن الكريم , فوصـف المسلم بـ " الكـرم " قد جـاء فى القرآن حـيث
يقول تعالى : ( ... إن أكرمكم عند الله أتقاكم ... ) (الحجرات : 13) ([81] ) , وفى هذا تحويل المسلم إلى الوجهة السليمة مع إضافة معان جديدة تتصل بالمسلم , وما يجب أن يكون عليه من تقوى الله عز وجل . وهذا التصويب النبوى فيه معجزة ظاهرة . فكما كانت العرب قديماً تسمى الخمر بغير اسمها , فلقد نبتت نابتة اليوم تسلك نفس السبيل ([82] ) , ومن أسرار جمال هذا الحديث : وصف المسلم ووصف قلبه المؤمن بـ " الكرم " فالنبى صلى الله عليه وسلم لما بين لهم أن الخمر أم الخبائث والرجس الذى هو من عمل الشيطان , صوب رأى من رأى استحقاق هذا بقلب المؤمن الطاهر عن أوضار الرجس والآثام , وأنه معدن مكارم الأخلاق ومنبعها , ومركز التقوى , وأحرى أن يسمى كرماً . قال تعالى : ( ... فإنها من تقوى القلوب ... ) ( الحج : 32) , وقال : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ... ) ( الحجرات : 13) كأنه صلى الله عليه وسلم نبه المسلمين على التحلى بالتقوى والتزيى به , وأنه رأس مكارم الأخلاق لا ما ذهب إليه الجاهلية ([83] ) فسمى قلب المؤمن كرماً لما فيه من نور الإيمان وهدى الإسلام , وسماه كرماً لما فيه الهدى والنور والتقوى , والصفات المستحقة لهذا الاسم وكذلك الرجل المسلم ([84] ) , وللإمام أبى محمد بن أبى جمرة تحليل دقيق حول الوصف فى هذا الحديث , وملخصه " لما كان اشتقاق الكرم من الكرم , والأرض الكريمة هى أحسن الأرض فلا يليق أن يعبر بهذه الصفة إلا عن فلب المؤمن الذى هو خير الأشياء ؛ لأن المؤمن خير من الحيوان , وخير ما فيه قلبه , لأنه إذا صلح صلح الجسد كله , وهو أرض لنبات شـجرة الإيمان . ويؤخـذ منه أن كل خير – باللـفظ أو المعنى أو بهـما أو مشـتقاً منه أو
مسمى به – إنما يضاف بالحقيقة الشرعية لأن الإيمان وأهله وإن أضيف إلى ما عدا ذلك فهو بطريق المجاز , وفى تشبيه الكرم بقلب المؤمن معنى لطيف لأن أوصاف الشيطان تجرى مع الكرمة كما يجرى الشيطان فى بنى آدم مجرى الدم , فإذا غفل المؤمن عن شيطانه أوقعه فى المخالفة و كما أن من غفل عن عصير كرمة تخمر فتنجس , ويقوى التشبيه أيضاً أن الخمر يعود خلاً من ساعته بنفسه أو بالتخليل فيعود طاهراً . وكذا المؤمن يعود من ساعته بالتوبة النصوح طاهراً من خبث الذنوب المتقدمة التى كان متنجساً باتصافه بها إما بباعث من غيره من موعظة ونحوها , وهو كالتخليل , أوبباعث من نفسه وهو كالتخلل . فينبغى للعاقل أن يتعرض لمعالجة قلبه لئلا يهلك وهو على الصفة المذمومة ([85] ) وكما جاء تصحيح الاسم والوصف من النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث , وذلك بتحويل الوصف بــ " الكرم " إلى الرجل المسلم أو قلبه المؤمن جاء وصف آخر فى مقام النهى عن وصف النفس بـ " الخبث " فقال صلى الله عليه وسلم : " لا يقولن أحدكم خَبُثت نفسى , ولكن ليقل : لقِست نفسى " ([86] ) فلفظا " الخبث , واللقس " وإن كان المعنى المراد يتأدى بكل منهما إلا أن لفظ " الخبث " قبيح , ويجمع أموراً زائدة , فالخبث يطلق على الباطل فى الاعتقاد , والكذب فى المقال , والقبيح فى الفعال , وعلى الحرام , والصفات المذمومة القولية والفعلية ([87] ) فكره لفظ " الخبث " ([88] ) لبشاعة الاسم , وعلمهم الأدب فى الألفاظ , واستعمال حسنها , وهجران خبيثها , أما " اللقس " فمعناه غثت وضاقت و ويخـتص بامتلاء المعدة ([89] ) , وهكذا يصـحح النبى صلى الله عليه وسلم تصورات المسلمين
وأفكارهم , وما ينبغى أن يوصف به المؤمن حتى ولو كان فى جانب الذم , فلا ينبغى أن يصف نفسه أو يصفه غيره بما تناهى قبحه لأن المؤمن على كل حال لا يخلو من خير , فيجب أن يظهر جانب الخير فيه وينمى , ويجب أن يخفى جانب الشر فيه ويمحى , فما أدق الوصف فى البيان النبوى , وما أروعه , وما أرفع أهدافه وأسمى غايته , فالصلاة والسلام على من أوتى جوامع الكلم . وبعد هذه الرحلة القصيرة فى رحاب الوصف فى البيان النبوى أنتقل إلى بيان بعض خصائص الوصف من خلال ما سبق ذكره من أحاديث .
من خصائص الوصف فى البيان النبوى:([90] )
أولاً : الاقتباس من القرآن , وتفصيل ما أجمله . وهذه خصيصة بارزة فى البيان النبوى , ومن ذلك ما جاء فى حديث " وصف النخلة " وتمثيلها بالمسلم , فلقد جاء الوصف النبوى تفصيل لمعنى الإيمان والإخلاص فى قوله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء ... ) ( إبراهيم : 24) . ثانياً : الوصف النبوى وصف يقلب السمع بصراً , والمعقول محسوساً , ويصور الأمور المعنوية فى صورة حسية , كما جاء فى الحديث السابق وفى غيره من الأحاديث التى سأشير إليها فى نهاية هذا الفصل . ثالثاً : الوصف النبوى وصف جامع وكاشف وموجز, وهذه الخصيصة من أبرز الخصائص فى البيان النبوى بشكل عام , ومن أبرز خصائص الوصف فيه بشكل خاص . وهذه الخصيصة نراها بوضوح وجلاء فى حديث " وصف النخلة " السابق . فلقد اتضح لنا كيف جمع صفات المسلم , وكشف عن حقيقته من خلال وصف من أوصاف النخلة , وما أكثر الصفات المشتركة بينهما كما سبق , وقد سبق عند تعريف الوصف عند البلاغيين أن أحسن الوصف ما جاء بأكثر المعانى التى الموصوف مركب منها , ثم بأظهرها فيه وأولاها حتى يحكيه ويمثله للحس بنعته , وهذا أيضاً منهج القرأن فى الوصف كما مضى فى وصف البقرة التى أمر بنو إسرائيل بذبحها ... والبيان النبوى إنما هو قبس من البيان القرآنى , ومن أمثلة هذه الخصيصة حديث " وصف الخوارج " الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية , فلقد أتى البيان النبوى على أوصافهم فى إيجاز كاشف جامع . رابعاً : الوصف النبوى وصف مفتوح مع الزمان . فالبيان النبوى لكل العصور , ولكل الناس فى كل مكان وزمان , وهذه الخصيصة ظاهرة فى الأحاديث التى تتعرض لبيان الفتن التى تكون بين يدى الساعة كما فى حديث " وصف الخوارج " السابق . خامساً : انتقاء الوصف النبوى من أنماط الأساليب البيانية ما يناسب طبيعة المعنى فى كل موضع , فمثلاً فى حديث " وصف الخوارج " جاء بالتشبيه فى قوله : " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " كما جاء ذكر السهم فى هذا المقام مع التشبيه لكون السهم أنسب فى التعبير عن صلابة هؤلاء وشدتهم , واندفاعهم . فالعبارة الوصفية قد تكون فى موضع أبلغ من التشبيه وأوفى بالمعنى وأنسب بالمقام , وقد تكون الاستعارة فى موضع أبلغ من الوصف والتشبيه كذلك , وهكذا ينتقى البيان النبوى من أنماط الأساليب البيانية ما يناسب طبيعة المعنى فى كل موضع , ويعبرعن المقصود أتم تعبير . سادساً : تلاحم الوصف النبوى مع الغرض المقصود . وهذه خصيصة بارزة فى الوصف النبوى بشكل عام , ومنها هنا حديث " وصف نعيم أهل الجنة وحالهم " , فلقد جاء الوصف النبوى ليبين أنهم فى قمة النعيم , فالنور فى ظاهرهم وباطنهم وفيما حولهم ... , والصفاء واللمعان والضياء والنقاء شعارهم , ولقد جاء الوصف النبوى بلوحاته الرائعة ليرسم لنا صورة حية لحال هؤلاء تتناسب مع الغرض . سابعاً : الكشف عن الأمور الغيبية وتصويرها للعيان كما فى حديث " وصف نعيم أهل الجنة " ([91] ) . ثامناً : الوصف النبوى يربط بين عالم الغيب وعالم الشهادة كما فى حديث وصف نعيم أهل الجنة. تاسعاً : من خصائص الوصف النبوى واقعيته وانسجامه مع البيئة كما فى حديث " وصف النخلة " , فإن المعانى التى يشتمل عليها الوصف , وصوره من البيئة التى يعيش فيها الناس وهذا مما يقرب الوصف ويوضحه , ويمثله للعيان , ويربط بين المعنى المقصود والواقع الذى يعيش فيه الناس . عاشراً : التناسق والدقة والإحكام , وليست هذه الكلمات على سبيل المدح العام , بل تنطبق على أحاديث الوصف تمام الانطباق ومن ذلك حديث " وصف الخوارج " السابق , فلقد رأينا كيف وصفهم البيان النبوى وصفاً دقيقاً ينطبق عليهم تمام الانطباق . حادى عشر : الوصف النبوى مصحح للفهم , مصوب للخطأ فى اللفظ كما فى حديث " النهى عن تسمية العنب كرماً " , وحديث " النهى عن وصف النفس بالخبث " . وبعد هذا العرض الموجز لأبرز خصائص الوصف فى البيان النبوى من خلال ما سبق ذكره من أمثلة أنتقل إلى الإشارة إلى بعض أحاديث الوصف الأخرى تاركاً للقارئ أن يتأمل ما فيها من أسرار الوصف .
ومن ذلك : وصف وسوسة الشيطان فى الصلاة , واختلاسه منها , وعقده على قافية الرأس للتثبيط عنها , وبوله فى الأذن , وجريه من ابن آدم مجرى الدم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا نودى للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين , فإذا قضى النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر , حتى إذا قضى التـثويب أقبل حتى يخـطر بين المرء ونفـسه يقول : اذكر كذا اذكر كذا – لما لم يكن يذكر – حتى يظل الرجل لا يدرى كم صلى "([92] ) , وقوله لما سئل عن الالتفات فى الصلاة : " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " ([93] ) , وقوله : " يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد , يضرب كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد , فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة , فإن توضأ انحلت عقدة , فإن صلى انحلت عقده , فأصبح نشيطاً طيب النفس و وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " ([94] ) , وقوله لما ذكر عنده رجل نام عن الصلاة حتى أصبح : " بال الشيطان فى أذنه " ([95] ) , وقوله : " إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم " ([96] )
ومن ذلك وصف الحوض , والجنة , والنار .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حوضى مسيرة شهر, وزواياه سواء, وماؤه أبيض
من الورق , وريحه أطيب من المسك , وكيزانه كنجوم السماء , فمن شرب من فلا يظمأ بعده أبداً " ([97] ) , وقوله فى وصف شجرة فى الجنة : " إن فى الجنة لشجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها " ([98] ) , وقوله فى وصف خيمة فى الجنة : " الخيـمة درة مجوفة طولـها فى السماء سـتون ميلاً , فى كل زاوية منـها أهل للمـؤمن لا يراهم الآخرون " ([99] ) , وقوله فى وصف نار جهنم وحرها : " ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم " قيل يا رسول الله : إن كانت لكافية . قال : " فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها " ([100] ) .
وهذه بعض أحاديث الوصف من الصحيح , وهناك أحاديث أخرى تركت ذكرها خشية التطويل , وهى أحاديث ينطبق عليها ما ذكرته من خصائص الوصف , ومن أراد التوسع فى هذا الموضوع فعليه بمراجعة الصحيحين , وكتب السنن فى أحاديث وصف الفتن , وأحاديث وصف الجنة والنار , وأحاديث وصف أحوال الناس يوم القيامة . وأنتقل إلى الحديث عن القصة فى البيان النبوى .
(1) ينظر اللسان مادة " وصف " 9/356, وبصائر ذوى التمييز 5/224,223, وأساس البلاغة 2/510, والمصباح المنير ص 254, والكليات ص 942, والتعريفات ص 326, ومعجم الألفاظ والأعلام القرآنية ص 576
(2) أما عند النحويين " فالصفة : الاسم الدال على بعض أحوال الذات , وذلك نحو : طويل وقصير وعاقل وقائم ... , والذى تساق له الصفة هو التفرقة بين المشتركين فى الاسم , ويقال : إنها للتخصيص فى النكرات , وللتوضيح فى المعارف . والصفة والنعت واحد , وقد ذهب بعضهم إلى أن النعت يكون بالحلية نحو : طويل وقصير , والصفة تكون بالأفعال نحو ضارب وخارج . فعلى هذا يقال للبارئ سبحانه موصوف , ولا يقال له منعوت . والصفة لفظ يتبع الموصوف فى إعرابه تحلية وتخصيصاً له بذكر معنى فى الموصوف أو فى شئ من سببه , وذلك المعنى عرض للذات لازم له ... , ولا تكون الصفة إلا مأخوذة من فعل أو راجعاً إلى معنى الفعل , وذلك كاسم الفاعل نحو : ضارب وآكل وشارب ومحسن , واسم المفعول نحو : مضروب ومأكول ومشروب , أو صفة مشبهة باسم الفاعل نحو : حسن وشديد وبطل ... " ينظر شرح المفصل 3/46- 48باختصار لابن يعيش النحوى – ط عالم الكتب – بيروت , ولسان العرب 9/357. ومما تجدر الإشارة إليه أن الصفة تأتى لأسباب منها : مجرد المدح والثناء , ومنه صفات الله تعالى كقوله : بسم الله الرحمان الرحيم , ولزيادة البيان كذا قاله ابن مالك , ومثله بقوله تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى ... ) ( الأعراف : 158) , ولتعيينه للجنسية كقوله تعالى : ( وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ... ) ( الأنعام : 38) لان المعنى بدابة والذى سيق له الكلام الجنسية لا الإفراد بدليل قوله تعالى : ( إلا أمم أمثالكم ) ينظر البرهان 2/422- 426
(3) ينظر نقد الشعر ص 130 ط مكتبة الكليات الأزهرية – ط أولى – (1398) هـ .
(1) ينظر الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان ص 187,186 ط مكتبة القرآن .
(2) انظر الصناعتين ص 84, والعمدة 2/295,294, وأسس النقد الأدبى عن العرب ص 277 أ.د. أحمد بدوى
(1) ينظر التصوير الفنى فى الحديث النبوى ص 491
(2) مما تجدر الإشارة إليه أنه لم تعد الصورة فى النقد الحديث تعنى مجرد التشبيه والاستعارة أو المجاز بصفة عامة, بل هى فى مفهومها كما يعرفها " راى لويس " لوحة مصنوعة من الألفاظ , وقد تخلق الاستعارة أو التشبيه صورة , ولكن من الممكن أيضاً أن تضع الصورة الرائعة عبارة وصفية تحمل إلى تصورنا شيئاً أكثر من مجرد الانعكاس الحرفى للحقيقة الخارجية , وقد انتهى معظم الباحثين المحدثين إلى القول بأن الصورة تعنى كل عناصر الشكل بحيث توضع بإزاء المضمون وهى متحدة معه تماماً بحيث لا يمكن الفصل بينهما , ودراسة أى نص ينبغى أن تكون فى إطار العلاقات التى تقيمها لغة النص من حيث التراكيب والصور والرموز , وليست اللغة مجرد مفردات حديثة قائمة بذاتها , ولكنها أهم من ذلك بكثير , إنها علاقات متداخلة متشابكة , والنص نسيج متكامل يتداخل فيه إيقاع الذات وإيقاع البيئة والمجتمع والثقافة . التصوير الفنى فى الحديث النبوى ص 489
(3) ينظر البيان النبوى ص 229
(4) ينظر الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان ص 187 (5) ينظر وحى القلم 3/23,22
(1) ينظر الحديث النبوى مصطلحه وبلاغته وكتبه ص 72
(2) عالم الخيال : هو الصورة الذهنية التى ترتسم على صفحات عقولنا وتختزن فى ذاكرتنا , واستعادة هذه الصور لا تكون بهيئتها دون تغيير وإلا ما كان للأديب فضل كبير فى الإبداع لأن لكل إنسان صور مختزنة كثيرة يستطيع أن ينقلها كما أحس بها دون جهد , إنما الفضل كل الفضل فى إبراز هذه الصورة المختزنة بعد اختيار للجيد ونفى للردئ , وحذف للعناصر التافهة , وإثبات للعناصر الحية . هذه العملية الإبداعية الكبيرة هى ما يسمى بـ " الخيال الفنى " فالخيال لدى الأديب يوجد مما اختزن فى أعماق النفس مع تنسيق تراعى فيه أوجه التقارب والتشابه , ويتوقف نجاح الأديب على حسن اختيار الصورة التى تجلو معانيه وتغمرها بالوضوح والإشراق, فالصورة المنسقة هى التى تزيد المعنى جمالاً به يقترب البعيد ويجلو الغامض , فينتقل الشعور به إلى النفس حياً قوياً ممتازاً , وعلى قدر هذا الانتقال الحى النافذ من الكاتب إلى القارئ يكمن إبداعه وتوفيقه قوة وضعفاً , وتحليقاً وانحداراً . البيان النبوى ص 232,231
(3) جزء من بيت لأبى ذؤيب الهذلى وتمامه : وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع . والشاهد فيه : الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية . فهو هنا شبه المنية فى نفسه بالسبع فى اغتياله للنفوس بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين نفاع وضرار ولا رقة لمرحوم , فأثبت لها الأظفار التى لا يكمل الاغتيال فى السبع بدون تحقيقها للمبالغة فى التشبيه , فتشبيه المنية بالسبع استعارة بالكناية , وإثبات الأظفار لها استعارة تخييلية . ينظر معاهد التنصيص على شواهد التلخيص 2/164للعباسى – ط عالم الكتب – بيروت – ( 1367) هـ ( 1947) م .
(4) ينظر المفتاح ص 123,122, والإيضاح 2/88
(1) ينظر الخيال فى الشعر العربى ص 67,13,12 للإمام / محمد الخضر حسين . ط تونس – ط ثانية – (1392) هـ . ويراجع للاستزادة فى ذلك أسرار البلاغة ص 138- 240
(2) انظر التصوير الفنى فى الحديث النبوى ص 491
(3) ينظر القصص فى الحديث النبوى ص 178 أ.د. محمد حسن الزير . ط دار طيبة – الرياض – ط رابعة – ( 1418) هـ ( 1997) م .
(4) ومشكاة النبوة قد أخذت وقبست من نور القرآن وبلاغته , ولذلك سأحرص قدر المستطاع على أن أبين أثر القرآن فى كل حديث من الأحاديث موضوع البحث سوا أكان ذلك الأثر فى الناحية البلاغية أو فى ناحية الموضوع أو غير ذلك , وفى هذا ربط للحديث النبوى بمنبعه الأصيل !
(5) أخرجه البخارى من حديث ابن عمر - كتاب العلم – باب قول المحدث حدثنا وأخبرنا – ح ( 61) – 1/175, وأخرجه مسلم – باب مثل المؤمن مثل النخلة - 17/153
(1) استخدم البيان النبوى وسائل مختلفة للوصف من أهمها : اعتماده التشبيه والتصوير , وقد سبق فى مقدمة البحث بيان العلاقة بين الوصف والتصوير , ومما هو معلوم أن من أغراض التشبيه : تقرير صفة المشبه فى ذهن السامع , وهذا الغرض يكثر فى تصوير الأمور المعنوية والذهنية فى صورة حسية مشاهدة حتى تتمكن الصورة فى نفس السامع وتستقر فى ذهن المخاطب لأن النفس إلى الحس أميل , وكما قالوا : من فقد حساً فقد فقد علماً . ينظر الإيضاح 3/35, وشروح التلخيص 3/399,398, والبيان فى ضوء أساليب القرآن الكريم ص 79أ.د. عبد الفتاح لاشين – ط دار الفكر – القاهرة – ط ثانية – (1420) هـ (2000) م .
(2) ولذلك قال العلماء : إن وجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق .
(3) قال العلماء : شبه النخلة بالمسلم فى كثرة خيرها , ودوام ظلها , وطيب ثمرها , ووجوده على الدوام , فإنه من حيث يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس , وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة , ولقد روى البزار بإسناد صحيح عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك " صحيح مسلم بشرح النووى 17/154, وفتح البارى 1/177
(1) جاء ذكر النخيل فى عشرين موضعاً من القرآن بألفاظ " النخل " فى عشرة مواضع , و " نخلاً " فى موضع واحد , و " النخلة " فى موضعين , و" النخيل " فى سبعة مواضع . المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص 690. وللنخل أهمية كبيرة ولها منزلة عظيمة فى حياة العرب , ولقد نقل ابن ناقيا عن بعض العرب فى فضل النخل قوله : نعم المال باسقات النخل , الراسخات فى الوحل , المطعمات فى المحل يعنى : التى تشرب بعروقها من الأرض . ولقد وضع العرب لها ولثمارها ولأجزائها أسماءً وأوصافاً , وهم لا يفعلون ذلك إلا فيما له منزلة ومكانة عندهم , ولقد عقد ابن قتيبة فى كتابه – أدب الكاتب – باباً للنخل كما عقد الثعالبى فى كتابه فقه اللغة ثلاثة فصول : الخامس: فى قصر النخل وطولها . والسادس : فى ترتيب سائر نعوتها . والسابع : مجمل فى ترتيب حمل النخل . ولهم فى وصف النخل أشعار كثيرة يراجع بعضها فى كتاب الجمان فى تشبيهات القرآن لابن ناقيا البغدادى . ولقد ألف الجاحظ كتابه الموسوم بـ " الزرع والنخل والزيتون والأعناب " فى المفاضلة بين التمر والعنب , وأطال الحجاج والتفضيل من الجانبين . ولقد عقد ابن القيم الفصل الثامن والخمسين من كتابه " مفتاح دار السعادة " للكلام على خلق النخلة وما فيها من العجائب موضحاً وجوه الشبه بينها وبين المسلم , وكان مما ذكره : 1- طيب ثمرتها وحلاوتها وعموم المنفعة بها , كذلك المؤمن طيب الكلام طيب العمل فيه المنفعة لنفسه ولغيره . 2- دوام لباسها وزينتها فلا يسقط عنها صيفاً ولا شتاءً , كذلك المؤمن لا يزول عنه لباس التقوى وزينتها حتى يوافى ربه تعالى . 3- سهولة تناول ثمرتها وتيسره , أما قصيرها فلا يحتاج المتناول إلى أن يرقاها , وأما باسقها فصعوده سهل بالنسبة إلى صعود الشجر الطوال وغيرها , فتراها كأنها قد هيئت منها المراقى والدرج إلى أعلاها , وكذلك المؤمن خيره سهل قريب لمن رام تناوله لا بالغر ولا باللئيم . 4- أن النخلة أصبر الشجر على الرياح والجهد , وغيرها من الدوح العظام تميلها الريح تارة , وتقلعها تارة , وتقصف أفنانها , ولا صبر لكثير منها على العطش كصبر النخلة , فكذلك المؤمن صبور على البلاء لا تزعزعه الرياح .5- أنها كلما طال عمرها ازداد خيرها , وجاد ثمرها , وكذلك المؤمن إذا طال عمره ازداد خيره وحسن عمله .6- أن قلبها من أطيب القلوب وأحلاه , وهذا أمر خصت به من دون سائر الأشجار , وكذلك قلب المؤمن من أطيب القلوب .7- أنها لا يتعطل نفعها بالكلية أبداً, بل إن تعطلت منها منفعة ففيها منافع أخر حتى لو تعطلت ثمارها سنة لكان للناس فى سعفها وخوصها وليفها منافع , وكذلك المؤمن لا يخلو عن شئ من خصال الخير قط إن أجدب منه جانب أخصب منه جانب فلا يزال خيره مأمولاً وشره مأموناً " ينظر مفتاح دار السعادة 1/359,355, وأدب الكاتب لابن قتيبة ص 80, وفقه اللغة وسرالعربية للثعالبى ص 313,312 , والجمان فى تشبيهات القرآن ص 144- 150, والمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ص 690, ومعجم الألفاظ والأعلام القرآنية ص 520,519
(2) قال القرطبى : وجه التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت , وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب , وأنه لا يزال مستوراً بدينه , وأنه ينتفع بكل ما يصدر عنه حياً وميتاً . فتح البارى 1/177
(1) ينظر الجامع لأحكام القرآن 5/237
(2) ينظر أمثال الحديث ص 223
(3) وهذه السمة " سمة الإيجاز " من أبرز سمات البيان النبوى , ويراجع ما سبق ذكره فى فصل الإيجاز حول حديث " أوتيت جوامع الكلم " .
(4) وذلك لأن المعانى العقلية المحضة لا يقبلها الحس والخيال والوهم , فإذا ذكر ما يلائمها من المحسوسات ترك الحس والخيال المنازعة , وانطبق المعقول على المحسوس فحصل الفهم التام . ينظر شروح التلخيص 3/399,398, وحاشية الشهاب 5/265
(5) وفيه إشارة إلى أن تشبيه الشئ بالشئ لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه , فإن المؤمن لا يماثله شئ من الجمادات ولا يعادله . أما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت , أو أنها لا تحمل حتى تلقح , أو لأنها تموت إذا غرقت , أو لأن لطلعها رائحة منى الآدمى , أو لأنها تعشق , أو لأنها تشرب من أعلاها ... فكلها أوجه ضعيفة ؛ لأن جميع ذلك من المشابهات مشترك فى الآدميين لا يختص بالمسلم , وأضعف من ذلك من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضلة طين آدم , فإن الحديث فى ذلك لم يثبت. فتح البارى 1/177
(6) وهو قول ابن مسعود , وابن عباس , وأنس , ومجاهد , وعكرمة , والضحاك , وابن زيد .ينظر تفسير الكشاف 2/519, وتفسير ابن كثير 2/485, والبحر المحيط 6/431, وتفسير أبى السعود 3/189,188
(7) أخرجه الترمذى والنسائى وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أنس . فتح البارى 1/178
(1) ينظر البحر المحيط 6/432
(2) ينظر الأمثال فى القرآن ص 233,232. ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الحديث قد ذكره ناصح الدين ابن الحنبلى ضمن أقيسة النبى صلى الله عليه وسلم فى عدة مواضع من كتابه ص 146,111,94
(3) أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة – كتاب بدء الخلق – باب ما جاء فى صفة الجنة وأنها مخلوقة – ح ( 3138) – 6/367 , وأخرجه مسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – 9/173
(1) وقوله : " كأشد كوكب " أفرد المضاف ليفيد الاستغراق فى هذا النوع من الكوكب . يعنى إذا تقصيت كوكباً كوكباً رأيتهم كأشده إضاءة . ينظر شرح الطيبى على المشكاة 10/254,253
(2) قال تعالى : ( لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً * درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً ) ( النساء : 96,95) , وقال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) ( الأنفال : 2-4) . وفى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدرى الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى والذى نفسى بيده , رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " . وأخرج البخارى فى صحيحه من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فى الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين فى سبيله , بين كل درجتين كما بين السماء والأرض , فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة , وفوقه عرش الرحمان , ومنه تفجر أنهار الجنة " وينظر هذه الأحاديث وغيرها فى كتاب حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم ص 109- 118- ط دار ابن رجب – ط ثانية – (1426) هـ ( 25005) م .
(3) وفى الحديث : " بشر المشائين فى الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " أخرجه أبو داود والترمذى من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعاً . مشكاة المصابيح 2/285
(4) لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم , ومن وراء ظهورهم فجعل النور فى الجهتين شعاراً لهم وآية لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا , وبصحائفهم البيض أفلحوا , فإذا ذهب بهم إلى الجنة ومروا على الصراط يسعون سعى بسعيهم ذلك النور جنيباً لهم ومتقدماً . الكشاف 4/473
(1) لأنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة على ركاب تزف بهم , وهؤلاء مشاة . وانظرونا وانظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به . الكشاف 4/473
(2) قوله : " قلب رجل واحد " من التشبيه المحذوف الأداة , أى كقلب رجل واحد, وقد فسره بقوله : " لا تحاسد بينهم ولا اختلاف " أى أن قلوبهم طهرت من مذموم الأخلاق . فتح البارى 6/374
(3) يقول الطيبى : الظاهر أن التثنية للتكرير لا للتحديد كقوله تعالى : ( ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ) ( الملك : 4) لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين . ويقول ابن القيم : ولا ريب ان للمؤمن فى الجنة أكثر من اثنتين لما فى الصحيحين من حديث أبى عمران الجونى عن أبى بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للعبد المؤمن فى الجنة لخيمة من لؤلؤ مجوفة طولها ستون ميلاً للعبد المؤمن فيها أهلون يطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضاً " ينظر شرح الطيبى على المشكاة 10/254, وحادى الأرواح ص 311,310
(1) ويدل عليه ما قاله عبد الله : إن المرأة من نساء الجنة لتلبس عليها سبعين حلة من حرير فيرى بياض ساقيها من ورائهن ذلك بأن الله تعالى يقول : ( كأنهن الياقوت والمرجان ) ( الرحمان : 58) ألا وإن الياقوت حجر لو جعلت فيه سلكاً ثم استصفيته نظرت إلى السلك من وراء الحجر . الكشاف 4/451, وحادى الأرواح ص 299
(2) وهذا ما فسره به جابر رضى الله عنه فى حديثه عند مسلم . ووجه الشبه أن تنفس الإنسان لا كلفة فيه عليه ولابد له منه , فجعل تنفسهم تسبيحاً , وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه , وامتلأت بحبه , ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره . فتح البارى 6/375
(3) كما تقول العرب أنا عند فلان صباحاً ومساءً لا يقصد الوقتين المعلومين بل الديمومة , وقيل يسبحون بكرة وعشياً أى قدرهما . شرح الطيبى 10/254, وفتح البارى 6/375
(4) أى عند الناس فى الدنيا , فكيف يكون لمعانهما فى الجنة التى ليس معنا منها إلا الأسماء !!
(5) فبناء الجنة كما جاء فى الحديث " لبنة من ذهب ولبنة من فضة , وملاطها ( الطين الذى يجعل بين ساقى البناء ) المسك الأظفر , وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت , وتربتـها الزعفران " أخرجه أحـمد والدارمـى والترمـذى من حـديث أبى هريرة . وهو حديث ضعيف . وفى الحديث " ما فى الجنة شجرة إلا وساقها ذهب " أخـرجه الترمذى من حديث أبى هريرة . وهو حديث ضعيف أيضاً . مشكاة المصابيح 10/264,263
(6) يقال : ثوب مجمر ومجمر : أى مبخر بالطيب , ولعله مأخوذ من جمر النار لأن الغالب فى البخور أن يجعل الجمر فى المجمر , ويوضع الطيب عليه ما كان عود ونحوه ثم يتبخر به . ويقال للذى يلى ذلك : مجمر ومجمر , ومنه نعيم المجمر الذى كان يلى إجمار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الجبّان : يقال للذى يلى ذلك جامر. ينظر المجموع المغيث فى غريبى القرآن والحديث مادة " جمر " 1/346 للإمام محمد بن عيسى المدينى الأصفهانى – ط دار المدنى – جدة – ط أولى – (1406) هـ (1986) م .
(7) بفتح الهمزة وضم اللام : أى العود الهندى الذى يتبخر به . صحيح مسلم بشرح النووى 9/172
(1) قد يقال : وأى حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تنسخ ؟ وأى حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك ؟ أجاب القرطبى بأن نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم الجوع أو ظمأ أو نتن , وإنما هى لذات متتالية ونعم متوالية , والحكمة من ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا ينعمون به فى الدنيا . وقال النووى : مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل فى اللذة , ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له . فتح البارى 6/374,373
(1) أخرجه البخارى من حديث أبى سعيد – كتاب الأنبياء – باب قوله عز وجل : ( وإلى عاد أخاهم هوداً ) – ح ( 3232) – 6/434,433, وأخرجه مسلم - باب إعطاء المؤلفة ومن يخاف على إيمانه – 7/161- 171
(2) الضئضئ : بضادين معجمتين مكسورتين بينهما تحتانية ساكنة , وفى آخره تحتانية مهموزة هو أصل الشئ , والمراد النسل والعقب . يقال : ضئضئ صدق وضؤضؤ صدق , يريد أنه يخرج من نسله وعقبه , ومن رأيه ومذهبه . قالوا : ولأصل الشئ أسماء كثيرة منها : الضئضئ , والنجار بكسر النون , والنحاس , والسنج بكسر السين وإسكان النون , والعنصر , والأرومة . صحيح مسلم بشرح النووى 7/162, وشرح الطيبى 11/121, وفتح البارى 7/668, وعون المعبود 8/730
(3) أخرجه البخارى من حديث أبى سعيد – كتاب المغازى – ح ( 4183) – 8/730
(4) أخرجه البخارى من حديث سويد بن غفلة – كتاب فضائل القرآن – باب إثم من راءى بقراءته القرآن أو تأكل به أو فجر به – ح ( 4869) – 8/730, وفى كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتلهم – باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم – ح ( 6686) – 12/295
(5) جاء فى رواية لمسلم من حديث على " يخرج قوم من أمتى يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشئ , ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشئ , ولا صيامكم إلى صيامهم بشئ ... " الحديث – باب التحريض على قتل الخوارج 7/171
(1) الحناجر : بالحاء المهملة والنون ثم الجيم جمع حنجرة بوزن قسورة , وهى الحلقوم والبلعوم , وكله يطلق على مجرى النفس , وهوطرف المرئ مما يلى الفم , وقال صاحب النهاية : الحنجرة : رأس الغلصمة حيث تراه ناتئاً من خارج الحلق والجمع حناجر . شرح الطيبى 7/123, وفتح البارى 12/301
(2) فى أكثر النسخ " ليناً " بالنون أى سهلاً , وفى كثير من النسخ "لياً " بحذف النون . وأشار القاضى إلى أنه أكثر رواية شيوخهم , ومعناه : سهلاً لكثرة حفظهم . قال : وقيل : " لياً " أى يلوون ألسنتهم به أى يحرفون معانيه وتأويله . قال : ويكون من اللى فى الشهادة , وهو الميل قاله ابن قتيبة . صحيح مسلم بشرح النووى 7/164,163
(3) وقال الطيبى : لا تتجاوز قراءتهم عن ألسنتهم إلى قلوبهم فلا يؤثر فيها , أو لا يتصاعد من مخرج الحرف وحيز الصوت إلى محل القبول والإنابة . شرح الطيبى 11/120
(4) هو من المقلوب , والمراد : " من قول خير البرية " أى من قول الله وهو القرآن فهو خير قول البرية , ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد : القول الحسن فى الظاهر وباطنه خلاف ذلك كقولهم : لا حكم إلا الله فى جواب على رضى الله عنه. ويحتمل أن يكون المراد بـ " خير البرية " النبى صلى الله عليه وسلم . ويرى الطيبى أن الوجه الأول أولى لأن " يقولون " بمعنى يحدثون ويأخذون أى يأخذون من خير ما يتكلم به البرية. وينصره ما روى فى شرح السنة أن ابن عمر = = رضى الله عنه كان يرى الخوارج شرار الخلق ويقول : إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت فى الكفار فجعلوها على المؤمنين . وما ورد فى حديث أبى سعيد " يدعون إلى كتاب الله , وليسوا منا فى شئ "شرح الطيبى 7/122
(1) الأحداث : جمع حدث بفتحتين . والحدث : الصغير السن . هكذا فى أكثر الروايات , ووقع للسرخسى والمستملى حُداث بضم أوله وتشديد الدال , ومعناه شباب جمع حديث السن أوجمع حدث , وهو كناية عن الشباب وأول العمر . قال ابن التين : حداث : جمع حديث مثل كرام جمع كريم , وكبار جمع كبير . والحديث : الجديد من كل شئ , ويطلق على الصغير بهذا الاعتبار . وفى علامات النبوة حدثاء بوزن سفهاء , وهو جمع حديث كما تقدم تقريره . والأسنان : جمع سن والمراد به العمر , والمراد أنهم شباب . شرح الطيبى 7/122, وفتح البارى12/301
(2) وهذا لا يعنى أن العلم بالسن , وإنما المقصود : الفهم الصحيح للدين على أيدى العلماء العاملين المخلصين , والتجرد لله عزوجل , فقد يؤتى المرء الفهم وهو صبى , ومعلوم ما كان من شأن ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن , وعائشة أم المؤمنين , ومعاذ بن جبل رضى الله عنهم أجمعين . وما أكثر العلماء العاملين الفاهمين الذين باشروا الفتيا والتدريس وهم فى سن صغيرة كالشافعى وغيره لأنهم تلقوا العلم وأخذوه من منابعه الصافية مع الإخلاص والتجرد لله , والفهم السديد للدين , ومن نتحدث عنهم فى الحديث على النقيض من هؤلاء .
(3) الأحلام : جمع حلم بكسر أوله , والمراد به العقل . والمعنى : أن عقولهم رديئة صغيرة . والسفه فى الأصل : الخفة والطيش , وسفه فلان رأيه إذا كان مضطرباً لا استقامة له . شرح الطيبى 7/22
(4) الرمية بفتح الراء وكسر الميم وتشديد الياء : الصيد الذى ترميه وتقصده . عون المعبود 13/79
(1) ينظر المجازات النبوية ص 37. ويقول الطيبى : " يريد أن دخولهم فى الدين ثم خروجهم منه ولم يستمكنوا منه بشئ كالسهم الذى يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه , ومن شدة سرعة خروجه لقوة الرامى لا يعلق من جسد الصيد بشئ " . شرح الطيبى 7/123
(2) وهذه الصفات المذكورة فى الحديث تنطبق تمام الانطباق على بعض من ينتسبون إلى الدين من أمثال هؤلاء الذين يسمونهم : الظاهرية الجدد أو أصحاب الفكر الواحد أو خوارج العصر , ويعرف حقيقتهم من يعمل فى ميدان الدعوة على علم وهدى وبصيرة .
(3) ومعلوم ما عاناه سيدنا على رضى الله عنه من الخوارج , فلم يرجع إلى الحق إلا بعضهم , ورفض أكثرهم الرجوع , وبعد ذلك سفكوا الدماء الزكية الطاهرة من دماء أبناء الصحابة وغيرهم . وينظر فى آرائهم الملل والنحل 2/25 للشهرستانى . ط مكتبة صبيح وأولاده .
(4) يقول الطيبى : " ضرب مثلهم فى دخولهم فى الدين وخروجهم منه بالسهم الذى لا يكاد يلاقيه شئ من الدم لسرعة نفوذه تنبيهاً على أنهم لا يتمسكون من الدين بشئ , ولا يلوون عليه " . شرح الطيبى 7/129
(1) وكم رأينا من أمثال هؤلاء الذين يسارعون إلى تكفير الناس لمجرد أنهم يخالفونهم فى الرأى , ويندفعون فى التمسك بآرائهم الفاسدة وفهمهم المدخول , ويبادرون إلى اتهام الناس فى نياتهم . نسأل الله لهم الهداية .
(2) وقد حدث ذلك فى خلافة أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه حين خرجوا عليه , وكان ممن قتلوا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , أخذوه فأضجعوه وذبحوه على ضفة النهر , وأقبلوا على امرأته وهى حبلى متم فبقروا بطنها , وقتلوا ثلاث نسوة من طئ , وقتلوا أم سنان الصيداوية , وبعث إليهم على رضى الله عنه الحارث بن مرة العبدى يسألهم فيما بلغه عنهم فقتلوه أيضاً , ورفضوا تسليم القتلة فقاتلهم على فى معركة النهروان المشهورة فى سنة ثمان وثلاثين من الهجرة حتى قضى على أكثرهم . ينظر فى أخبارهم تاريخ الطبرى 3/113- 125 ط دار الكتب العلمية , والملل والنحل 2/25, وما بعدها .
(3) وكم شاهدنا وسمعنا عن هؤلاء الذين يقتلون الأبرياء بحجة الإصلاح والعودة إلى المجتمع الإسلامى , وقد عبر النبى عن ذلك بقوله : " إن من ضئضئ هذا " أى من نسله وعقبه , ومن رأيه ومذهبه , ومن على شاكلته ممن عرفهم التاريخ , وعرفهم عصرنا الذى نعيش فيه .
(4) جاءت أحاديث أخرى فى وصفهم منها : ما أخرجه أبو داود فى سننه من حديث أبى سعيد الخدرى وأنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سيكون فى أمتى اختلاف وفرقة , قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل , يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم , يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية , لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه ( موضع الوتر من السهم ) , هم شر الخلق والخليقة , طوبى لمن قتلهم وقتلوه , يدعون إلى كتاب الله , وليسوا منا فى شئ , من قاتلهم كان أولى بالله منهم " قالوا : يا رسول الله ما سيماهم ؟ قال : " التحليق " . ومعنى التحليق فيه وجهان : أحدهما : استئصال الشعر من الرأس ترويجاً لخبثه وإفساده على الناس وهو كوصفهم بالصلاة والصيام . الثانى : أن يراد به تحليق القوم وإجلاسهم حلقاً حلقاً . سنن أبى داود – كتاب السنة – باب فى قتال الخوارج – ح ( 4765) وأخرجه ابن ماجة .
(1) وهما روايتان للبخارى ومسلم كما سبق .
(2) وهى رواية للبخارى .
(3) قال الخطابى : " ولقد أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج على ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين , وأجازوا مناكحتهم , وأكل ذبائحهم , وقبول شهادتهم , وسئل على رضى الله عنه عنهم فقيل : أكفار هم ؟ فقال : من الكفر فروا . فقيل : أمنافقون هم ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً , وهؤلاء يذكرون الله بكرة وأصيلاً . قيل : من هم ؟ قال : قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا " . ينظر شرح الطيبى على المشكاة 7/123
(4) يقتلون أهل الإسلام لتكفيرهم إياهم بسبب الكبائر , ويدعون : أى يتركون أهل عبادة الأصنام من الكفار . ينظر عون المعبود 13/79,78. وهذا الحديث قد ذكره ناصح الدين بن الحنبلى ضمن أقيسة النبى صلى الله عليه وسلم فى كتابه ص 120
(5) أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة - كتاب الأدب – باب قول النبى : " إنما الكرم قلب المؤمن " – ح ( 5963) – 10/582
(6) أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة . وفى رواية أخرى من حديث علقمة بن وائل عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقولوا الكرم , ولكن قولوا : الحبلة " يعنى العنب , وفى رواية أخرى عنه قال : " لا تقولوا الكرم , ولكن قولوا : العنب والحبلة " والروايات كلها فى باب كراهة تسمية العنب كرماً – 15/5,47
(1) قال أهل اللغة : يقال : رجل كرْم بإسكان الراء وامرأة كرم , ورجلان كرم ورجال كرم , وامرأتان كرم ونسوة كرم , كله بفتح الراء وإسكانها بمعنى كريم , وكريمان , وكرام , وكريمات , وصف بالمصدر كضيف وعدل . صحيح مسلم بشرح النووى 15/5
(2) قال الأزهرى : وسمى العنب كرماً لأنه ذلل لقاطفه , وليس فيه سلاء يعقر جانيه , ويحمل الأصل منه مثل ما تحمل النخلة فأكثر , وكل شئ كثر فقد كرم , ولكن كره الشرع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره لأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا بها الخمر , وهيجت نفوسهم إليها فوقعوا فيها , أو قاربوا ذلك . وقال الخطابى ما ملخصه : إن المراد بالنهى تأكيد تحريم الخمر بمحو اسمها, ولأن فى تبقية هذا الاسم تقريراً لما كانوا يتوهمون من تكرم شاربها , فنهى عن تسميتها كرماً . وحكى ابن بطال عن ابن الأنبارى أنهم سموا العنب كرماً لأن الخمر المتخذة منه تحث على السخاء , وتأمر بمكارم الأخلاق حتى قال شاعر : والخمر مشتقة المعنى من الكرم * فلذلك نهى عن تسمية العنب بالكرم حتى لا يسموا أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم , وجعل المؤمن الذى يتقى شربها , ويرى الكرم فى تركها أحق بهذا الاسم . صحيح مسلم بشرح النووى 15/5,4, وفتح البارى 10/583
(3) كما فى رواية مسلم السابقة , والحبلة بفتح الحاء والباء , وإسكان الباء , والفتح أشهر : شجرة العنب , وقيل : أصل الشجرة , وقيل : القضيب , وقيل : الأصل من أصوله . فتح البارى 10/584,583
(4) قال الطيبى : وتلخيص المعنى تخطئة رأى من سمى العنب بالكرم نظراً إلى أنه يتخذ منه الخمر , وشربها يولد الكرم وتسفيههم فيها لأنها أم الخبائث والرجس الذى هو من عمل الشيطان . شرح الطيبى على المشكاة 9/83
(5) فالإسلام كما حرم الانتفاع بالخمر بكل الوسائل المباشرة وغير المباشرة نهى عن كل ما يدعو إلى تذكرها من الألفاظ ليسد منافذ الحرام . فلقد نهى الشرع عن تخليل الخمر أو التداوى بها , أو بيعها , أو إهدائها بعد تحريم شربها . فعن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يتخذ خلاً ؟ فقال : " لا" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى وصححه . وعن وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفى سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه عنها , فقال : إنما أصنعها للدواء . قال : " إنه ليس بدواء , ولكنه داء " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى وصححه . نيل الأوطار 9/87,69,49
(1) فأراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يقرر ويشدد ما فى هذه الآية بطريقة أنيقة ومسلك لطيف , فبصر أن هذا النوع من غير الأناسى المسمى بالاسم المشتق من الكرم أنتم أحقاء بأن لا تأهلوه بهذه التسمية , ولا تسلموها له غيرة للمسلم التقى , ورفعة لمنزلته أن يشارك فيما سماه الله تعالى . وليس الغرض حقيقة النهى عن تسمية العنب كرماً , ولكن الغرض بيان أن المستحق للاسم المشتق من الكرم المسلم , ونظيره فى الأسلوب قوله تعالى : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ... ) ( البقرة : 138) شرح الطيبى 9/83
(2) ولقد أشار النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذه الفئة من الناس فى أكثر من حديث فقال : " ليشربن أناس من أمتى الخمر , ويسمونها بغير اسمها " أخرجه أحمد وأبو داود من حديث مالك الأشعرى . وقال أيضاً : " لتستحلن طائفة من أمتى الخمر , باسم يسمونها إياه " أخرجه أحمد وابن ماجة من حديث عبادة بن الصامت . وقال ابن ماجة : " تشرب " مكان " تستحل " , وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تذهب الليالى والأيام حتى تشرب طائفة من أمتى الخمر , ويسمونها بغير اسمها " أخرجه ابن ماجة من حديث أبى أمامة . وهذه الاحاديث منها ما سنده جيد , ومنها ما سنده صحيح . وهى أحاديث يقوى بعضها بعضاً كما قال الشوكانى . ويراجع تخريج هذه الأحاديث فى نيل الأوطار 9/63,61. ولقد ذكر ابن القيم أنهم يسمونها فى زمنه " أم الأفراح " , وفى عصرنا يسمونها " مشروبات روحية " , ونحو ذلك . فليتأمل المسلم !!
(3) وهو من باب المشاكلة نحو قوله تعالى : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ) ( البقرة : 138)
(4) ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 15/5,4, وشرح الطيبى على المشكاة 9/83, وفتح البارى 10/583
(1) ينظر فتح البارى 10/583 . هذا والوصف بـ " الكرم " قد جاء فى أحاديث أخرى تبين ما لهذه الصفة من مكانة ومنزلة لأجلها استحق قلب المؤمن أن يوصف بها , ففى الحديث " قيل : من أهل الكرم يا رسول الله ؟ قال : " مجالس الذكر فى المسجد " أخرجه أحمد , وحديث " سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم " أخرجه أحمد , وحديث " إن الله كريم يحب الكرم " أخرجه الترمذى , وحديث " كرم الرجل دينه " أخرجه أحمد , وغير ذلك من الأحاديث . ويراجع المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى فى مادة " كرم " 6/1- 3 ط بريل – ليدن – ( 1967) م .
(2) متفق عليه . أخرجه البخارى من حديث أبى أمامة بن سهل عن أبيه – كتاب الأدب – باب لا يقل : خبثت نفسى – ح ( 5960) – 10/579, وأخرجه مسلم من حديث عائشة – باب كراهة قول الإنسان خبثت نفسى – 15/8
(3) ينظر عون المعبود 13/221
(4) جاء فى المجموع المغيث فى مادة " خبث " الخبثة : الخبيث , ويقال للأخلاق الخبيثة : خبثة , وفلان ولد خبثة : أى ولد زنية , والمخبثان : الخبيث . يقال للرجل والمرأة جميعاً , وكأنه يدل على مبالغة , ويقال للرجل : يا خباث مبنياً على الكسر , وللمرأة يا خبث , وقيل على العكس منه , وفى الحديث " كما ينفى الكير الخبث " وهى ما تبديه النار وتميزه من ردئ الفضة والحديد , وتنقيه إذا أذيبا . المجموع المغيث فى غريبى القرآن والحديث 1/545,544
(5)ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 15/8 , وفتح البارى 10/580

(1) ولقد يسر الله لى كتابة بحث حول الوصف فى البيان النبوى من خلال الصحيحين , ولكنه لم ير النور بعد , وأسأل الله أن ييسر نشره قريباً .
(1) كذلك فى أحاديث وصف الحوض , ووصف أحوال الناس يوم القيامة , ووصف الجنة والنار , وسأشير إلى بعض هذه الأحاديث فى نهاية هذا الفصل .
(1) أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة – كتاب أبواب التأذين – باب فضل التأذين – ح ( 594) 2/101, وأخرجه مسلم – باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه – 4/92,91
(2) أخرجه البخارى من حديث عائشة – كتاب الأذان – باب الالتفات فى الصلاة – ح ( 733) 2/273
(3) أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة – كتاب التهجد – باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل – ح ( 1115) 3/30, وأخرجه مسلم – باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت – 6/65
(4) أخرجه البخارى من حديث ابن مسعود – كتاب التهجد – باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان فى أذنه – ح ( 1117) 3/35,34, وأخرجه مسلم – باب الحث على صلاة الوقت وإن قلت بلفظ " ذاك رجل بال الشيطان فى أذنيه أو قال فى أذنه " 6/63
(5) أخرجه البخارى من حديث صفية – كتاب أبواب الاعتكاف – باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد ؟ وباب هل يدرأ المعتكف عن نفسه ؟ - ح ( 1987) – 4/331, وأخرجه مسلم من حديث أنس – باب دفع ظن السوء – وباب بيان أنه يستحب لمن رؤى خالياً بامرأة وكانت زوجته أو محرماً له أن يقول : هذه فلانة ليدفع ظن السوء به – 14/155- 157
(1) أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص – باب حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفته – 15/55
(2) أخرجه مسلم من حديث سهل بن سعد – كتاب صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها – 17/167
(3) أخرجه مسلم من حديث أبى موسى بن قيس عن أبيه – كتاب صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها – 17/176
(4) أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة – كتاب بدء الخلق – باب صفة النار وأنها مخلوقة – ح ( 3156) – 6/381,380

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق