الخميس، 9 أبريل 2009

الصفراوى يجد طعم العسل مراً , والصحيح يذوق حلاوته على ما هى عليه , وكلما نقصت الصحة شيئاً نقص ذوقه بقدرذلك ... كذلك المؤمن يجد فى حب الله ورسوله ,ومحبة الناس فى الله , وكراهية الكفر , يجد المؤمن فى هذه الخصال وما يترتب عليها , وما تتطلبه من صبر وتحمل وجلد , يجد فيها حلاوته فى حين لا يشعر بها الآخرون من أهل الدنيا , أو حين تكون لذتهم مقصورة على المتع الحسية , فالمؤمن بهذا يكون قد نال الحلاوتين : الحلاوة الحسية التى يشاركه فيها أهل الدنيا من متعها ولذاتها , وفاقهم فى هذه الحلاوة المعنوية والراحة النفسية التى لا يحسها إلا أهل الإيمان ([1] ) , ويبدو لى فى استعارة الحلاوة لهذه اللذة المعنوية سر بلاغى , وهو أن النبى صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين أن هذا الشعورالإيمانى مستمر مع المؤمن فى كل الأوقات كما أن حب الحلاوة مستقر فى طباع الناس فى كل حياتهم ... , فالحلاوة أظهر اللذات المحسوسة . وهذا التصوير النبوى فيه أثر من المثل القرآنى فى قوله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء ) (إبراهيم : 24) " فالكلمة الطيبة هى كلمة الإخلاص , والشجرة الطيبة أصل الإيمان , وأغصانها اتباع الأمر و اجتناب النهى , وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير , وثمرها عمل الطاعات , وحلاوة الثمر جنى الثمرة , وغاية كماله تناهى نضج الثمرة , وبه تظهر حلاوتها " ([2] ) , والمؤمن حين يجد هذه الحلاوة فى نفسه وقلبه تتلاشى أمامه العقبات وتذلل له الصعاب , ويرى الوجه الحقيقى للدنيا , ويرى إشراق الإيمان , ويرى فى كل عمل من الأعمال رضا الله فى جانب الطاعة وسخطه فى جانب المعصية , فيرى مجالس الذكر رياض الجنة كما جاء فى الحديث " إذا مررتم برياض الجنة

فارتعوا " قالوا : وما رياض الجنة ؟ قال : " حلق الذكر " ([3] ) ويرى أكل مال اليتيم أكل للنار
حيث يقول تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون فى بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) ( النساء : 10) ([4] ) , ويرى العود فى الكفر إلقاء فى النار . كل هذا وغيره نجده فى التصوير النبوى لهذا الشعور الإيمانى بالحلاوة . أترى هناك لفظة أخرى تعبر عن هذه المعانى وأثر هذه الخصال فى النفس غير لفظة " الحلاوة " ؟!
وهذا الحديث يكمله حديث آخر , وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً , وبالإسلام ديناً , وبمحمد رسولاً " ([5] ) , وهذا الذوق الإيمانى إنما يشعر به من اختمرت عقيدة الإيمان فى قلبه , فالذوق هو وجود الطعم فى الفم ([6] ) , وأصله فيما يقل تناوله فإذا كثر يقال له الأكل ([7] ) , وكذلك هذا الشعور الإيمانى لا يحس بلذته , ولا يتذوق حلاوته إلا من رضى بالله رباً , وبالإسلام ديناً , وبمحمد نبياً ورسولاً .
إن هذين الحديثين من البيان النبوى الذى يمثل الأمور العقلية والمعنوية فى صورة حسية تقلب السمع بصراً, والمعقول محسوساً , والمتخيل حقيقة , واستعمال الحلاوة والذوق من الأمور الحسية هنا إنما هو ترغيب ودعوة إلى التحلى بهذه الخصال , وبيان أن اللذات فى الدنيا لا تنحصر فى اللذات الحسية المادية , بل هناك من اللذات المعنوية ما يفوقها فى الأثر وذلك لأنه يفضى بصاحبه إلى النعيم السرمدى , أما لذات الدنيا فإلى زوال وفناء . وصدق من قال من العارفين : " إن لفى نعمة لو يعلمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف " ([8] )
ومن روائع الاستعارات فى البيان النبوى : قوله صلى الله عليه وسلم :
" إن آل أبى فلان ليسوا لى بأولياء , إنما وليى الله وصالح المؤمنين , ولكن لهم رحم أبلها
ببلالها " ([9] ) جاء التصوير فى هذا الحديث لصلة الأرحام , وما أعظم صلة الأرحام لما لها من أثر فى تأليف القلوب , ونشر الود والحب بين الناس . وقد أراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يصور هذه الصلة ويجسدها لما لها من مكانة فى الدين , وأثر فى حياة الناس , فعبر عن هذه الصلة باستعارة رائعة فى قوله : " ولكن لهم رحم أبلها ببلالها " ([10] ) , وسر الجمال هنا فى ذكر البلال لصلة الرحم . فالبلال بمعنى البلل وهو النداوة , والنداوة من شأنها تجميع ما يحصل فيها وتأليفه بخلاف اليبس والقطيعة فمن شأنه التفريق , فنحن إذا نظرنا إلى الأرض فى حال يبسها وجفافها وجدبها ... نرى ظهور الشقوق والتصدع من شدة الجدب وقلة الماء . وهذه الصورة التى تكون عليها الأرض فى هذه الحال تشبهها الرحم فى حال القطيعة حيث يتباعد الناس عن بعضهم , وتتقطع أواصر القربى ووشائج الرحم بينهم , مع انتشار الفتور فى العلاقات , وظهور العداوات . ولكن حين تبل الأرض بالماء حق بلالها تتصل الشقوق , وتتلاحم الأجزاء , ويجرى الماء على وجه الأرض بلمعانه فيغير صورتها من اليبس , والجفاف , والجدب إلى الرطوبة , والخضار, والنضار . والرحم فى حال الصلة تشبه الأرض فى هذه الصورة الرائعة حيث ينتشر الحب , وتشيع المودة والصلة , وتثمر هذه الصلة التعاون , والبر , والرحمة ([11] ) , وكما يقول القاضى ناصرالدين :" يقال للوصل : بلل يقتضى الالتصاق والاتصال , والهجر يبس يفضى إلى التفتت والانفصال " ([12] ) , وهنا سر بلاغى فى قوله " بلالها " ففيها مبالغة , والمعنى : أبلها بما عرف واشتهر عند الله وعند الناس ما هو فلا أترك من ذلك شيئاً ([13] ) فليس المقصود مجرد الصلة العادية كما يوحى بذلك معنى لفظة " البـلل " , ولكن المقصود القيام بحقها كما يجب ؛ ولذلك قال :" أبلها بـبلالها "
أى أنديها بما يجب أن تندى ([14] ) والتصوير هنا يمكن أن يحمل على وجه آخر بأن تشبه قطيعة الرحم بالحرارة , ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة الماء . ويبدو لى فى هذا التصوير أكثر من خصيصة دقيقة , وهو أنه يعتمد على أكثر من صورة يتقبلها الخيال , وتتفق مع الهدف تمام الاتفاق. فالصورة الأولى : التى شبهت فيها صلة الرحم بالأرض المثمرة , والقطيعة بالأرض الجدباء القاحلة صورة واقعية دقيقة يسهل على الذهن أن يربط بين أجزائها وأجزاء الصورة المقصودة . وكذلك الصورة الثانية : التى صورت فيها القطيعة بالحرارة , والصلة بالماء الذى يطفئ الحرارة ببرودته ينطبق عليها ما سبق ذكره فى الصورة الأولى . وهذا ملحظ هام على التصوير فى البيان النبوى , وهو قدرته على الإتيان بلوحة تصويرية يمكن أن تولد منها صورة أخرى , وذلك لتثبيت المعنى فى النفس , ولبيان أهميته فى حياة المسلم . فما أروع هذه الصورة , فالشئ الحار لو وضعت عليه الماء لتحولت حرارته إلى برودة , والأرض الجدباء القاحلة لو نزل عليها الماء أو جرى عليها لانضمت أجزاؤها والتحمت فيما بينها كذلك الصلة للرحم والسؤال عن الأقارب, وبذل المعروف لهم يحول ضغائنهم إلى صلات وود , وعداواتهم إلى صداقات وحب , ويحول القطيعة إلى التحام وقرب. فليكن المؤمن كالماء فى جريانه وانسيابه وبرودته ليناً ودوداً وصولاً .
ومن روائع الاستعارة : ما روته عائشة أن رفاعة القرظى تزوج امرأة ثم طلقها , فتزوجت آخر , فأتت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت أنه لا يأتيها , وأنه ليس معه إلا مثل هُدبة([15] ) فقال " لا حتى تذوقى عسيلته , أو يذوق عسيلتك " ([16] ) هـذا الحـديث من لطـائف الكنـايات

النبوية , وموضع الاستعارة فيه فى قوله : " حتى تذوقى عسيلته أو يذوق عسيلتك " فهنا عبر النبى صلى الله عليه وسلم عن لذة الجماع بــ "العسيلة" , واختيار كلمة " العسيلة " فى هذا الموضع – مع ما فيها من الأدب النبوى – تضم فى طياتها كثيراً من الأسرار البلاغية . فالعسل مما يحبه الناس لما فيه من الحلاوة , واللذة , والشفاء , ولم تأت هذه الكلمة فى الحديث على حالها , بل جاءت مصغرة " عسيلة " لمناسبة المقام .
فهذه المرأة بعد طلاقها من رفاعة القرظى تزوجت من عبد الرحمان بن الزبير ([17] ) , وأرادت أن ترجع لزوجها الأول ( رفاعة ) فبين لها النبى صلى الله عليه وسلم أنه لابد أن يدخل بها الثانى حتى تحل للأول . وعبر عن ذلك الدخول بلفظة " العسيلة " بالتصغير إشارة إلى أنه يكفى وطأة واحدة , وأن القدر القليل كاف فى تحصيل الحل . إن هذه الصورة وراءها سر بلاغى آخر , وكأن النبى يريد أن يقول : " إن مخبر المرأة ومخبر الرجل كالعسلة المستودعة فى ظرفها فلا يصح الحكم عليها إلا بعد الذوق منها " ([18] )فالدخول بالمرأة واللقاء بينها وبين زوجها له شأن آخر فى أن يؤدم بينهما , ولو كان هذا الدخول للحظات قليلة كما دلت عليه لفظة " العسيلة " بالتصغير . ويبدو لى فى هذا الحديث سر آخر . فاختيار العسل فى هذه الصورة مقصود إليه لما له من أوصاف أخرى كالصفاء , والنقاء, واللزوجة ([19] ) , والحلاوة ... , فكله منافع وفوائد ([20] ) كذلك العسيلة المذكورة فى الحديث , وهى لذة الجماع فيها منافع وفوائد من ناحية قضـاء الوطر , وهدوء النفس وإعفافها , والسكن والمودة بين الرجل والمرأة , وكون المرأة لباس للرجل , والرجل لباس لها بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؛ ولذلك قال : " حتى تذوقى عسيلته أو يذوق عسيلتك " فالذوق هنا أمر مشترك بين الرجل والمرأة لا ينفرد به أحدهما دون الآخر . والذوق فى العسل وغيره ما أدرك بحاسة , وهذا إنما يكون فى المطاعم والمشارب ([21] )
فالتعبير عن هذه اللذة بـ " الذوق " فيه إشارة إلى الإحساس والشعور بأثر هذه اللذة كما يشعر الإنسان ويحس بلذة العسل عند ذوقه فى فمه , وعلى طرف لسانه . فليتأمل فى دقة التصوير فى البيان النبوى , إننا نلمح فى لفظة " العسيلة " المصغرة قيمة بيانية معبرة عن هذه اللذة , فحرف السين فيها مع التصغير أرى فيهما إشارة إلى الهدوء والسكينة الذين يحيطان بعملية الاتصال بين الرجل والمرأة , وهذا يؤكد أنه قد تستقل لفظة برسم الصورة , فهذه اللفظة تحمل إلى أذهاننا صورة عما يجب أن تكون عليه عملية الاتصال بين الرجل والمرأة بعيداً عن العبارات الصريحة التى تثير الخـجل عند الناس , ولا عـجب فى هذا الأدب , فلقد خرج من مشكاة النبوة!!
ومن روائع التصوير قوله صلى الله عليه وسلم فى الحسن والحسين : " هما ريحانى من الدنيا " ([22] ) , وما أروع عبارته صلى الله عليه وسلم فى التعبير عن حب الحسين والحسين رضى الله عنهما . فالأولاد نعمة من أجل النعم لا يشعر بقيمتها إلا من فقدها أو حرم منها ([23] ) وأراد الحبيب صلى الله عليه وسلم – وهو القدوة والأسوة – أن يبين مقدار حبه للحسن والحسين ابنى فاطمة البتول رضى الله عنها , فعبر عن هذا الحـب بأنهما " ريحـانه من الدنيا " ([24] ) , واللوحة التصويرية هنا جاءت فى عبارة مـعبرة أدق تعـبير عـن مـقدار الرحمة ([25] ) , والحب فى قلبه صلى الله عليه وسلم . فالريحان الذى جاء ذكره فى الحديث فيه أكثر من سر بلاغى , وتتحدد بلاغة كل سر على حسب توجيه المعنى الذى جاء فيه .
السر الاول : إذا كان المقصود بــ " الريحان " الرزق ([26] ) فـعليه يكون المعنى هما من رزقى
وفى هذا بيان لنعمة الذرية التى هى من زينة الحياة الدنيا ومتاعها , وأراد صلى الله عليه وسلم أن يبين أن الأولاد من رزق الله لعباده لينبه كثيراً من الناس لأهمية هذه النعمة التى لا يقدرها كثير منهم حق قدرها , وليوضح لهم أن الرزق لا ينحصر فى العطاء المادى , بل يتجاوز ذلك ليشمل الذرية وغير ذلك من النعم , وعليه فإذا أعطى الله العبد الذرية فلقد أعطاه رزقاً كثيراً فى الدنيا ؛ لأن الولد الصالح امتداد لأبيه وأمه فى الدنيا بالعمل الصالح , وهو من كسب أبيه ([27] ) , ومن مواهب الله له .
أما السر الثانى : إذا كان المقصود بـ " الريحان " المشموم ([28] ) , فالصورة هنا تختلف لأنه سيضاف إليها معان كثيرة من الرحمة والحب والقبول والضم . فالريحان من الشمامات ([29] ) ذوات الروائح الطيبة , والرائحة الطيبة مما تميل إليه النفوس بحكم الطبيعة , وكذلك الأولاد يضمون ويشمون كما تشم الرياحين ([30] ) , ويقبلون . وبهذه الصورة يكون النبى صلى الله عليه قد غرس الحب والرحمة والقبول للأولاد فى القلوب بأحسن الألفاظ , وأحب الأشياء إلى النفوس . فإذا كان لله عند المرء ثلاثة من الأولاد فلينظر إلى هذا الرزق الذى ساقه الله إليه , وهذه الرياحين التى زرعها فى بيته حتى ملأت عليه حياته بالحب , ومن زاد أولاده عن هذا العدد زاد فضل الله عليه . إن الريحان مما ينتشر رائحته الطيبة فى المكان , ويزين البيوت بخضاره , وكذلك الأولاد ينشرون الرحمة والحب والشفقة عليهم فى قلوب آبائهم وأمهاتهم , ويملؤون حياتهم بالزينة , فهم من متاع الحياة الدنيا وشهواتها كما جاء فى القرآن الكريم ([31] ) ويبدو لى فى قوله صلى الله عليه وسلم : " هما ريحانى " مع الإضافة إلى ياء المتكلم سر بلاغى . فالإضافة هنا جاءت لتفيد الألفة والاجتمـاع ,والضم , وكأنه يـقول :همـا
جزء منى لا ينفصل عنى , وهذا مما يشير إلى القرب والحب , والإضافة قد عبرت عن هذا المعنى أدق تعبير , فما أروع التصوير هنا , وما أدق هذه الصورة المفعمة بالحب , ولينظر الناس إلى ما حولهم من الرياحين التى تملأ أجواءهم , ولكنهم لا يشمونها ولا يشعرون بجمالها ! إن هذه اللوحة التصويرية التى اجتمع فيها الحب والجمال إنما هى دعوة إلى الرحمة والشفقة , فالأولاد من رزق الله لعباده , ومن زينة الحياة الدنيا .
وهذا غيض من فيض مما يزخر به البيان النبوى من روائع الاستعارات , وأشير إلى بعض الأحاديث الأخرى لمن أراد التوسع فى البحث . فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه , فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء تركه إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان , أو فى أمر لا يجد منه بداً " ([32] ) , وقوله صلى الله عليه وسلم : لما أثنى رجل على رجل عنده : " ويلك قطعت عنق أخيك " ثلاثاً " من كان مادحاً لا محالة فليقل : " أحسب فلاناً والله حسيبه إن كان يرى أنه كذلك , ولا يزكى على الله أحداً " ([33] ) , وأنتقل إلى الحديث عن لطائف بعض الكنايات النبوية , فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا جلس بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل " ([34] ) , وهذا الحديث من لطائف الكنايات النبوية , فالمراد بــ " الشعب الأربع " اليدان والرجلان , وقيل : الرجلان والفخذان , وقيل : الرجلان والشفران , واختار القاضى أن المراد شعب الفرج الأربع ([35] ) , فالحديث من الكناية المهذبة حيث إنه رغب عن الألفاظ الصريحة , وأتى بالكناية الواضحة , وذلك حفاظاً على جودة الأسلوب فى الأداء, ومراعاة لحياء أهل العفة والحياء , وكل هذا مع وضوح المقصود وبيان المراد , وهذا دأب البيان النبوى,هو أن يرغب عن الألفاظ الصريحة التى تخدش حياء الناس , ويكنى بما يناسب المقام , ويعبر عن المقصود أتم تعبير . وقل مثل ذلك فى قوله : " جهدها " , فمعناه حفزها ودفعها , أو بلغ مشقتها ([36] ) , فالحديث يشير – فى أدب – إلى جهد

الرجل فى عمله فى المرأة , وإلى كدها بحركته أثناء عملية الجماع ([37] ) , وفى التعبير عن حركة المرأة أثناء الجماع بـ " الجهد " أدب رفيع سامى ! , وعن هذا الأدب يقول الطيبى : " الجهد بالفتح من أسماء النكاح , ولعله كناية مأخوذة من الجهد بمعنى المبالغة ... , وإنما عدل إلى الكناية بذكر " شعبها الأربع " للاجتناب عن التصريح بذكر الشفرين , ولو أريد به اليدان والرجلان لصرح بهما ؛ وإنما عبربهذا اللفظ المبهم تنزهاً عن التفوه بما يفحش ذكره صريحاً ما وجد إلى الكناية سبيلاً إلا فى صورة تدعو الضرورة إلى التصريح على ما ذكر فى حديث ماعز بن مالك لتعلق الحد بذلك , ولقد اعتمد فى الحديث على فهم المخاطبين , فعبر عنه بالجهد , والمراد منه التقاء الختانين " ([38] )
ومن لطائف الكنايات : قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس لما حللت أى ( انقضت عدتها ) , وذكرت له أن معاوية بن أبى سفيان , وأبا جهم خطباها , فقال لها رسول الله : " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه , وأما معاوية فصعلوك لا مال له , انكحى أسامة ابن زيد " ([39] ) , فقوله : " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " كناية إما عن كثرة الأسفار , وإما عن كثرة الضرب للنساء , والمعنى الثانى أصح ([40] ) , فلما كان أبوجهم كثير الحمل للعصا , وكان معاوية قليل المال جاز إطلاق هذا اللفظ عليهما على سبيل المجاز .
ومن روائع الكنايات النبوية : قوله صلى الله عليه وسلم : " ... واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ([41] ) فى هذا الحديث نحن أمام كناية دقيقة فى قوله : " تحت ظلال السيوف " وهذه الكناية عن كثرة الضراب فى سبيل الله . وفيها أكثر من سر بلاغى . الأول : على أن يكون المقصود منها أن يتقارب المجاهدون ويجتمعوا إلى بعضهم صفاً متراصاً حين الزحف
فتصير السيوف تظل المقاتلين , وهناك تكون الجنة ([42] ) الثانى : على أن يكون المقصود منه الالتحام مع الأعداء فى ساحة القتال , والقرب منهم حتى يصير المتقاتلان كل واحد منهما تحت سيف خصمه لحرصه على رفعه عليه , ولا يكون ذلك إلا عند التحام الصفوف , والضرب فوق الأعناق , وضرب كل بنان ([43] ) , إن المطلوب هوالثبات والصبر ([44] ) فى هذه الشدة عند نزول ساحة الوغى حين يقبل الموت على المؤمن وهو ثابت راسخ كالجبل الأشم فى وجه الإعصار . ونلمح هنا سر دقيق فى الربط الخيالى بين الجنة وظلال السيوف . لقد ذكر" أن الجنة تحت ظلال السيوف " , ولم يقل مثلاً : فوقها أو حولها , بل قال تحتها , فهو يريد أن يبين أنه حين تلتحم الصفوف , ويكون المجاهد الصادق تحت ظل سيف عدوه , وعدوه تحت ظل سيفه , حين يضرب المجاهد ويسقط على الأرض فإنه فى ذلك الحين يكون فى قمة الرفعة والعزة لأن روحه إنما ترفع إلى أعلى المقامات فى الجنة. إن جرحه الذى يسيل منه الدم يأتى يوم القيامة كهيئته لونه لون دم , وريحه ريح مسك . إن الجنة هناك فى هذا الموضع لمن صدقوا ما عاهدوا الله عليه , واشترى الله منهم أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون !
ولتأمل كيف ربط البيان النبوى بين الجنة وظلال السيوف فى أذهاننا وفى خيالنا , وكيف طوى المسافة بين عالم الغيب وهو مستقر أرواح الشهداء , وبين عالم الشهادة وهو ميدان المعركة ومصارع الشهداء , ومما تجدر الإشارة إليه أنه قد جاء هنا ذكر السيوف وحدها دون غيرها من آلات القتال الأخرى كالرماح والنبال . ويبدولى وراء ذلك سر بلاغى , فالرماح والنبال قد يكون القتال بها عن بعد ولا تستخدم غالباً عند التحام الصفوف , وإنما الذى يستخدم فى هذا الموقف غالباً هو السيوف وحدها . وفى ذلك إشارة إلى النزول فى ساحة المعركة , ومواقع الموت , والالتحام مع الأعداء , وتسديد الضربات الموجعة ,و والإقدام على الموت المستعذب , والاستـشهاد فى سبيل الله , فالجـنة إنما تكون حين يعلو ظل
سيف المجاهد فوق هامة عدوه , أو حين يعلو سيف عدوه فوق هامته . إن للسيوف هاهنا بريقاً ولمعاناً ([45] ) فى العيون , وفى ظل هذا الموقف العصيب يظهر من يخدعه بريق الدنيا فيميل إليها ويحجم عن الإقدام , ويسمو ويعلو من لا يهاب بريق السيوف فيقدم على الجنة ولسان حاله يقول : يا رياح الجنة هبى ! وهذا حال من باع لله نفسه , وصدق الله فصدقه , فهو يملك بيده مفاتيح الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن السيوف مفاتيح الجنة " ([46] ) كل هذه المعانى وغيرها تجسدها الكناية الرائعة فى قوله صلى الله عليه وسلم : " الجنة تحت ظلال السيوف " .
وبعد هذه الرحلة القصيرة فى رياض التمثيل والتصوير النبوى يأتى السؤال المهم , وهو لم اعتمد النبى صلى الله عليه وسلم على التمثيل والتصوير بمختلف أنواعه فى كثير من الأحاديث ؟ هل السبب فى ذلك القرآن الكريم وحده , واتباع النبى لمنهجه ؟ أم هناك أسباب أخرى ؟ والجواب عن ذلك أن القرأن الكريم كان له أكبر الأثر فى التمثيل والتصوير النبوى وذلك واضح كل الوضوح وقد أشرت إلى ذلك عند الحديث عن أسباب بلاغته صلى الله عليه وسلم ([47] ) , ويضاف إلى ذلك ما للتمثيل والتصوير من أثر فى توضيح المعانى , ومن ذلك ما ذكره الإمام عبد القاهر عن أسباب تأثير التمثيل . ولقد ذكر لتأثير التمثيل عدة أسباب :
أولها : نقله النفس من العقلى إلى الحسى , ومن النظرى إلى الضرورى , وذلك مما يوجب لها أنساً بالمعنى , وثقة به , واطمئناناً إليه . والسر فى ذلك أمران : أحدهما : أن العلم الثانى وهو الحسى الضرورى أقوى من العقلى والنظرى , وأشد استحكاماً , ولذلك يقولون : ليس الخبر كالمعاينة , ولا الظن كاليقين . فإذا جئت بالمثل عقب المعنى أو أبرزت المعنى فى معرضه أنست إليه النفس ووثقت به , وقبلته مطمئنة , إذ رددتها إلى ما هى به أعلم , وثقتها به أحكم . ثانيهما : أن العلم الحسى والضرورى أسبق حصولاً للنفس من العقلى والنظرى ؛ لأن العلمين الأولين وسيلتها إلى العلمين الأخيرين , وطريق حصـولهما لها , فهـى آلف لـهما
وهما أقدم لها صحبة , وآكد عندها حرمة ... , فإذا نقلت النفس فى شئ تمثله – أى تضرب له مثلاً – من المعقول إلى المحسوس , أو من النظرى إلى الضرورى كنت كمن يتوسل إليها للغريب بالحميم , وللجديد الصحبة بالحبيب القديم , وذلك أدعى لقبولها , وأجلب لرضاها .
ثانيهما : من أسباب تأثير التمثيل أنه كثيراً ما يجمع بين أمرين متنافرين مختلفين . وسر تأثير ذلك : أن تصيد الشبه للشئ من غير جنسه واجتلابه له من غير مظنته , والتقاطه من المكان القصى حتى ترى به الأمرين مثلين متباينين , ومؤتلفين مختلفين , باب آخر من الظرف واللطف , ومذهب من مذاهب الإبداع والافتنان , وفيه من الطرافة والغرابة ما لا يخفى موضعه من العقل , وما يدعو محالة للاستحسان , ويثير كامن الارتياح , ويتألف نافر المسرة . وهذا السبب يتأتى فى التشبيه غير التمثيلى ([48] )
ثالثهما : من أسباب تأثير التمثيل : أنه يحتاج إلى إعمال الفكر , وتحريك الخاطر , وبذل الهمة من كل من منشئه وسامعه , فالأول محتاج إلى ذلك فى الغوص عليه , والاهتداء إليه , ثم فى صوغه والإبانة عنه , والثانى يحتاج إلى ذلك فى فهمه وإدراك سـره , واجـتلاء حسـنه , وذلك ما يجعله فى النفس أحلى , وبالميزة أولى . وسر ذلك . ما هو مركوز فى الطباع من أن الشئ إذا نيل بعد طلبه والشوق إليه , والحنين له كان موقعه من النفس أعظم مما لو حصل عفواً بلا عناء ولا طلب ؛ ولذلك يضرب المثل لكل ما لطف موقعه ببرد الماء على الظمأ , أو الوصل بعد الصد , أو الغنى بعد الفقر , أو الرخاء بعد الشدة , وأشباه ذلك مما يحصل بعد مكابدة الحاجة إليه , ومطالبة النفس به . وهذا السبب مرتبط بالسبب السابق , ومرتب عليه . فإن التمثيل إنما يدق ويلطف , وتكون حاجته إلى الفكر أمس إذا كان تقريراً للشبه بين الأشياء المتباعدة المتباينة , فإن الأشياء المتقاربة فى الجنس مستغنية عن التعمل والتأمل لظهور الشبه بينها وقرب مأخذه , اما الجمع بين أعناق المتنافرات فى ربقة , وعقد النسب بين الأجنبيات فهو عنوان جودة القريحة , ودليل الحذق والأستاذية , وهو الذى يحتاج إلى دقة الفكر , ولطف النظر , ونفاذ الخاطر , وهو الذى أوجب للتمثيل الفضيلة , وأحظاه عند السـامعين . وهذه الأسبـاب التـى ذكرها الأمام عبد القاهر مما يتصـل بموضـوع التمثيـل
فى البيان النبوى تمام الاتصال ([49] ) , فالحاجة إلى نقل النفس من العقلى إلى الحسى , والجمع بين الأمور المتنافرة المختلفة , والحث على إعمال الفكر مما دعا النبى صلى الله عليه وسلم إلى الاعتماد على التمثيل والتصوير فى الحديث الشريف . ويلاحظ ذلك بوضوح فى حديث محو الصلاة للذنوب والخطايا " ... فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا " الحديث , وحديث " النذير العريان " , وحديث " المستوقد للنار " , وحديث " صاحب القرآن " " إنما مثل صاحب القرآن كصاحب الإبل المعلقة ..." الحديث , وحديث " مثل الذى يذكر ربه , والذى لا يذكر كمثل الحى والميت " , وحديث " مثل من يتصدق عند موته ..." الحديث , وغير ذلك من أحاديث التمثيل . كذلك فى أحاديث التشبيه الأخرى , كما فى حديث " إنما الناس كإبل مائة... " الحديث , وحديث " كن فى الدنيا كأنك غريب , أو عابر سبيل " . وفى الاستعارة حديث " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ... " الحديث , وحديث " العسيلة " , وغيرهما من الاحاديث .
ويلاحظ على التصوير النبوى ارتباطه بالواقع والبيئة من خلال الأمثال التى ضربها , والتشبيهات التى صاغها , وهذا مما يرسخ المعانى فى الأذهان , ويؤنس النفوس لما للمعنى من صلة بالواقع . والأمثلة واضحة على ذلك , وقد مضى ذكر بعضها منذ قليل . وهذه السمة , أى سمة ارتباط التمثيل والتصوير بالواقع سمة مستمرة فى كل أحاديث التصوير النبوى . ويلاحظ كذلك الدقة فى اختيار الألفاظ التى تتركب منها الصورة مع مراعاة الإيجاز فى تركيب الصورة حتى يسهل حفظها , ونقلها عند الحاجة , وهذا مما يسر نقل كثير من أحاديث التصوير النبوى .
وأنتقل إلى الحديث عن " دقة الوصف " فى الحديث النبوى فى الفصل التالى , وفن الوصف فيه لا يقل فى جماله ودقته وبهائه عن فن التمثيل والتصوير .


(1) ظاهر الحديث على أن الإيمان على قسمين : بحلاوة وغير حلاوة, ومنه حديث : الإيمان إيمانان : إيمان بحلاوة لا يدخل صاحبه النار , وإيمان بغير حلاوة لا يخلد صاحبه فى النار " فالإيمان الذى لا يدخل صاحبه النار هو ما كان بالحلاوة , والإيمان الذى لا يخلد صاحبه فى النار هو ما كان بغير حلاوة, ينظر بهجة النفوس شرح مختصر البخارى 1/77 لابن أبى جمرة .
(2) يقول ابن القيم : " فإن الله سبحانه شبه شجرة التوحيد فى القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع فى السماء علواً التى لا تزال تؤتى ثمرها كل حين , وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقاً لشجرة التوحيد الراسخة فى القلب التى فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة فى السماء , ولا تزال الشجرة تثمر الأعمال الصالحة فى كل وقت بحسب ثباتها فى القلب , ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها , وقيامه بحقها , ومراعاته حق رعايتها " الأمثال فى القرآن ص 230,229. وهذا الحديث له شاهد من القرآن وهو قوله تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأت الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين) ( التوبة : 24)
(1) أخرجه الترمذى من حديث أنس – ح ( 2271) - مشكاة المصابيح 4/407
(2) فإنهم لما أكلوا المال المؤدى إلى عذاب النار شبهوا من هذا الوجه بالآكلين من النار فكأنه نار فى الحقيقة . ينظر تلخيص البيان ص 127, والكشاف 1/510
(3) أخرجه مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب – باب ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً – 2/2
(4) ينظر المفردات ص 187
(5) " أخبر النبى صلى الله عليه أن للإيمان طعماً , وأن القلب يذوقه كما يذوق الفم طعم الطعام والشراب , وقد عبر عن إدراك حقيقة الإيمان والإحسان , وحصوله فى القلب ومباشرته له بالذوق تارة وبالطعام والشراب تارة , وبوجدان الحلاوة تارة كما فى هذا الحديث والحديث الذى سبقه " ينظر مدارج السالكين 3/68لابن القيم , وبصائر ذوى التمييز 3/24. ومما تجدر الإشارة إليه أن الذوق قد استعمل فى القرآن تارة بمعنى الإصابة بالرحمة كقوله تعالى : ( ولئن أذقنا الإنـسان منا رحمة ... ) ( هود : 9) , وتارة بمعنى الإصابة بالعذاب كقوله تعالى : ( ... ليذوقوا العذاب ... ) ( النساء : 566) , وهنا استعارة أيضاً لأن حقيقة الذوق ما أدرك بحاسة . تلخيص البيان ص 126, والمفردات ص 188,187, وشرح الطيبى 1/119,118
(6) والذوق عند العارفين منزلة من منازل السالكين أثبت وأرسخ من منزلة الوجد . ينظر بصائر ذوى التمييز 3/24
(1) أخرجه البخارى من حديث عمرو بن العاص – كتاب الأدب – باب يبل الرحم ببلالها – ح ( 5776) 10/433,432, وأخرجه مسلم من حديث أبى هريرة – باب قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) (الشعراء : 214)13/80,79
(2) قال ابن التين : هو بالفتح للأكثر , ولبعضهم بالكسر . وقال ابن حجر : قلت : بالكسر أوجه فإنه من البلال جمع بلل مثل :جمل وجمال , ومن قاله بالفتح بناه على الكسر مثل قطام وحذام . فتح البارى 10/436
(3) يقول الطيبى : " شبه الرحم بأرض إذا بلت بالماء حق بلالها أثمرت , ويرى فى ثمرتها أثر النضارة . وإذا تركت يبست وأجدبت فلم تثمر إلا القطيعة والعداوة, هذا هو الوجه. وعلى هذا قول أهل اللغة : سنة جماد لا مطر فيها , وناقة جماد لا لبن فيها . ولا تجعل السنة و الناقة جماداً إلا على معنى أن السنة بخيلة بالمطر , والناقة بخيلة باللبن " . شرح الطيبى 9/175,174
(4) ينظر شرح الطيبى على المشكاة 9/174
(5) ويستأنس لذلك بقوله تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) ( الزلزلة : 1) أى زلزالها الذى يستوجبه فى مشيئة الله سبحانه وتعالى , وهوالزلزال الشديد الذى ليس بعده . الكشاف 4/790
(1) قال الخطابى وغيره : بللت الرحم بلاً وبللاً وبلالاً : أى نديتها بالصلة . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " بلوا أرحامكم " أى صلوها وندوها . والعرب تقول للقطيعة اليبس . قال الشاعر :
فلا توبسوا بينى وبينكم الثرى * فإن الذى بينى وبينكم مثرى
شبه قطيعة الرحم بالحرارة تطفأ بالماء , وتندى بالصلة . وقال الشريف الرضى : وهذه استعارة لأن المراد صلوا أرحامكم ولو بالسلام : أى جددوا المودة بينكم وبين أقربئكم ولو بالتسليم عليهم تشبيهاً ببل السقاء اليابس لأنه لا يتبلل إلا بملء الماء فينتدى قاحله ( يابسه ) ويتمدد قالصه ( المنقبض ) فشبهوا بل الأرحام بذلك لأن فى حسن المخالقة تجديد لمخلقها , وإحكاماً لما وهى من علائقها , ومثل ذلك : قول الكميت الأسدى :
نضحت أديم الود بينى وبينكم * آصرة الأرحام لو يتبلل
ينظر المجازات النبوية للشريف الرضى ص 81,80
(2) الهدبة : بضم الهاء وسكون الدال وفتح الباء : طرف الثوب الذى لم ينسج , مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن, وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة فى الاسترخاء وعدم الانتشار. فتح البارى 9/376
(3) أخرجه البخارى من حديث عائشة – باب إذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجها بعد العدة زوجاً غيره فلم يمسها – ح ( 5124) 9/374, وأخرجه مسلم – باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضى عدتها 10/2
(1) كما جاء فى الرواية الثانية للبخارى فى كتاب الشهادات – ح (2588) , وفى كتاب الطلاق – ح ( 5069) وفى رواية لمسلم 10/3
(2) ينظر المجازات النبوية ص 255
(3) لزج الشئ لزجاً ولزوجة : تمطط وتمدد وكان فيه ودك يعلق باليد ونحوها , والشئ بالشئ : لزق . يقال : لزج العسل بإصبعه . واللزوجة فى النطفة فيها شبه بلزوجة العسل , فهذا قدر مشترك بينهما .
(4) قال تعالى فى شأن النحل : ( ... يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شـفاء للناس إن فى ذلك لآية لقـوم يتفكرون ) ( النحل : 69) .
(5) فشبه صلى الله عليه وسلم لذة الجماع بذوق العسل فاستعار له ذوقاً . شرح الطيبى 6/372
(1) أخرجه البخارى من حديث ابن عمر – كتاب فضائل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم – باب مناقب الحسن والحسين رضى الله عنهما – ح ( 3618) – 7/117, وفى كتاب الأدب – باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته – ح ( 5780) 10/440
(2) يقول تعالى : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) ( الـ عمران : 14)
(3) قوله " : " ريحانتاى : كذا للأكثر بالتثنية , ولأبى ذر " ريحانى " بالإفراد والتذكير شبههما بذلك لأن الولد يشم ويقبل ووقع فى رواية جرير بن حازم " إن الحسن والحسين هما ريحانتى ".
(4) فعن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال : كان رسول الله يأخذنى فيقعدنى على فخذه , ويقعد الحسن بن على على فخذه الأخرى ثم يضمهما , ثم يقول : " اللهم ارحمهما فإنى أرحمهما " أخرجه البخارى , وفى رواية : " اللهم إنى أحبهما فأحبهما " أخرجه أحمد والبخارى . المشكاة ح ( 6149) 11/300
(5) قال ابن التين : المراد بـ " الريحان " هنا الرزق , وقال صحاحب الفائق : أى هما من رزق الله الذى رزقنيه . يقال : سبحان الله وريحانه : أى أسبح الله واسترزقه . شرح الطيبى 11/299, وفتح البارى 10/441. ومنه قوله تعالى : ( فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم ) ( الواقعة : 89,88) فالريحان هنا هو الرزق الطيب كما ذكر المفسرون . ينظر الكشاف 4/469, وأنوار التنزيل 8/151, وحاشية الشهاب 8/151
(1) حيث يقول صلى الله عليه وسلم : " إن أولادكم هبة الله لكم ( يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ) ( الشورى : 49) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليهم " أخرجه الحاكم والبيهقى من حديث عائشة . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين , ووافقه الذهبى , وصححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة ح ( 2564) 6/138,137. وكذلك حديث " أطيب ما أكل الرجل من كسبه , وولده من كسبه " أخرجه أبوداود من حديث عائشة . وانظره فى منار السبيل 2/303
(2) يقال : حبانى طاقة ريحان . والمعنى أنهما مما أكرمنى الله وحبانى به لأن الأولاد يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين التى أنبتها الله تعالى . شرح الطيبى 11/299, وفتح البارى 1/441
(3) أى ما يتشمم من الروائح الطيبة .
(4) ولقد أخرج الترمذى من حديث أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما . وفى رواية للطبرانى فى الأوسط من طريق أبى أيوب قال : دخلت على رسول الله والحسن والحسين يلعبان بين يديه , فقلت : أتحبهما يا رسول الله ؟ قال : " وكيف لا , وهما ريحانتى من الدنيا أشمهما " فتح البارى 7/122
(5) حيث يقول تعالى : ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) ( ال عمران : 14)
(1) أخرجه أبو داود والنسائى والترمذى من حديث سمرة بن جندب . المشكاة ح ( 1846) 4/75. والكدوح : بالضم جمع كدح وهى الخدوش وكل أثر من خدش أو عض فهو كدوح . والكدح فى غير هذا : السعى والحرص والعمل . أما الكدوح بفتح الكاف مبالغة مثل : صبور وهو من الكدح بمعنى الجرح .
(2) متفق عليه من حديث أبى بكرة . المشكاة ح ( 4828) 9/123,122
(3) أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة – باب بيان أن الغسل يجب بالجماع – 4/39
(4) والشعب : النواحى واحدتها شعبة
(5) يقال : جهدته وأجهدته : بلغت مشقته
(1) قال القاضى : الأولى أن يكون جهدها بمعنى بلغ جهده فى العمل فيها . والجهد : الطاقة , وهو إشارة إلى الحركة وتمكن صورة العمل , وهو نحو من حفزها , وإلا فأى مشقة بلغ فيها ذلك . ومعنى الحديث : أن إيجاب الغسل لا يتوقف على نزول المنى , بل متى غابت الحشفة فى الفرج وجب الغسل على الرجل والمرأة , وهذا لا خلاف فيه اليوم . ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 4/40
(2) ينظر شرح الطيبى على المشكاة 2/92,91
(3) أخرجه مسلم من حديث فاطمة بنت قيس – باب المطلقة البائن لا نفقة لها – 10/95,94 . والعاتق : ما بين العنق والمنكب , وفى هذا استعمال المجاز , وجواز إطلاق مثل هذه العبارة .
(4) بدليل رواية ذكرها مسلم بلفظ " أما معاوية فرجل ترب لا مال له , وأما أبو جهم فرجل ضراب النساء , ولكن أسامة ابن زيد" فقالت بيدها : هكذا أسامة أسامة , فقال لها رسول الله : " طاعة الله وطاعة رسوله خير لك " قالت : فتزوجته فاغتطبت . صحيح مسلم بشرح النووى 10/105,104
(5) أخرجه البخارى من حديث عبد الله بن أبى أوفى – كتاب فضل الجهاد والسير – باب الجنة تحت بارقة السيوف – ح ( 2728) 6/40
(1) قال القرطبى : وهو من الكلام النفيس الجامع المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ , فإنه أفاد الحض على الجهاد والإخباربالثواب عليه , والحض على مقاربة العدو , واستعمال السيوف , والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين . فتح البارى 6/40
( 2) يقول الطيبى : قوله : " تحت ظلال السيوف " كناية عن الضراب فى الجهاد حتى يعلوه السيف , ويصير ظله عليه . شرح الطيبى على المشكاة 7/422,421
(3) حيث يقول تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ) ( الأنفال : 45)
(1) فلقد أخرج الطبرانى بسند صحيح من حديث عمار بن ياسر رضى الله عنه أنه قال يوم صفين : الجنة تحت البارقة . وهى السيوف اللامعة . فتح البارى 6/40
(2) أخرجه ابن أبى شيبة من حديث أبى موسى الاشعرى . وقال الألبانى فى السلسلة الصحيحة : إسناده جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير اثنين من رجال مسلم وحده , وفيهما كلام لا يضر . ح ( 2672) 6/375,374
(3) وذلك فى الفصل الاول من الباب الثانى , وهو أسباب بلاغته صلى الله عليه وسلم فى الجزئية الخاصة بنور القرآن وهديه .
(1) أما الأول فإنه مختص بالتمثيل لأن المشبه عقلى فلا يمكن أن يكون الوجه حسياً , أما هذا السبب فإنه يتأتى فى التشبيه غير التمثيلى , فإنه يجوز أن يكون الأمران المختلفان محسوسين , ووجه الشبه بينهما حسياً .
(1) راجع الإيضاح 3/11,10,9, وراجع هذه الأسباب والتعليق عليها فى كتاب دراسة تفصيلية شاملة لبلاغة عبد القاهر فى التشبيه والتمثيل والتقديم والتأخير ص 80, وما بعدها للأستاذ / عبد الهادى العدل – ط دار الطباعة المحمدية – ط ثالثة – (1378) هـ ( 1958) م .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق