الجمعة، 10 أبريل 2009

الإنشاء الطلبى :

قسم البلاغيون الإنشاء إلى ضربين

طلب وغير طلب :

فالطلب: هو ما يستدعى مطلوباً غير حاصل وقت الطلب لامتناع تحصيل الحاصل، وهو المقصود بالنظر هنا.

وغير الطلب: منه أفعال المدح والذم، وأفعال التعجب فهى لإنشاء المدح والذم والتعجب(1)، والقسم، وصيغ العقود كبعت واشتريت، ومنه "رب" وكم الخبرية لدلالتهما على إنشاء التكثير أو التقليل(2)، ومنه الترجى وأفعال المقاربة، ويرى كثير من العلماء أن الترجى من الإنشاء الطبى!

ولقلة المباحث البلاغية المتعلقة بالإنشاء غير الطلبى لم يعنى البلاغيون يبحثه كعنايتهم بالإنشاء الطبى. وهذا لا يعنى أن الترجى، والتعجب، والقسم، وغيرها من المباحث تخلو من الأسرار البلاغية، فقد نجد للترجى، والتعجب، والقسم، وغيرها من الأثر فى النفس، والمناسبة للمقام مالا يقل عن أثر مباحث الإنشاء الطلبى(3). وسيتضح ذلك عند بحث جهود الإمام القونوى فى الإنشاء غير الطلبى.

أنواع الطلب :

التمنى :

وهو طلب حصول شئ على سبيل المحبة. والشئ المطلوب يكون فى التمنى غير متوقع، ويدخل فيه مالا سبيل إلى تحقيقه، فإذا كان المطلوب متوقعاً كان الكلام ترجياً، والعبارة عن ذلك تكون بـ "لعل وعسى" فإذا قلت: "ليت زيد يجئ" كان وراء ذلك إحساس بأن مجئ زيد من الأمور المتوقعة.

أما غير الممكن فلا يأتى فيه الترجى نحو قولك: "ليت الشباب يعود يوماً" وأدواته "ليت".

وهناك أدوات قد تستعمل فى التمنى مجازاً مثل: "هل"(4). كقول القائل: "هل لى من شفيع؟" فى مكان يعلم أنه لا شفيع فيه لإبراز المتمنى لكمال العناية به فى صورة الممكن، وعليه قوله

تعالى: )... فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا...((1) فالآية إشارة إلى أن حاجتهم إلى شفيع غلبت على نفوسهم حتى صارت تفترض غير الواقع واقعاً لإبراز المتمنى فى صورة الممكن(2). وقد يتمنى بـ "لو" كقوله تعالى: ) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحْسِنِينَ ((3). فـ "لو" تفيد التمنى بدليل نصب المضارع بـ "إن" مضمرة بعد الفاء المسبوقة بها وذلك لا يكون فى هذا السياق إلا لإفادتها التمنى(4).

الاستفهام :

وهو طلب حصول صورة الشئ فى الذهن. فإن كانت تلك الصورة وقوع النسبة بين الشيئين أولا وقوعها فحصولها هو التصديق، وإلا فهو التصور(5).

والهمزة :

وحدها هى التى يسأل بها كل شئ فى الجملة، فتأتى لطلب التصديق كقولك: "أدبس فى الإناء أم عسل؟"(6).

والمسئول عنه بها هو ما يليها، وهذا يعنى من وجه آخر أن بقية أجزاء الجملة لا شك فيها، فإذا قلت: "أزيداً أكرمت؟" اقتضى هذا أنك تشك فى المفعول فقط.

- أما عن ذكراً المعادل مع الهمزة، فإن كانت لطلب التصديق لا يذكر معها معادل(7). كقولك: "أحضر الأمير؟" وفى هذه الحالة يجاب بـ "نعم" أو "لا" والتصديق يكثر فى الجمل الفعلية كالمثال السابق، ويقل فى الجمل الإسمية نحو "أعلى مسافر؟" وإذا كانت لطلب التصور، ويذكر معها غالباً معادل مع لفظة "أم" كقولك: "أعلى مسافر أم سعيد؟" وفى هذه الحالة يجاب بالتعيين فيقال: "سعيد" مثلاً.

- وعن ضابط الاستفهام عن التصور والتصديق يقول السيوطى: "وضابط الاستفهام عن التصور والتصديق أن الأول يصلح أن يأتى بعده "أم" المتصلة دون المنقطعة، والثانى عكسه، وأن الأول يكون عند التردد فى تعيين أحد شيئين أحاط العلم بأحدهما لا بعينه.

والثانى: يكون عن نسبة تردد الذهن بين ثبوتها ونفيها ..."(8).

و"هل" تخصص المضارع للاستقبال، ولذلك لا يجوز أن تقول: "هل يقوم الآن؟" لأن فى ذلك تدافعاً فى بناء الجملة من حيث دلالة الاستقبال التى أبرزتها "هل" والتقييد بالحال المدلول عليه بلفظ "الآن" وكأنك تقول "هل يقوم بعد الآن" ثم تقول: "الآن" وهذا اضطراب.

يقول الخطيب: "ولهذين يعنى: اختصاصها بالتصديق، وتخصيصها المضارع بالاستقبال كان لها مزيد اختصاص بما كونه زمانياً أظهر كالفعل، وأما الثانى فظاهر، وأما الأول فلأن الفعل لا يكون إلا صفة، والتصديق حكم بالثبوت أو الانتفاء، والنفى والإثبات إنما يتوجهان إلى الصفات لا إلى الذوات، ولهذا(1). كان قوله تعالى: ) فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ((2). دالا على طلب الشكر من قولنا: "فهل تشكرون؟" وقولنا: فهل أنتم تشكرون" لأن إبرازها ما سيتجدد فى معرض الثابت أدل على كمال العناية بحصوله من إبقائه على أصله(3).

أدوات أخرى للاستفهام :

ذكر البلاغيون أن أدوات الاستفهام الأخرى كـ "ما، ومن، وأى، وكم، وكيف، وأين، وأنى، ومتى، وأيان" تأتى الطلب التصور فقط(4).

وهذه الأدوات كثيراً ما تستعمل فى معان مجازية غير معانيها الحقيقية.

- كالاستبطاء فى قوله تعالى: )... حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ((5).

- والتنبيه على ضلال، كقوله تعالى: ) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ((6).

- والتعجب كقوله تعالى: )... مَا لِيَ لاَ أَرَى الهُدْهُدَ ...((7).

وهناك معان أخرى كثيرة تختلف باختلاف السياق والمقام والقرائن كالتهكم، والتحقير، والتهويل، والاستبعاد، والتوبيخ، وغيرها من المعانى المجازية.

الأمر :

ذكر البلاغيون أن صيغة الأمر موضوعة لطلب الفعل استعلاءً لتبادر الذهن عند سماعها إلى ذلك، وتوقف ماسواه على القرنية(8). وقد تستعمل صيغة الأمر فى غير طلب الفعل بحسب مناسبة المقام.

- كالإباحة فى قولك: "جالس الحسن أو ابن سيرين".

- والتهديد كقوله تعالى: )..... اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ((1).

- والتعجيز كقوله تعالى: ).... فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِه....((2).

- والتسخير: كقوله تعالى: ).... كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ((3).

- والتسوية: كقوله تعالى: ) قُلْ أَنفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ...((4).

- والاحتقار: كقوله تعالى: ).... أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ( (5). ولمعان أخرى مجازية تختلف تبعاً للسياق والقرائن : كالإهانة، والتمنى، والدعاء، والاتماس..."(6).

والنهى :

ذكر البلاغيون أن للنهى حرفاً واحداً وهو "لا" الجازمة فى قولك "لا تفعل" وهو كالأمر فى الاستعلاء، وقد يستعمل فى غير طلب الكف أو الترك.

- كالتهديد فى قولك لعبد لا يمتثل أمرك: "لا تمتثل أمرى".

- والضراعة كقوله تعالى: ) رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ....((7).

- والإهانة كقوله تعالى: )... اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ((8).

- والتأييس كقوله تعالى: )... لاَ تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ...((9).

- والتقليل كقوله تعالى: ) وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا...((10). أى فهو قليل وحقير.

- والإرشاد كقوله تعالى: )... لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ...( (1). وهناك معانٍ أخرى تختلف باختلاف السياق وقرائنه كالتحقير، والكراهة، وبيان العاقبة... (2).

النداء :

عرف سعد الدين النداء بقوله: "هو طلب الإقبال بحرف نائب مناب أدعو لفظاً أو تقديراً كأيا، وهبا، وغيرها ..." (3).

وقد تستعمل صيغه فى غير معانيها لأغراض بلاغية:

- كالإغراء فى قولك لمن أقبل يتظلم: "يا مظلوم".

- والاختصاص فى قولهم: "اغفر اللهم لنا أيتها العصابة" أى متخصصين من بين الأقوام والعصائب.

- والتحسر كقوله تعالى )... يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ( (4).

- والندبة كما تقول: "واإسلاماه"

وتستعمل صيغه فى أغراض أخرى كالزجر، والملامة، وقصد التعظيم، وقصد انحطاط المدعو، وإظهار الحرص على إقباله، أو كون المتلو معتنى به إلى غير ذلك من الأغراض التى يقتضيها المقام ويدعو إليها الحال (5).




(1) وقيل إنها أخبار تحتمل الصدق الكذب بغية الإيضاح 2/28.

(2) وقيل إنهما خبر لا إنشاء ينظر السابق 2/28.

(3) ينظر الإيضاح 2/28، والمطول ص224، ودلالات التراكيب ص192.

(4) واستعمال "هل" فى التمنى لا يخرجها عن الاستفهام.

(1) من الآية (53) من سورة الأعراف.

(2) ينظر المطول ص225.

(3) الآية (58) من سورة الزمر.

(4) ينظر دلالات التراكيب ص202.

(5) ينظر المطول ص226.

(6) ينظر الإيضاح 2/30 ، 31.

(7) وإن جاءت "أم" بعدها قدرت منقطعة، وتكون بمعنى "بل".

(8) ينظر شرح عقود الجمان ص49.

(1) أى لكونها لها مزيد اختصاص بالفعل.

(2) من الآية (80) من سورة الأنبياء.

(3) ينظر الإيضاح 2/31 ، 32، والمطول ص228.

(4) هذه الأدوات لها معان حقيقية فى الاستفهام تركت ذكرها لأجل شهرتها، وللاختصار فى النقل عن البلاغيين. ينظر شروح التلخيص 2/274-307.

(5) من الآية (214) من سورة البقرة.

(6) الآية (26) من سورة التكوير.

(7) من الآية (20) من سورة النمل.

(8) ينظر الإيضاح 2/46 وقد ذكر علماء اللغة صوراً أربعة وهى فعل الأمر، والمضارع المقرون بلام الأمر، واسم فعل الأمر، والمصدر النائب عن فعل الأمر. ينظر شروح التلخيص 2/308-311.

(1) من الآية (40) من سورة فصلت.

(2) من الآية (23) من سورة البقرة .

(3) من الآية (65) من سورة البقرة.

(4) من الآية (53) من سورة التوبة.

(5) من الآية (43) من سورة الشعراء.

(6) ينظر الإيضاح 2/46 – 48.

(7) من الآية (8) من سورة أل عمران.

(8) من الآية (108) من سورة المؤمنون.

(9) من الآية (7) من سورة التحريم.

(10) من الآية (131) من سورة طه.

(1) من الآية (101) من سورة المائدة.

(2) ينظر الإيضاح 2/ 49، وشرح عقود الجمان ص56.

(3) ينظر المطول ص244.

(4) من الآية (40) من سورة النبأ.

(5) ينظر الإتقان 3/222، 223 وشرح عقود الجمان ص57.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق