الجمعة، 10 أبريل 2009

أثر القرآن فى اللغة العربية :
لقد كان للقرآن الكريم أكبر الأثر فى الحفاظ على اللغة العربية وبقائها على مر القرون , وكان سبباً فى أن جعل لغة القرآن لغة عالمية بعد أن كنت مقصورة على العرب وحدهم ([1]) ولولا القرآن والإسلام لم يكن هناك عربية كما نرى, أو لبقيت العربية لغة فئة معزولة عن العالم تعيش فى صحرائها يزهد فيها العالم , ويرغب عنها إلى غيرها ([2]) ولقد كان الإسلام, وتعلم القرآن باعثين على أن يتعلم الأعاجم لغة العرب التى نزل بها القرآن , بل أكثر من ذلك وهو التأليف باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم .
ولقد نشأت الدراسات العربية بفروعها المختلفة متعلقة بالقرآن الكريم كتاب الله العزيز , فكان القرآن هو المحور الذى دارت حوله تلك الدراسات المختلفة سواء منها تلك الدراسات التى تتعلق تعلقاً مباشراً بتفسير القرآن وتوضيح آياته , وتبيين معناه , واستنباط أحكام الشريعة منه , أو تلك التى تخدم هذه الأغراض جميعها بالبحث فى دلالة اللفظ , واشتقاق الصيغ , وتركيب الجمل والأسلوب , والصور الكلامية , واختلافها باختلاف المقام , حتى تلك الدراسات التى تتعلق بالرسم الإملائى , والفلك , والرياضة , واسكناه أسرار الطبيعة .
كل هذ الدراسات قامت أساساً لخدمة الدين الإسلامى , ولأجل فهم القرآن الكريم مصدر التشريع الأول , ودستور المسلمين . ولقد فرغت فئات من المسلمين من غير العرب من الموالى لخدمة اللسان العربى فى مستوياته المختلفة : الصوتى , والصرفى , والتركيبى , والدلالى , ولم يقتصر أمره على ما ورد به استعمال القرآن , أو السنة , بل جاوزه إلى جمع اللغة , إحصاء شاردها ونادرها , وحصر غريبها وشاذها فى جهد لم يتحقق للغة من اللغات , وعمل لم يحظ به لسان من الألسنة , حتى رأينا من مصنفات العربية الشئ العجاب , ألفه أو اكتتبه قوم لسيوا من أهلها نسباً , ولكنهم منهم ولاءً ومحبة ([3])
وفيما يلى أبرز آثار القرآن فى اللغة العربية وعلومها بشئ من التفصيل , فمن أبرز هذه الآثار :
أولاً : اهتمام علماء اللغة بجمع الشواهد اللغوية , وتقعيد اللغة خدمة للقرآن : ولقد كان الباعث على ذلك باعثاً دينياً , وهو ضبط نصوص القرآن الكريم , وتعليم الطلاب لغة القرآن , ولقد جرت مناهج التعليم منذ أقدم العصور الإسلامية على المزج بين المعارف الدينية واللغوية فى الكتاتيب , والمساجد ,والمجتمعات ثم فى المدارس المنظمة فيما بعد .
ومن ثم كان اللغوى غالباً رجل دين , ولا ترى عالماً من علماء اللغة القدامى إلا كان مقرئاً , ومفسراً , أو محدثاً , أو متكلماً , أو فقيهاً ... ولقد شعر العلماء منذ الصدر الأول للإسلام بحاجتهم إلى الشعر العربى للاستعانة به فى فتح مغاليق الألفاظ , والأساليب الغريبة الموجودة فى القرآن الكريم , والأحاديث النبوية الشريفة , فأكبوا عليه يروونه , ويحفظونه, ويدرسون أساليبه , معانيه , وما يدور فيه من ذكر لأيام العرب ووقائعهم . ولولا هذا الباعث الدينى لاندثر الشعر الجاهلى , ولم يصل إلينا منه شئ . وفى ذلك يقول ابن عباس رضى الله عنه : " الشعر ديوان العرب , فإذا خفى علينا الحرف من القرآن الذى أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه ([4]) ويقول : " إذا سألتمونى عن غريب القرآن فالتمسوه فى الشعر , فإن الشعر ديوان العرب "ويقول : " إذا أشكل عليكم الشئ من القرآن , فارجعوا فيه إلى الشعر , فإنه ديوان العرب " . وكان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر . قال أبو عبيدة : يعنى كان يستشهد به على التفسير . وأوعب ما روى عن ابن عباس فى ذلك مسائل نافع بن الأزرق ([5])
والواقع أن العناية بلغة الشعر , والاستشهاد بها على غريب القرآن , ومفرداته , وبيانه ليست طارئة على الحياة العلمية فى عصر التابعين , وإنما كانت هذه العناية مألوفة عند الصحابة رضوان
الله عليهم كما سبق عن ابن عباس , وفيما أثر عن عمر رضى الله عنه ([6]) وبذلك تكون دراسة القرآن الكريم , والرغبة فى تفسير غريبه , وفهم مقاصده سبباً رئيسياً من أسباب العناية بالشعر العربى . ولا غرابة أن تحفل كتب إعراب القرآن وغريبه بمادة غزيرة من الشعر العربى الفصيح , فلقد تجاوزت الشواهد الشعرية فى كل من البحر المحيط , وجامع القرطبى , والدر المصون مثلاً أكثر من خمسة الآف بيت ([7]) ونجم عن ذلك العناية برواية الشعر للكشف عن أسرار الأسلوب القرآنى وإعجازه , وتفوقه على أعلى مراتب الشعر البليغ الذى كانت العرب تحتفل به أيما احتفال و وهى الخبيرة بمواقع النظم البليغ .
وللجرجانى فى كتابيه دلائل الإعجاز , وأسرار البلاغة , و للباقلانى فى كتابه إعجاز القرآن جولات واسعة فى هذا الحقل حيث وازن هؤلاء الأئمة بين أسلوب القرآن والشعر , وعرضوا أمثلة وافية ([8]) ويرى عبد القاهر أنه لما كان الشعر ديوان العرب كان محالاُ أن يعرف القرآن معجزاً من جهة فصاحته إلا من عرف الشعر ([9]) وهذه الإفادة الرحبة من المادة الشعرية فى سبيل الإحاطة بلغة القرآن مهدت الطريق لكثير من اللغويين للقيام برحلات علمية إلى البوادى لالتقاطها من أفواه الأعراب , ولولا هذا النشاط المبذول فى جمع الشعر والعناية به لخدمة القرآن لاندثر الشعر الجاهلى .
وكلما تباعد الناس عن عصر نزول القرآن برزت الحاجة إلى معرفة غريب القرآن , فكان الشعر من الوسائل لفهم هذا الغريب , و الإجابة عن استفسارات الناس المتجددة , ثم تدخل محاولات جمع الشعر مرحلة التنظيم والجمع من خلال المجموعات الشعرية التي جمعها الثقات من اللغويين كالمفضليات , والأصمعيات , وجمهرة أشعار العرب ، وتضمُّ هذه المجموعات قصائد لشعراء يُستشهد بشعرهم في مضمار اللغة . وقد يَجْمَعُ أحد علماء اللغة شعر أحد الشعراء الجاهليين في ديوانٍ واحد , ويشرح غريبه ، وبذلك مدَّ الشعرُ العربي حركةَ التفسير القرآنية التي بدت تنمو وتزدهر مع مرور الأيام ، كما مدَّ هذا الشعرُ معاجمَ اللغة , وكتب النحو والصرف , والبلاغة بشواهد غزيرة تساهم في تأصيل علومها .
وقد كان للعلماء الثقات في هذه الخطوات دورٌ كبير في سَدِّ أبواب الانتحال والوضع ؛ ليكون الاستشهاد مبنياً على أسس صحيحة ، وكلما ابتعد الناس عن موارد الفصاحة وتقدَّمت بهم الأيام ، صَعُبَ عليهم فَهْمُ الشعر والتعامل معه لكثرة غريبه المبثوث فيه ، فاستلزم الأمر شرحه ، ولا سيما الجاهلي الذي يكثر فيه الحوشيُّ .ويجد الباحث في المكتبة العربية الكثير من هذه الشروح التي يتخللها الاستشهاد بآيات القرآن الكريم ، ومن ذلك كتب الأمالي والنوادر ، ومن هنا صار فن الشعر فناً قائماً برأسه ، وفرعاً من فروع المعرفة اللغوية والبيانية التي تخدم القرآن .
وليس غريباً أن يحتلَّ الشعر مكانة عالية في مجال البحوث القرآنية المتعددة التي تُعنى بالتأصيل ، وبذلك خالف الشعر العربي آداب اللغات الحية التي لا نكاد نجد فيها مثل هذا التواصل اللغوي عبر هذه القرون المتطاولة ، ولكن بفضل القرآن بقي الشعر العربي حياً طوال فترة سالفة ([10])
ثانياً : نشأة المعاجم اللغوية العربية والتأليف فى اللغة خدمة للقرآن الكريم :
فلقد أسهمت معاجم اللغة المنهجية فى بيان المعانى المحتملة للمفردة القرآنية , وأوردت أقوال أهل اللغة فى ذلك , ومن المعروف أن عملية الجمع المنظم لمفردات اللغة , وترتيبها فى مصنفات معجمية أفادت الدراسات القرآنية إفادة واسعة من حيث إنها قدمت فيضاً من الشواهد , والأقوال , واللغات التى تدور حول المفردة القرآنية , ولا تخلو هذه المعاجم ولا سيما المطولة منها من تفسير غريب القرآن , وضبط ألفاظه , وبيان لهجات العرب المختلفة , ومن هذه المعاجم : تهذيب اللغة للأزهرى , ولسان العرب لابن منظور , وتاج العروس للزبيدى ([11])
ومن مظاهر عناية السلف بلغة القرآن :
( أ ) التأليف فى لغات القبائل الواردة فى القرآن كما فى كتاب " لغات القبائل الواردة فى القرآن " لأبى عبيد القاسم بن سلام , وكتاب " اللغات فى القرآن " لابن حسنون , وكذلك الوزان , وأبى حيان ([12])
(ب) أثرت دراسة الألفاظ فى القرآن فى ظهور كتب الأضداد , كما فى كتاب قطرب , وكتاب ابن الأنبارى . وهى تورد المفردة اللغوية , وتنص على استعمالها فى القرآن , والحديث , والشواهد الفصيحة من الشعر , وأقوال العرب ([13])
(ج) اجتهاد العلماء فى بيان المشترك اللغوى , حيث عدوه خصيصة من خصائص العربية , وعاملاً من عوامل تنميتها وثرائها . والمشترك اللفظى : هو ما اتحدت صورته واختلف معناه على عكس المترادف ([14]) أو هو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر .
(د) وثمة خدمة جليلة خاصة بمعانى المفردات القرآنية قام بها بعض علماء السلف من المعنيين بعلوم العربية , ومن ذلك كتاب المفردات للراغب الأصبهانى , وكتاب عمدة الحفاظ فى تفسير أشرف الألفاظ . ومنهج هذا الضرب من التصنيف هو ترتيب مواد الكتاب على منهج أوائل الحروف بعد تجريدها من الحروف الزائدة كما هو الحال فى معجم أساس البلاغة , ثم تذكر المعانى اللغوية الواردة داخل المادة و ويستشهد عليها بآيات من القرآن الكريم .
(هـ) استخدم القرآن طائفة من الألفاظ المعربة و وقد تصدى علماء العربية لها , وردوها إلى أصولها , ويطلق مصطلح المعرب على الكلمات التى أخذتها العربية من اللغات المجاورة , ولم تبق على حالها تماماً كما كانت فى لغاتها و وإنما طوعها العرب لمنهج لغتهم فى أصواتها وبنيتها , وقد طال الأمد على كثير من هذه الألفاظ فى الجاهلية و وألف الناس استعمالها و وصارت جزءاً من لغتهم , وجاء القرآن فأنزله الله بهذه اللغة العربية التى أصبح المعرب من مقوماتها , فجاء فيه شئ من تللك الألفاظ التى عربها القوم من لغات الأمم المجاورة , ومن المصنفات المشهورة فى ذلك " المعرب " للجواليقى .
(و) وهناك دراسات للغويين عرفت بـ " غريب القرآن " ؛ وذلك لأن القرآن قدم للعرب ثروة لغوية واسعة فاختلف الناس فى مستوى أفهامهم لهذه الثروة مما جعل اللغويين , والمفسرين يعكفون على دراسة الغريب لبيان معانيه , والاستشهاد عليه بشعر العرب , وأقوالهم , ومن ذلك كتاب : " تفسير غريب القرآن لابن قتيبة " ([15]) ويرى الدارسون أن القرآن سبب ظهور علم الغريب بمفهومه العام , وما جر إليه من حركة جمع الشوارد والنوادر , وما تبع ذلك من رحلات علمية نشطة إلى البوادى.
(ز) وهناك دراسات فى الفروق اللغوية أفاد منها المفسرون كثيراً , واختلفت وجهات نظرهم فى توجيه كثير من الآيات القرآنية بناءً عليها . ومن هذه الدراسات : " الفروق فى اللغة لأبى هلال العسكرى ت (395) هـ .

(ح) كتب المذكر والمؤنث , وهى رافد من الروافد اللغوية التى خدمت مفردات القرآن بتصنيفها حسب استعمال العرب لها مذكرة أو مؤنثة , وقد حفلت هذه المؤلفات بآيات القرآن لتكون شاهداً على الحكم الذى ذكرته . وقد عد الأنبارى أبو البركات عبد الرحمن بن محمد ت (577) فى كتابه " المذكر والمؤنث " هذا الضرب من التأليف من تمام معرفة النحو والإعراب ؛ ومن أشهر كتب هذا الضرب كتاب ابن الأنبارى , وكتاب المبرد أبى العباس محمد بن يزيد ت (285)هـ , وكتاب الفراء أبى زكريا يحيى بن زياد ت (207)هــ .

(طـ) وهناك مصنفات تتصل بعلوم القرآن اتصالاً وثيقاً , وتختص بأمور تدور حول القرآن , ومنها القطع والائتناف فى القرآن , هو فن يساعد على فهم معانى القرآن , وتدبر آياته ([16]) , ومن المؤلفات فى ذلك : كتاب " إيضاح الوقف والابتدا " للأنبارى , و " المكتفى فى الوقف والابتدا " لأبى عمرو الدانى , و " منار الهدى فى الوقف والابتدا " للأشمونى .
(ى) وهناك دراسات تتصل ببيان " مشكل القرآن " وكان الدافع إليها الحرص على لغة القرآن , ورد المطاعن والشكوك التى أثيرت حولها , ومن أبرز الكتب فى هذا الجانب : كتاب " تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة عبد الله الدينورى ت(276)هــ ([17]) , وهناك دراسات تتصل ببيان معانى القرآن ([18]) ومجازه ([19]) , وغريبه , ومبهمه , والقراءات , والنقط والشكل , واللامات فى القرآن , ومتشابه القرآن , وما اتفق لفظه واختلف معناه , ومقطوع القرآن وموصوله , وهى دراسات تتصل بلغة القرآن ومعانيه من قريب أو بعيد . وذلك غير الدراسات التى تتصل ببلاغة القرآن وإعجازه , وتجويده , وعد آياته , وأسباب النزول , وغير ذلك من الموضوعات الكثيرة التى ترتبط بالقرآن الكريم ([20]) والواقع أن باب اللغة واسع بذل السلف من خلاله جهوداً طيبة أسهمت فى فهم التنزيل وتدبر آياته ([21])
ثالثاً : العناية بالنحو خدمة للقرآن الكريم :
نجد أن الغيرة على القرآن الكريم , وصونه من التحريف على ألسنة الأعاجم كانت السبب فى وضع قواعد النحو . وتروى لنا الأخبار أن أبا الأسود الدؤلى كان أول من وضع النحو , وأن السبب فى ذلك أنه سمع قارئاً يقرأ : ( أن الله برئ من المشركين ورسوله ) بكسر اللام من رسوله , فغضب لذلك , وكان هذا حافزاً على وضع مبادئ النحو ([22]) وقد أجمع الذين تصدوا للحديث عن نشأة علوم العربية على أن القرآن الكريم كان الدافع الرئيس لعلماء السلف لوضع علم النحو والإعراب .
فشيوع ظاهرة اللحن , والخشية على القرآن منها أدت إلى التفكير فى علم النحو ؛ وذلك لأن نشر الدين فى البلاد المفتوحة , وبين الأقوام المختلفة أنشأ أحوالاً جديدة فى واقع اللغة ما كان العرب يعهدونها من قبل ؛ إذ كانت السليقة اللغوية قبل الإسلام سليمة صافية , واستمر الحال على ذلك فى عصر نزول القرآن , بيد أن الرواة يذكرون أن بوادر اللحن قد بدأت فى الظهور فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم , ومن تلك الروايات أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يلحن فى كلامه فقال : " أرشدوا أخاكم "([23])
ويورد الدارسون بعض الآثار التى تدل على تسرب اللحن إلى ألسنة الناس فى عهد الخلفاء الراشدين , وذلك أثر من آثار اختلاط العرب الفصحاء بغيرهم من الشعوب غير العربية مما أضعف السليقة اللغوية لديهم ([24]) ومع مرور الأيام تفشو ظاهرة اللحن فى القرآن الكريم إلى أن أصبحت بلاءً عاماً لا يخلو منه لسان كثير من الفصحاء حتى الذين تربوا فى البادية ([25]) وكان كثير من أبناء العرب ولدوا لأمهات غير عربيات , فنشأ جيل من هؤلاء الأبناء لديه استعداد لكى يلحن فى القرآن وغيره ؛ مما جعل الحاجة تمس إلى للبدء فى وضع ضوابط يعرف بها الصواب من الخطأ .
ويمكن أن نضيف إلى هذه العوامل ما شاع فى الوسط الاجتماعى الذى تعيش فيه الأمة الإسلامية , إذ كان فيه مجموعة من اللغات المتداولة إلى جانب العربية منها الفارسية , والسريانية , وهذا الوسط الاجتماعى سوف يشهد تزاوجاً طبيعياً بين عناصره من اللغات المختلفة مما أدى إلى اتساع الفوارق بين اللغة الفصيحة , واللغة المحكية , مثل هذه الفوارق تقلق أصحاب الغيرة على لغة القرآن , وبذلك ترتبط نشأة النحو بجذور الحياة الإسلامية فى ذلك الزمن .
ويضاف إلى العوامل السابقة فى نشأة النحو الحاجة إلى فهم مناحى التركيب اللغوى ليصار إلى التعامل مع القرآن , والاستنباط من أحكامه , وقد عد العلماء الإحاطة بعلوم اللغة ,والنحو, والتصريف من العلوم الرئيسية التى يحتاج إليها المفسر لكتاب الله ([26])
رابعاً : العناية بالبلاغة خدمة للقرآن الكريم :
يعد القرآن الكريم هو العامل الرئيس الذى ساعد على الشروع فى الدراسات البلاغية بمختلف اتجاهاتها , وكان هذا العامل من أهم البواعث فى إثارة الهمم للبحث الجاد عن ترتيب وجوه الكلام , والتمييز بين الأساليب , ومعرفة الجوانب الجمالية فى نسيج تركيب الجملة العربية ([27])
ويجمع العلماء على أنه بفضل الكتاب العزيز نشأت علوم البلاغة التى أمدها النص القرآنى بفيض من الأمثلة البديعة فى محاسن الكلام وبديع النظم ... ولو تساءلنا عن أسباب نشأة علوم البلاغة التى هى المعانى , والبيان , والبديع لتبين أنها نشأت للدفاع عن القرآن , والرد على الذين أنكروا إعجازه ([28]) وقد عرف العرب بسليقتهم اللغوية أن عجزهم عن الإتيان بمثل القرآن نابع منه , بما يتميز به من خصائص أسلوبية وبيانية ... وإذا كان الدافع للاهتمام ببيان القرآن فى أول الأمر هو الفاع عن الكتاب العزيز أمام نزعات الشك , ورد المطاعن , فإن دراسات جادة شرعت فى بناء منظومة واسعة غرضها شرح أوجه إعجاز القرآن , ودراسة أسلوبه .
وهذه الدراسات زودت علم البلاغة بفيض من الأصول والأمثلة التى اعتمدتها مصنفات علوم البلاغة فيما بعد القرون الأولى , وكان اختلاف وجهات النظر فى مواطن إعجازه مادة ثرّة رفدت هذه العلوم بروافد تأصيلية فى البحث , والنقد الأدبى , وبذلك يتبين لنا أن أهم جانب ساعد على ظهور التفكير البلاغى هو الجانب المتصل بإعجاز القرآن , كما يتبين لنا أن اتساع الدراسات البلاغية وازدهارها إنما كان لخدمة القرآن الكريم .
وعن هذا الدافع يقول ابن خلدون : " واعلم أن ثمرة هذا الفن [ البيان ] إنما هى فى فهم الإعجاز من القرآن ؛ لأن إعجازه فى وفاء الدلالة منه بجميع مقتضيات الأحوال منطوقة ومفهومة , وهى أعلى مراتب الكلام مع الكمال فيما يختص بالألفاظ فى انتقائها , وجودة رصفها وتركيبها , وهذا هو الإعجاز الذى تقصر الأفهام عن إدركه , وإنما يدرك بعض الشئ منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربى , وحصول ملكته و فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه ..." ([29])
هذا ولم تقتصر علاقة القرآن الكريم بمنهج البحث البلاغى على الدفاع عنه والتماس وجه إعجازه , بل إن ثمة علاقة أخرى , وهى الضرورة التى يحسها المسلم من جهة فهم معانيه , ولا يتم هذا الفهم إلا بالإحاطة بأساليبه , وما يمكن أن ينطوى وراء تعبيراته من المعانى , والمقاصد على قدر طاقة المشتغلين فيه , ومن هنا جال علماء البيان بضروب الأسلوب القرآنى , وكان هذا من الحوافز التى وجهت أنظارهم إلى الفنون المختلفة للتعبير الفنى فى الشعر والنثر , فوضعوا مصنفات كثيرة فى هذه الحقول , وكانت هذه المصنفات صدى لبيان خصائص النظم القرآنى .
وكان من جملة أغراض البحث البلاغى عندهم : إثبات أن ما عرف فى أدب العرب من فنون جميلة عالية فى التعبير وقع مثله فى القرآن على صورة أجمل وآنق , وقد فتحت المصنفات التى تركوها باب البحث البلاغى على مصراعيه , ووصلت بالذوق البيانى إلى كثير من الأصول التى تأسست عليها علوم المعانى , والبيان , والبديع .
وعندما ازدهر التصنيف فى علوم البلاغة كانت خدمة القرآن ماثلة أمام العلماء الذين كانوا يعدون جهودهم منصبة فى هذا المجال , حتى إننا لا نكاد نجد كتاباً فى البلاغة مقصوراً على مباحثها النظرية , وبعيداً عن خدمة القرآن , فعبد الله بن المعتز ت (296) هـ مثلاً عندما شرع فى البحث عن صنوف البديع , وفنونه أشار إلى كثير من آيات القرآن الكريم , وكان يجعل الشاهد القرآنى فى مقدمة شواهده , وحين تكلم على ما سماه الجاحظ " المذهب الكلامى " قال : " وهذا باب ما أعلم أنى وجدت فى القرآن منه شيئاً , وهو ينسب إلى التكلف " ([30])
وترجع معظم كتب البلاغة سبب تأليفها إلى إطلاع الناس على مواطن أسرار البيان فى القرآن و فالرمانى ت (296) هـ مثلاً يحصر البلاغة فى أقسام عشرة هى : الإيجاز , والتشبيه , والاستعارة والتلاؤم , والفواصل , والتجانس , والتصريف , والتضمين , والمبالغة , وحسن البيان . ثم يمضى لتفسير كل قسم فى ضوء الآيات القرآنية , وبيان أسرار الجمال فيها ([31])
ونجد فى كتابى " دلائل الإعجاز , وأسرار البلاغة " للإمام عبد القاهر الجرجانى ت (471) هـ توجيه البلاغة توجيهاً خالصاً لخدمة القرآن الكريم . وهذا صاحب الصناعتين أبى هلال العسكرى (395) هـ يقول فى مقدمة كتابه : " قد علمنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة , وأخل بمعرفة الفصاحة , لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصه الله به من حسن التأليف , وبراعة التركيب " بل إن أبا هلال يرى أن أحق العلوم بالتعلم , وأولاها بالتحفظ بعد المعرفة بالله علم البلاغة , ومعرفة الفصاحة الذى به يعرف إعجاز كتاب الله الناطق بالحكمة " ([32]) وهذا هو يحيى بن حمزة العلوى ت (749) هـ يؤلف كتابه , ويسميه " الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز " يتحدث فى المطلب الخامس عن الغرض من الكتاب فيقول : "واعلم أنه يراد لمقصدين : المقصد الأول : مقصد دينى , وهو الاطلاع على معرفة إعجاز كتاب الله , ومعرفة معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا يمكن الوقوف على ذلك إلى بإحراز علم البيان , والاطلاع على غوره ... فإنه لولا علو شانه , وارتفاع قدره لما كان خير كتب الله المنزل على خير أفضل أنبيائه إعجازه متعلقاً به , فإن القرآن إنما كان إعجازه من أجل ما اشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة "([33])
ويذكر الخطيب القزوينى ت (739) هـ فى مقدمة كتابه " التلخيص " أن موضوع إعجاز القرآن كان السبب فى وضع الكتاب , ويشير فى مقدمته إلى أن علم البلاغة وما يتبعه من أجل العلوم قدراً وأدقها سراً ؛ إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها , وتكشف عن وجوه الإعجاز فى نظم القرآن أستارها " ([34])
والبلاغة سلاح علمى من أهم أسلحة المفسر لكتاب الله , فهى من العلوم التى يحتاج إليها فى علم التفسير للوقوف على أسرار إعجاز القرآن , والغوص وراء أسرار البيان . وكما يقول الزمخشرى ت (538) هـ فى مقدمة " الكشاف " : " ولا يغوص على شئ من تلك الحقائق [ أى حقائق علم التفسير ] إلا رجل برع فى علمين مختصين بالقرآن , وهما علم المعانى , وعلم البيان , وتمهل فى ارتيادهما آونة , وتعب فى التنقير عنهما أزمنة , وبعثته على تتبع مظانهما همة فى معرفة لطائف حجة الله , وحرص على استيضاح معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " ([35])
وهذا ما أكده السكاكى ت (626) هـ فى كتابه " مفتاح العلوم " فى مقدمة القسم الثالث حيث يقول عند تعريفه لعلم البيان : " ... وفيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى وتقدس من كلامه مفتقر إلى هذين العلمين [ أى المعانى , والبيان ] كل الافتقار , فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير , هو فيهما راجل " وبعد أن ذكر اختلاف العلماء فى وجوه إعجاز القرآن ... قال : " ... فهذه أقوال أربعة يخمسها ما يجده صاحب أصحاب الذوق من أن وجه الإعجاز هو أمر من جنس البلاغة والفصاحة , ولا طريق لك إلى هذا الخامس إلا طول خدمة هذين العلمين [ أى المعانى , والبيان ] بعد فضل إلهى من هبة يهبها الله بحكمته من يشاء , وهى النفس المستعدة لذلك ... "([36]) وهذا ما أكده وفصله سعد الدين التفتازانى ت (791) هـ صاحب " المطول " ([37])
ولقد ذكر السيوطى فى الإتقان فى النوع الثامن والسبعين العلوم التى يحتاج إليها المفسر , وهى خمسة عشر علماً... الخامس , والسادس , والسابع المعانى , والبيان , والبديع ؛ لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى , وبالثانى : خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة , وخفائها , وبالثالث : وجوه تحسين الكلام . وهذه العلوم الثلاثة هى علوم البلاغة , وهى من أعظم أركان المفسر ؛ لأنه لابد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز , وإنما يدرك بهذه العلوم " ([38]) ومن هنا فإن الدارسين المحدثين لمحوا علاقة علم البلاغة بكتاب الله , وما لها من أثر كبير فى فهم إعجاز القرآن , والكشف عن وجوه الجمال فى أسلوبه .
خامساً : العناية بالقراءات خدمة للقرآن :
هناك ارتباط وثيق بين القراءات القرآنية , ولهجات القبائل العربية , ولقد كان من حكمة هذه الأحرف التى نزل بها القرآن تيسير التلاوة للوحى الكريم و والتعامل معه على الرغم من أن اللسان العربى تتعدد لهجاته على نحو واسع ... وفى الفترة التى سبقت نزول القرآن كان للهجة قريش السيادة على الهجات العربية الأخرى نظراً للأسباب التى سبق ذكرها فى بداية هذا المبحث ([39])
فلقد كانت اللهجة القرشية تستقى من لهجات القبائل ما تحتاج إليه من صفوة اللغات حتى تم تكوينها قبيل نزول الوحى . وقد اشتملت لهجة قريش على خصائص كثيرة من لهجات القبائل الأخرى , إذ استوعبت صفوة العناصر الحميدة لهذه اللهجات . وقد سبق أن لغة قريش تميزت من سائر اللغات العربية بالوضوح والرقة , وسلمت من التباس مخارج الحروف , واختلاطها بعضها بعض , فليس فيها شئ من تلك الحروف التى ذكر اللغويون أنها مستقبحة , ولا الحروف التى مخرجها بين حرفين من الحروف الفصيحة . أما اللغات الأخرى فتتميز بالخشونة , ومزج الحروف بعضها ببعض , كما يرى فى الإدغام , والإمالة , والإشمام , والأصوات المرغوب عنها ([40])
هذا ولقد بذل النحاة جهداً فائقاً لخدمة القرآن بمختلف قراءاته المتواترة ([41]) والشاذة , فوجهوها بالتعليل المستند إلى الأصول المعتمدة عندهم , واستشهدوا على ذلك بالشواهد الفصيحة التى جمعوها من البوادى من البوادى عبر رحلاتهم العلمية المديدة , وقد استندوا إلى هذه القراءات فى تأصيل قواعدهم , وإرساء معالم الصناعة النحوية والصرفية , وضبط مفردات اللغة . ومن المعلوم أن للقراءات الصحيحة شروطاً ومعايير تجعلها مقبولة ([42]) وقد اعتمدها النحاة , واللغويون , والبلاغيون , واستنبطوا منها الأصول التى بنوا عليها علومهم , وما خالف شروط القراءة الصحيحة عدوه شاذاً .
فالقراءات المتواترة والشاذة حجة عند أهل العربية – وإن كانت الأولى أعلى قدراً – وقد صنف علماء العربية ثلاثة أنواع من المصنفات لخدمة القراءات فى ضوء صناعتهم : الضرب الأول : يختص بالمتواتر , ومنه الحجة لأبى على الفارسى ت (377) هـ , والكشف لمكى بن أبى طالب القيسى ت (437) هـ . والضرب الثانى : يختص بالشاذ , ومنه المحتسب لابن جنى ت (392) هـ , وإعراب القراءات الشاذة للعكبرى . والضرب الثالث : يجمع بين المتواتر , والشاذ , ومنه البحر المحيط لأبى حيان ت (745)هـ , والدر المصون للسمين الحلبى ت (756) هـ .
"وهكذا اشتغل النحاة بتوجيه القراءات القرآنية , وليس غريباً أن يكون النحاة الأوائل الذين بنوا صرح هذا العلم هم من القراء كأبى عمرو بن العلاء , وعيسى بن عمر , والخليل بن أحمد , ولعل اهتمامهم بهذه القراءات دفعهم إلى الدراسة النحوية المفصلة لكى يلائموا بين ما سمعوا من القراءات , وما رووه من كلام العرب .
وقد اجترأ بعض النحاة والمفسرين على تضعيف طائفة من القراءات المتواترة التى خالفت أصولهم المقررة فى اللغة , أو النحو والصرف , كما اجترؤوا على رميها بالتخطئة , أو الخروج عن سنن العربية ؛ مما جعل فريقاً آخر من النحاة يردون عليهم , ويثبتون خطأ هذا المنهج فى التسرع إلى تضعيف قراءات تشتمل على شروط القراءة المتواترة . وفى هذا الإثبات , والرد على المتسرعين محمدة حفظت لهذه القراءة هيبتها , واستنادها إلى وجه صحيح , فالحكم على رفض ما تواتر بحجة واهية ليس بالأمر السهل , وبذلك أصبح علم توجيه القراءات علماً أصيلاً يرد على الطاعنين , ويجيب عن تعليلها الذى يبين وجهها فى المعنى والصياغة "([43])
وهكذا نصل إلى أن علماء العربية خدموا قراءات القرآن الكريم بالتوجيه والشرح , وبينوا أصولها وحققوا فى صلتها بقواعدهم الصناعية , وردوا المجترئين عليها بالتلحين أو التضعيف , وتجاوزوا المتواتر منها إلى الشاذ , وتعدد ت مناهجهم ([44])
(3) ولقد كان هذا الأمر واضحاً فى نظر كثير من المستشرقين , ففى رأى نولدكة مثلاً أن العربية لم تصر لغة عالمية حقاً إلا بسبب القرآن والإسلام ؛ إذ تحت قيادة قريش فتح البدو سكان الصحراء نصف العالم وبهذا صارت العربية لغة مقدسة حقاً . فصول فى فقه اللغة ص109 نقلاً عن اللغات السامية ص79
(4) ينظر عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن صـ 6
(1) فلقد بحثوا عن أوجه الجمال فى القرآن , وعن إعجازه , وهؤلاء مما كانت لغتهم الأم أو الأولى غير العربية ؛ إذ من المعروف أن عدداً غير قليل من أبناء الشعوب الإسلامية انتحلوا العربية , فصارت لغتهم ولسانهم , وتناسوا بل هجروا لغتهم الأم , وكتبوا فى تمجيد العربية , وبيان فضلها , والتعصب لها
ما لم يكتبه قلم من صليبة عربية . ولنا أن نمثل فى هذا السياق بجمهرة من علماء العربية , وغيرهم من مثل : أبى بشر عمر و بن عثمان قنبر المعروف بسيبويه ت (180) هــ , أبى حاتم الرازى ت (322) هـ , وأبى على الفارسى ت (377) هــ , وأحمد بن فارس ت (395) هــ , وأبى حيان التوحيدى ت (414) هـ . ولمزيد من التوسع راجع الفصل السادس والأربعين فى مقدمة ابن خلدون بعنوان : فى أن حملة العلم فى الإسلام أكثرهم من العجم صـ 747 – 750 , وعناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن صـ 6 - 9
(1) وليس الأمر انا جعلنا الشعر أصلاً للقرآن , بل أردنا تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر ؛ لأن الله تعالى قال : ( إنا جعلناه قرآناً عربياً ...) ولقد قال ابن عباس كما سبق : " الشعر ديوان العرب , فإذا خفى علينا الحرف من القرآن الذى أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها , فالتمسنا معرفة ذلك منه " ينظر الإتقان 1/121
(2) هذا ولقد جمعت هذه الأسئلة وإجابتها فى كتاب مستقل باسم " سؤالات نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن عباس " نشره الدكتور / إبراهيم السامرائى ببغداد سنة (1968) م , كما ذكرها السيوطى فى النوع السادس والثلاثين من كتابه " الإتقان فى علوم القرآن ط , وبعضها فى الكامل للمبرد , وإيضاح الوقف والابتداء لابن الأنبارى . ينظر الإتقان 1/121 , وفصول فى فقه العربية صـ 109 , والإعجاز البيانى ومسائل نافع ابن الأزرق صـ 287 – 603 للدكتورة / عائشة عبد الرحمن – ط دار المعارف – ط ثانية .
(3) فمن ذلك : ما أورده الزمخشرى عن الخليفة الراشدد عمر رضى الله عنه حيث سأل - وهو على المنبر - عن قوله تعالى : ( أو يأخذكم على تخوف ... ) [ النحل : 47 ] فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا , التخوف : التنقص . فسأله عمر : هل تعرف العرب ذلك فى أشعارها ؟ قال : نعم . قال الشاعر :
تخوف الرحل منا تامكاً قرداً * كما تخوف عود النبعة السفن . فقال عمر : أيها الناس , عليكم بديوانكم لا يضل . فقالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم . الكشاف 2/568 . هذا والبيت لأبى كبير الهذلى . والتخوف : التنقص شيئاً فشيئاً . والتامك : السنام المرتفع . والنبع : شجر تتخذ منه القسى . والسفن : مبرد الحديد الذى ينحت به الخشب . شرح شواهد الكشاف 2/568 لمحب الدين أفندى
(4) يقول الرافعى : " توسع النحاة , وأهل اللغة فى شواهد القرآن , ونقبوا عنها , واستعرضوا ما انتهى إليهم من كلام العرب , فلا يعرف فى تاريخ الإنسانية قاطبة شواهد تبلغ عدتها أو تقاربها , أو تكون منها على نسبة متكافئة , فإن مبلغ ما أحصوه من شواهد القرآن فيما ذكروا ثلاثمائة ألف بيت من الشعر , ولعمر أبيك إنها لمعجزة فى فنها , ولو بلغت الشواهد نصف هذا القدر لكانت المعجزة كاملة . إعجاز القرآن والبلاغة النبوية صـ101
(5) إعجاز القرآن صـ 159 – 183 ط دار المعارف – ط خامسة – (1374) هـ ( 1954) م .
(6) دلائل الإعجاز صـ 7 ط دار الكتب العلمية – بيروت .
(1) عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن ومراجعه صـ45 , 46 للدكتور / أحمد الخراط .
(2) ومن أمثلة الصلة الوثيقة بين هذه المعاجم وتفسير كتاب الله : أن صاحب اللسان فى مادة " يأس " تعرض لاختلاف أهل اللغة فى معانى اليأس , وهل يكون بمعنى العلم ؟ وأشار إلى اختلاف المفسرين فى قوله تعالى : ( أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء اللع لهدى الناس جميعاُ ...) [ الرعد : 31 ] وما ينجم عنه فى توجيه الآية , وسمى طائفة من القبائل العربية التى تستعمل اليأس بمعنى العلم و وعرض شواهد من الشعر العربى الفصيح التى تدعم هذا الاستعمال . اللسان مادة "يأس" 6/260 ط دار صادر – بيروت – ط ثانية – (1414)(1994) م .
(1) هذا ولقد ذكر صاحب الفهرست من كتب اللغات فى القرآن : كتاب اللغات فى القرآن للفراء , ولأبى زيد , وللأصمعى , وللهيثم بن عدى , ومحمد بن يحيى القطيعى , وابن دريد ولم يتمه . الفهرست صـ 38 ط طهران – (1991) هـ(1971) م .
(2) ذكر صاحب كشف الظنون من كتب الأضداد كتاب الأصمعى ت (212) هـ , وابن المستنير قطرب ت (206) هـ , وأبى حاتم السجستانى ت (250) هـ , وجعفر بن درستويه ت (347) هـ , وابن الأنبارى ت (328) هـ , وابن الدهان النحوى ت (569) هـ , وحسن الصغانى ت (605) هـ . كشف الظنون 1/ 115 , 116 ط دار إحياء التراث العربى – بيروت .
(3) ولقد ذكر صاحب الفهرست من الكتب المؤلفة فيما اتفقت ألفاظه ومعانيه فى القرآن : كتاب أحمد بن عيسى اللؤلؤى , وكتاب الأخفش سعيد , وكتاب نصير , وكتاب يعقوب الحضرمى , وكتاب نافع بن عبد الرحمن , وكتاب روح بن مؤمن . الفهرست صـ 39
(4) ذكر صاحب الفهرست من كتب غريب القرآن : غريب القرآن لأبى عبيدة , ومؤرج السدوسى , وابن قتيبة , واليزيدى , وابن سلام الجمحى , والطبرى وأبى عبيد القاسم , والسجستانى , والعروضى , والأحول , والبلخى . ولقد ذكر صاحب كشف الظنون كتب غريب القرآن والحديث بالتفصيل . الفهرست صـ37 , وكشف الظنون 2/1203 - 1208
(1) قال الزركشى : " وهو فن جليل , وبه يعرف كيف أداء القرآن , ويترتب على ذلك فوائد كثيرة , واستنباطات غزيرة , وبه تتبين معانى القرآن , ويؤمن الاحتراز عن الوقوع فى المشكلات " . وقال السيوطى : " أفرده بالتصنيف خلائق , منهم أبو جعفر النحاس , وابن الأنبارى , والزجاج , والدانى و والعمانى , والسجاوندى , وغيرهم , وهو فن جليل يعرف به كيف أداء القرآن " البرهان 1/339 , والإتقان 2/539
(2) كشف الظنون 2/378 , والفهرست صــ37
(3) وقد كان لعلماء العربية إسهام واضح وكبير فى هذا الجانب , ولقد صار فيما بعد من مصادر التفسير , ومن ذلك : كتاب " مجاز القرآن " لأبى عبيدة معمر بن المثنى ت (208)هـ , ومعانى القرآن لأبى الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ت (215)هــ , وقد عنى بما عنى به أبو عبيدة من تفسير الألفاظ , وشرح المعانى , وبيان وجوه الأساليب , وأغراض الخطاب وخروج الأساليب عن ظاهرها , وزاد على ذلك عنايته بالظاهرة النحوية , والقراءات القرآنية , كما ألف فى معانى القرآن أبو جعفر النحاس ت (338)هــ , وأبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ت (207)هــ , وأبو إسحاق الزجاج ت (311)هــ , وغيرهم من العلماء . ينظر لمزيد من التفصيل الفهرست صــ37 , وكشف الظنون 2/395
(4) الفهرست صــ36-41
(5) ينظر فى تفصيل ذلك البرهان فى علوم القرآن للزركشى , والإتقان فى علوم القرآن للسيوطى , والزيادة والإحسان فى علوم القرآن لابن عقيلة المكى .
(6) ينظر فى تفصيل ذلك عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم صـ4-21 للدكتور/ أحمد الخراط , وعناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن صــ37-52 للدكتور/ سليمان العايد .
(1) وفى رواية ذكرها القرطبى عن أبى مليكة أن تلك الحادثة كانت فى زمان عمر رضى الله عنه . ينظر تفسير القرطبى 1/43 ط مؤسسة الرسالة – ط أولى – (1427) هــ (2006) م , و نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة صــ11-17 للشيخ / محمد الطنطاوى ط دار المنار – (1412) هـ (1991) م. , وفصول فى فقه العربية صـ112
(2) رواه الحاكم فى المستدرك – كتاب التفسير – 41 – تفسير حم السجدة - ح (3700) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه , ووافقه الذهبى. ونص الحديث عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلاً قرأ فلحن فقال رسول الله : " أرشدوا أخاكم " المستدرك 2/1301 ط دار الحرمين – ط أولى – (1417)هــ (1997) م . والحديث ضعفه الألبانى فى السلسة الضعيفة ح (914) 2/315 ط مكتبة المعارف – ط خامسة (1412)هـ
(3) وسيأتى تفصيل ذلك عند الحديث عن المراحل التى مر بها جمع القرآن فى عهد عثمان رضى الله عنه .
(4) فلقد روى يونس بن حبيب أن الحجاج قال ليحيى بن يعمر : أتسمعنى ألحن على المنبر ؟ قال يحيى : الأمير أفصح من ذلك , فألح عليه , فقال : حرفاً . قال الحجاج : أياً ؟ قال : فى القرآن . قال الحجاج : ذلك أشنع له فما هو ؟ قال : تقول : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم ... إلى قوله : (أحب ) [ التوبة : 24 ] فتقرؤها " أحبُ " بالرفع , والوجه أن تقرأ بالنصب على خبر كان . ويذكر أن الحجاج قرأ ( إنا من المجرمون منتقمون ) [ السجدة : 22] . البيان والتبيين 2/218 ط دار الجيل , والمدارس النحوية صــ11 , 12 للدكتور / شوقى ضيف ط دار المعارف – ط سابعة .
(1) الإتقان 1/146 , 180 , وعناية المسلمين باللغة العربية صــ22-29 للخراط .
(2) البيان العربى صــ24 للدكتور/ بدوى طبانة ط مكتبة الآنجلو – ط سادسة – (1396)هـ (1976) م , والبلاغة تطور وتاريخ صـ13 للدكتور/ شوقى ضيف ط دار المعارف – ط ثالثة , وتأثير الفكر الدينى فى البلاغة العربية صـ9 , 119 , 194 للدكتور/ مهدى السامرائى ط المكتب الإسلامى .
(3) إعجاز القرآن صـ130 للرافعى ط مكتبة الإيمان , والبيان العربى صـ23
(4) المقدمة صــ762
(1) البديع صــ53 ط المثنى – بغداد – (1951) م.
(2) النكت فى إعجاز القرآن صـ76 – 113 ضمن ثلاث رسائل – ط دار المعارف – ط ثانية (1387) هـ (1968) م.
(3) الصناعتين صـ 9, 10ط دار الكتب العلمية – ط ثانية – (1409) هـ (1989) م .
(1) الطراز 1/32 , 33 باختصار ط المقتطف (1323)هـ .
(2) التلخيص صـ21 ط دار الفكر العربى ط أولى – (1409) م .
(3) الكشاف 1/43
(4) مفتاح العلوم صـ 77 , 280 ط الحلبى – (1411) هـ .
(5) المطول شرح التلخيص صـ9 ,10ط المكتبة الأزهرية .
(6) الإتقان 2/181
(1) بداية المبحث الثالث : اختيار لغة قريش لنزول القرآن بها , والسر فى ذلك صـ6
(2) راجع تفصيل ذلك فى الخبر الذى رواه الأصمعى عن معاوية والأعرابى فى صــ7
(3) بدأ التدوين فى علم القراءات كغيره من العلوم فى وقت مبكر , غير أنه لم يشتد إلا فى القرن الثالث الهجرى عصر التدوين والانفتاح العلمى فى شتى العلوم والفنون , ويعد أبو عبيد القاسم بن سلام ت (224) هـ أول إمام معتبر دون القراءات , وجمعها فى مؤلف واحد , وجعلهم خمساً وعشرين قارئاً مع القراء السبعة . علم القراءات نشأته وأطواره وأثره فى العلوم الشرعية صــ 98 ,103 للدكتور/ نبيل محمد إسماعيل ط مكتبة التوبة – ط أولى –1421) هـ (20009) م , وفى علوم القراءات مدخل ودراسة وتحقيق صــ34 ,35 للدكتور/ سيد رزق الطويل ط المكتبة الفيصلية – ط أولى – (1405) (1985) م.
(3) النشر فى القراءات العشر 1/9 , والقراءات القرآنية فى ضوء العلم الحديث صــ 257 , وما بعدها للدكتور/ عبد الصبور شاهين ط مطبعة الخانجى .
(1) عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن صــ 47-54 للدكتور/ الخراط .
(2) لقد كان الاحتجاج للقراءات باباً واسعاً لخدمة اللغة العربية , وتقوية بعض وجوهها , ولقد عرف النحويون هذا الاحتجاج منذ بداية التأليف فى علوم العربية . نجد ذلك فى كتاب سيبويه , ومن تبعه من النحاة ... فلما كان القرن الرابع فى أوله سبّع أبو بكر بن مجاهد ت (324) السبعة , وألف كتابه , وتلقت الأمة تسبيعه بالقبول , وظهر منذ ذلك الزمن توجيهات واحتجاجات للقراءات سواء كانت سبعية أو غير ها . والكتب فى القراءات تخريجاً وتوجيهاً واحتجاجاً أكثر من أن نأتى عليها فى هذه العجالة , ولكن مما تجدر الإشارة إليه أن هذا النوع من التأليف قد أسهم فى إثراء العربية , وخدمة لغة القرآن , وكان إضافة لدرس العربية اتخذ القرآن محوراً , وجعله مداراً يدور حوله , ثم إن كتب توجيه القراءات تمزج مستويات الدرس اللغوى الأربعة ببعض : الصوتى , والصرفى , والنحوى , والدلالى , وتعد من أرقى الدراسات التطبيقية فى اللغة العربية , وهى تمثل اللحمة القوية بين علوم العربية , وعلوم القرآن , وتصور التآخى بينهما فى أعلى مقاماته , وأسمى درجاته ؛ لأنها تتخذ النص المقدس مجالاً للدرس , وتروم خدمته , ورفع ما يحيق بفهمه من حواجز , وتيسير ذلك الفهم من خلال تناول لغوى ميسر يعتمد التحليل والغعراب , وذكر النظائر , والاستئناس بالرأى أو الآراء الأخرى , وتخريج ما فى القراءة من كلام العرب , أو آراء العلماء ومذاهبهم . العناية باللغة العربية خدمة للقرآن الكريم صـ52-54 للدكتور/ العايد .

هناك تعليقان (2):