الخميس، 9 أبريل 2009

الفصل السادس : القصة فى البيان النبوى

حين نتحدث عن القصة فى البيان النبوى فإننا نتحدث عن وسيلة من وسائل الدعوة اعتمد عليها النبى صلى الله عليه وسلم فى التعليم والتوجيه والإرشاد . ولكن مما تجدر الإشارة إليه " أن القصة فى الحديث النبوى تمثل عصرها , وتعكس الفترة التى وجدت فيها , وتدور فى إطارها من حيث الشكل الفنى " ([1] ) كما أن الواقع الذى تجرى فيه يحمل فى أثنائه أوجه التقاء مع القصة اليوم فى عناصرها الأصلية وصورتها العامة من مثل سوقها فى أسلوب قصصى يتتبع الحوادث , ويوردها فى إطار من التشويق والإثارة فى عرض ترتب فيه الحوادث فى مواضعها , وتحرك الشخصيات فى مجالها , ويجد القارئ أو المستمع لها أنه أمام مشاهد تعبرعن زاوية من زوايا الحياة , أو جانب من جوانب الفكر .
" والقصص النبوى منطلقه وأساسه الصدق والواقعية اللذان يستمدان معنييهما وقيمهما من تلك القوة التى تتضمنها مجموعة الصفات الخلقية والدينية المجتمعة فى شخصية النبى صلى الله عليه وسلم " ([2] ) , والقصص النبوى وإن كان يلتقى مع الرواية الحديثة فى جانب مهم جداً وهو التعبير عن القيم إلا أن القصص النبوى يتميز بالتجرد للهدف الدينى إنطلاقاً من دعوة النبى صلى الله عليه وسلم , فالقصص الذى ساقه النبى صلى الله عليه وسلم قصص تربوى ودعوى الهدف منه أخذ العظة والعبرة , والتوجيه والإصلاح , والتعليم , " فالقصص النبوى قصص فكرة بمعنى أن القصة فيه مهدفة من أجل خدمة " قيم معينة " و وتعميقها فى نفوس المجتمع الذى نشأت فيه القصة الإسلامية , وهى القيم الإسلامية , وغنى عن البيان ما تحمله القيم الإسلامية من الأصالة والعمق تجاه الحياة الإنسانية والوجود بعامة والتعبير عن القيم فى الرواية جانب مهم جداً يجعلها ذات قيمة خاصة فى نظر النقاد " ([3] ) , ولذلك فالقصة النبوية بجميع أنواعها قصة ملتزمة بالغرض الدينى , والقصص الطويلة والقصيرة فى ذلك سواء , فالرسول وهو يسرد القصص سواء ما تلـقى مادته من الوحـى فى
قصص الماضى والمستقبل , أو ما أنشأه من عنده من القصص التمثيلية التى كان يستخدمها كوسيلة من الوسائل الكثيرة التى يتبعها فى تحقيق الغرض الدينى , وهو الهدف الأصيل الذى بعث من أجله النبى صلى الله عليه وسلم , ومن هنا نجد القصة النبوية خاضعة خضوعاً تاماً للغرض الدينى شأنها فى ذلك شأن القصة فى القرآن الكريم ([4] )
وسأشير فى عجالة هنا إلى نماذج مختارة من القصص النبوى مبيناً فى إيجاز ما يتمتع به من روعة فى الأسلوب , ودقة فى الأداء , مع حسن العرض , وجذب الانتباه ([5] ) . ولنبدأ بالقصص النبوى المفصل لما أجمله القرأن فى أمور الدنيا والآخرة . فمن ذلك ما ذكره النبى صلى الله عليه وسلم فى بيان موقف من مواقف بنى إسرائيل من سجلهم الحافل بالعصيان والمخالفة لأمر الله مع التبديل والتحريف , وذلك فى تفسير قوله تعالى : ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) ( البقرة : 58) , وهذه الآية جزء مما قصه الله علينا من سجل عصيانهم وعنادهم ومخالفتهم لأمره سبحانه عند دخول بيت المقدس , ولقد أجمل القرآن تفصيل الموقف , فجاء البيان النبوى لتفصيل ما أجمله القرآن , فقال صلى الله عليه وسلم : " قيل لبنى إسرائيل : ( ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة ... ) فدخلوا يزحفون على أستاهم فبدلوا, وقالوا : حبة فى شعرة " ([6] ) , والقصة النبوية هنا مع إيجازها قد فصلت ما أجمله القرآن من هذا الموقف , فالقرآن أشار إلى التبديل فى القول دون الفعل وهو زحفهم على أستاهم كما أشار إلى القول دون أن يبين ما قالوه , وهذا شأن القرآن فى الإيجاز , فجاء البيان النبوى ليبين لنا حقيقة ما قالوه وما فعلوه فى إيجاز دقيق . والقصة هنا من كلمات معدودة , ولكنـها قد توافر فيها العناصرالأساسية للقصة من الشـخصيات, والحدث, والحوار
والزمان والمكان . وتميزت هنا بقوة التركيز والتأثير , حيث إنها ركزت على المشكلة الأساسية , وهى تبديل بنى إسرائيل لما أمروا به عند دخولهم بيت المقدس . والمشكلة جزء من بناء ونسيج القصة . ويلمح الدقة فى اختيار الألفاظ فى قوله : " دخلوا يزحفون على أستاهم فبدلوا , وقالوا : حبة فى شعرة " , ونلمح هنا دقة الوصف النبوى فى بيان ما فعله بنو إسرائيل حيث دخلوا يزحفون على أستاهم , وهى هيئة مزرية . والوصف مقوم من مقومات الصورة , وهو أيضاً عنصر من عناصر النسيج فى القصة , وله دوره هنا فى توضيح الحدث , وبيان الصورة , وهى الاستهزاء والسخرية بالأمر !
وإلى قصة أخرى من القصص القرآنى الذى فصله البيان النبوى , ولكن مع طول فى الحديث يختلف عن الحديث الماضى , وهى قصة موسى مع الخضر عليهما السلام , وسأنقلها بطولها ليتضح لنا منهج الأسلوب القصصى فى الحديث النبوى , وكيف يوجز فى بعض القصص , ويفصل فى بعضها الآخر تبعاً لما يتطلبه الموقف من توضيح , ونظراً لأهمية التفصيل فى بعض المشاهد لما ينبنى عليها من معان يهدف النبى صلى الله عليه وسلم إلى ترسيخها فى النفوس وتوضيحها , وذلك لما تتركه من أثر فى حياتهم وسلوكهم , حيث يأخذ المسلمون منها العبرة والعظة . فلقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن موسى قام خطيباً فى بنى إسرائيل , فسئل : أى الناس أعلم ؟ فقال : أنا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه , فأوحى الله إليه إن لى عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك . قال موسـى : يا رب فكيف لى به ؟ قال : تأخذ معك حوتاً فتجعله فى مكتل([7] ) , فحيثما فقدت الحوت فهو ثم . فأخذ حوتاً فجعله فى مكتل ثم انطلق , وانطلق معه فتاه يوشع بن نون , حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما , واضطرب الحوت فى المكتل فخرج منه فسقط فى البحر , فاتخذ سبيله فى البحر سرباً , وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق , فلما استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت , فانطلقا بقية يومهما وليلتهما , حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً . قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذى أمر الله به . فقال له فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله فى البحر عجباً . قال : فكان للحوت
سرباً ([8] ), ولموسى وفتاه عجباً . فقال موسى : ذلك ما كنا نبغى , فارتدا على آثارهما قصصا , قال : رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى ثوباً , فسلم عليه موسى فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام . قال : أنا موسى . قال : موسى بن إسرائيل ؟ قال : نعم . أتيتك لتعلمنى مما علمت رشداً . قال : إنك لن تستطيع معى صبراً . يا موسى إنى على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه , وأنت على علم من الله علمكه الله لا أعلمه . فقال موسى : ستجدنى إن شاء الله صابراً ولا أعصى لك أمراً . فقال له الخضر : فإن اتبعتنى فلا تسألنى عن شئ حتى أحدث لك منه ذكراً . فانطلقا يمشيان على ساحل البحر , فمرت سفينة , فكلموهم أن يحملوهم , فعرفوا الخضر فحملوا بغير نول . فلما ركبا فى السفينة لم يفج إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم . فقال له موسى : قد حملونا بغير نول و عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً . قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبراً ؟ قال لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسراً. قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكانت الأولى من موسى نسياناً , قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر فى البحر نقرة , فقال الخضر : ما علمى وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من ماء البحر . ثم خرجا من السفينة , فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان , فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله . فقال موسى : أقتلت نفساً زكية بغير نفس ؟ لقد جئت شيئاً نكراً . قال : ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبراً ؟ قال : وهذه أشد من الأولى . قال : إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبنى , قد بلغت من لدنى عذراً . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها , فأبوا أن يضيفوهما , فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض - قال : مائل – فقال الخضر بيده فأقامه . فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا , ولم يضيفونا , لو شئت لاتخذت عليه أجراً . قال : هذا فراق بينى وبينك – إلى قوله – ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما " فقال سعيد بن جبير : فكان ابن عباس يقرأ "( وكان أمامهم
ملك يأخذ كل سفينة – صالحة – غصباً ) , وكان يقرأ : ( وأما الغلام فكان – كافراً وكان – أبواه مؤمنين ) ([9] ) والقصة هنا كما يلاحظ حافلة بالحوار والحركة , وتتابع الأحداث وتشابكها , ومشتملة على التصوير فى بعض المواقف , وفيها وقفات فى أثناء الأحداث الهدف منها أخذ العظة والعبرة , والتعليم والتوجيه , وهذه الوقفات التربوية حرص النبى صلى الله عليه وسلم على أن تجئ فى مواضعها الدقيقة مرتبطة بكل حدث من الأحداث , وذلك ليربط بين الحدث والهدف التعليمى . وأشير إلى بعض هذه الوقفات . فمن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : " ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذى أمر الله به " , وفى ذلك إشارة إلى أن المحافظة على أمر الله والالتزام به راحة من النصب والمشقة . ومن ذلك قوله : " يا موسى إنى على علم من الله علمنيه لا تعلمه , وأنت على علم من الله علمكه الله لا أعلمه " , وفى ذك إشارة إلى أن الله سبحانه يخص من عباده من شاء بالعلم , وقد يفتح لبعض عباده أبواباً من العلم لا يعلمها كثير من الناس , وأن الله له فى خلقه شؤون , وأن قسمة هذا العلم الإلهى إنما تكون بعلم الله المحيط . ومن ذلك قوله : " وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر فى البحر نقرة , فقال له الخضر : ما علمى وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر " ونلمح هنا التصوير الدقيق المعتمد على مشهد من الواقع . والتصوير له مدخل كبير فى التأثير فى القصة , والهدف منه هنا الإشارة إلى سعة علم الله سبحانه المحيط بكل شئ علماً . وهذه بعض الوقفات النبوية فى القصة . ويلمح هنا دقة عرض الأحداث فى القصة والربط بينها وبين الغرض الدينى التعليمى , وتصوير الشخصيات وبيان حال كل من موسى والخضر خاصة موسى حيث فوجئ بما يحدث على يد الخضر عليه السلام , ونلمح هنا ظهور عنصر الحوار فى القصة , وهو حوار هادف بناء الهدف منه التعلم , ونلمح عنصرا المكان والزمان فى هذه القصة بداية من مكان اللقاء عند مجمع البحرين , ثم بعد ذلك ركوب السفينة , والإتيان على القرية إلخ , وهذه الأمور كلها من الحدث , والحوار , والشخصيات , والزمان والمكان تعد العناصر الأساسية للقصة.ونلمح هنا أن القصة تختلف فى طولها عن القصة الأولى وذلك نظراً لطول
الأحداث هنا , وكثرة المواقف . وهى تشترك مع القصة السابقة فى أنها من القصص النبوى الذى جاء تفصيلاً لما أجمله القرآن فى بعض القصص . وهو تفصيل تمس الحاجة إليه نظراً لما فى هذا القصص من الحكمة , وآيات القدرة , وما فيه من مواقف تعليمية وتربوية ينتفع بها المسلم فى دينه ودنياه . وتفصيل ذلك يطول , والكلام هنا حول الناحية الفنية والأسلوبية فى القصص النبوى ([10] )
ومن القصص النبوى الذى يتناول مشاهد من يوم القيامة , يوم يقوم الناس لرب العالمين , وتدنو الشمس من الرؤوس : قوله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله يوم القيامة يا آدم , يقول لبيك ربنا وسعديك . فينادى بصوت : إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً ([11] ) إلى النار . قال : يا رب , وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف – أراه قال – تسعمائة وتسعة وتسعين , فحينئذ تضع الحامل حملها , ويشيب الوليد , وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم . فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين , ومنكم واحد . ثم أنتم فى الناس كالشعرة السوداء فى جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء فى جنب الثور الأسود , إنى لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبرنا .ثم قال :" ثلث أهل الجنة " فكبرنا . ثم قال شطر أهل الجنة " فكبرنا " ([12] ) ويلاحظ هنا أن النبى صلى الله عليه وسلم ربط بين هذه القصة لمشهد حوارى من مشاهد يوم القيامة بين الله سبحانه , وبين آدم عليه السلام وبين الواقع , ونلمح كيف انفعل الصحابة مع الأحداث وقد أثر فيهم كلام النبى صلى الله عليه وسلم , وذلك حين تغيرت وجوههم . والتأثير هنا جاء من طريقة العرض التى تميز بها النبى صلى الله عليه وسلم فى أداء الحديث . وفى قوله : " فينادى بصوت " إلخ نلمح هنا شدة الموقف وتأزمه , وبعد ذلك ما ذكره من وضع الحامل حملها , وشيب الوليد , ورؤية الناس سكارى وما هم بسكارى . كل ذلك جمعه فى ومضة عين فى ظل بيان هذا المشهد الحوارى بين الله عز وجل وبين آدم عليه السلام . ولقد نقلهم بعد ذلك إلى الواقع فبشرهم بأنهم أقل الناس عدداً بين الأمم , وإنه ليرجو أن يكونوا شطر أهل الجنة . فجمع فى القصة بين الخوف والرجاء , والترغيب والترهيب , مع الربط بين عالم الشهادة وعالم الغيب .
ومن القصص القصيرة لمشهد آخر من مشاهد يوم القيامة فى حوار قصير بين الحق جل وعلا , وبين إبراهيم عليه السلام : قوله صلى الله عليه وسلم : " يلقى إبراهيم أباه فيقول : يا رب , إنك وعدتنى ، لا تخزنى يوم يبعثون . فيقول الله تبارك وتعالى : إنى حرمت الجنة على الكافرين " ([13] ) وهذه القصة القصيرة لحوار يدور بين الحق جل وعلا وبين إبراهيم عليه السلام فى شأن أبيه الذى مات على الكفر . وهنا يبرز عنصر الحوار بشكل واضح , والحوار فى أى قصة عنصر مهم ([14] ) , وهو منتشر فى معظم القصص النبوى ([15] ) . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " حاج موسى آدم فقال له : أنت الذى أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم . قال : قال آدم : يا موسى أنت الذى اصطفاك الله برسـالاته وبكـلامه , أتلومنى على أمر كتبه الله على قبل أن يخلقنى , أو قدره على قبل أن يخلقنى ؟ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى " ([16] ) , وهذا الحوار القصصى بين آدم وموسى عليهما السلام يحتمل وقوعه فى كل من الدارين ([17] )
ونلمح هنا أن الحوار القصصى حوار موجز , وذلك كما سبق يأتى فى بعض المواضع تبعاً للأحداث والمواقف المعروضة . وهناك قصص تتصل بمشاهد من يوم القيامة قد طالت فيها الأحداث كما رأينا فى قصة موسى والخضر التى تتـصل بالقصـص القرآنى . فـمن القصـص
الطويل الذى يتصل ببعض مشاهد القيامة : حديث الشفاعة يوم القيامة , وسأكتفى بالإشارة إلى موضعه من الصحيحين لمن أراد التوسع ؛ وذلك لضيق المقام هنا عن التفصيل ([18] )
وهناك قصص ساقه النبى صلى الله عليه وسلم حديثاً عن الأمم السابقة , وما كان فيها من أعاجيب , وهذا القصص كسابقه الهدف منه العظة والعبرة , والتوجيه والتعليم . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " كان فى بنى إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً , ثم خرج يسأل , فأتى راهباً , فسأله , فقال : أله توبة ؟ قال : لا فقتله , وجعل يسأل , فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا , فأدركه الموت فناء بصدره نحوها , فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب , فأوحى الله إلى هذه أن تقربى , وإلى هذه أن تباعدى , فقال : قيسوا ما بينهما , فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له " ([19] ) وهذه القصة الهدف منها بيان سعة رحمة الله تعالى وقبوله لتوبة التائبين , وقد حفلت القصة بالحوار والحركة . ومن ذلك أيضاً قصة أصحاب الأخدود , والساحر, والراهب , والغلام . وهى قصة حافلة بالأحداث والحوار , والشخصيات وفيها كثير من المواقف التعليمية والتربوية ([20] ) ومن القصص النبوى ما يتحدث عن الجنة والنار وحال بعض أهلهما ([21] ) ومن القصص النبوى ما كان تمثيلاً ([22] ) والأمثلة على ذلك فى كتاب القصص فى الحديث النبوى والمقام هنا مقام الإشارة لا الحصر.
(1) ينظر القصص فى الحديث النبوى ص 90
(2) ينظر من الخصائص البلاغية واللغوية فى أسلوب الحديث النبوى الشريف ص 258
(3) ولذك نجد " فوستر " فى معرض حديثه عن الرواية يؤكد على أهمية هذا الجانب فيها حيث يقول : " فما تفعله الحكاية أنها تحكى حياة فى زمن , أما ما تفعله الرواية بأكملها فهو أنها أيضاً تشمل الحياة بالقيم , هذا إذا كانت رواية جيدة " . وهذه الناحية وغيرها من العناصر العامة التى تلتقى فيها القصة النبوية مع قصة اليوم . وينظر القصص فى الحديث النبوى ص 89- 91
(1) ينظر التصوير الفنى فى القرآن فى باب القصة فى القرآن – ط دار الشروق – الطبعة الثانية عشرة – ( 1412) هـ (1992) م .
(2) أما عن تفصيل البحث فى القصة النبوية فهو موجود فى دراسة تفصيلية قيمة للقصص فى البيان النبوى بعنوان " القصص فى الحديث النبوى – دراسة فنية موضوعية " للأستاذ الدكتور / محمد حسن الزير – ط الرابعة – (1418) هـ (1997) م . فليراجعها من أراد التوسع فى دراسة هذا الفن الراقى من فنون البيان النبوى . أما هنا فالبحث يشيرفى عجالة إلى أبرز خصائص البيان النبوى ككل . والقصة خصيصة من هذه الخصائص .
(3) متفق عليه - أخرجه البخارى – كتاب التفسير – باب قوله تعالى : ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً ... ) – ح (4298)- 8/14, وأخرجه مسلم – كتاب التفسير -18/152. ومن ذلك أيضاً : قصة موسى عليه السلام مع بنى إسرائيل فى تفسير قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً ) ( الأحزاب : 69) والحديث أخرجه البخارى فى كتاب الأنبياء – ح ( 3292) – 6/502, وفى كتاب التفسير – ح (4614) – 8/405
(1) المكتل : زنبيل يعمل من الخوص . جمعه : مكاتل .
(1) والسرب بالتحريك : المسلك فى خفية , وحفير تحت الأرض لا منفذ له , وجحر الوحشى , والقناة الجوفاء يدخل منها الماء الحائط. وقد أمسك الله جرية الماء على الحوت فصار عليه مثل الطاق , وحصل منه فى مثل السرب معجزة لموسى أو للخضر عليهما السلام . الكشاف 2/684
(1) أخرجه البخارى من حديث أبى بن كعب – كتاب التفسير – باب ( وإذ قال لموسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقباً ) – ح ( 4540) – 8/270,269
(1) ولقد جاء هذا الحديث فى رواية أخرى عند البخارى من حديث أبى بن كعب فى كتاب التفسير مع اختلاف فى بعض أجزائه – باب قوله تعالى ( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله فى البحر سرباً ) ح (4541) – 8/272,271
(2) البعث : بمعنى المبعوث الموجه إليها , ومعناه ميز أهل النار من غيرهم . صحيح مسلم بشرح النووى 3/97
(3) أخرجه البخارى من حديث أبى سعيد – كتاب التفسير – باب ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ... ) – ح ( 4556) – 8/305, وأخرجه مسلم – باب بيان كون هذه الأمة نصف الجنة – 3/98,97, وفى رواية لمسلم " إن مثلكم فى الأمم كمثل الشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود أو كالر قمة فى ذراع الحمار " 3/98
(1) أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة – كتاب تفسير القرآن – باب ( ولا تخزنى يوم يبعثون ) – ح ( 4584) – 8/368
(2) وذلك أن الحوار مظهر بارز للعملية القصصية , وجانب حيوى من بناء القصة الفنى , والحوار أسلوب مهم من أساليب بناء الشخصية فى القصة بحيث نستطيع أن نشاهد هذه الشخصية وهى تتحدث فى حوار مع الآخرين معبرة عن نفسها وعن أفكارها . وأهمية الحوار تأتى من أن القصة فى الأساس عملية سردية تتبع فيها الأحداث بطريقة سردية رتيبة ولكى لا تبدو هذه الرتابة بصورة مملة فإن القصة تلجأ إلى الحوار لإعطاء هذا السرد نوعاً من الحيوية والإثارة حتى تستطيع القصة أن تشد المستمع إليها , وتحمله على المتابعة المستمرة . ينظر القصص فى الحديث النبوى ص 313,312
(3) ولقد ذكر الدكتور / حسن الزير أن عدد الأحاديث المشتملة على الحوار اثنتان وسبعون قصة . السابق ص 313
(4) أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة – كتاب تفسير القرآن – باب قوله تعالى : ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) – ح ( 4553) – 8/297
(5) ذكر ابن حجر احتمال وقوع ذلك فى الدارين , وأما ما ذكره البخارى من أن ذلك عند الله فقد لمح بذلك بما وقع فى بعض طرق الحديث , وهو ما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبى هريرة بلفظ " احـتج آدم وموسـى عند ربهـما " الحديث . فتح البارى 11/514
(1) وحديث الشفاعة أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة – كتاب تفسير القرآن – باب ( ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً ) – ح ( 4527) – 8/256,255, وأخرجه مسلم – باب الشفاعة – 3/65
(2) متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدرى . أخرجه البخارى – باب ما ذكر عن بنى إسرائيل , وأخرجه مسلم – كتاب التوبة – باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله . وروا ية الحديث عند مسلم تختلف عن الرواية المذكورة فى بعض أجزائها . والحديث فى مشكاة المصابيح , وقد أخرجه أحمد وابن ماجة أيضاً – ح ( 2327) 5/104
(3) وقد أخرج مسلم هذه القصة بطولها فى صحيحه من حديث صهيب – باب قصة أصحاب الأخدود , والساحر والراهب , والغلام .
(4) ومن ذلك حديث " إنى لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها , وآخرأهل الجنة دخولأ ... " الحديث . وقد أخرجه البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجة .
(5) والقصة التمثيلية نوع من القصص النبوى يضربه النبى صلى الله عليه وسلم مثالاً للفكرة المطروحة أو القضية المقررة بصرف النظر عن كون هذا المثال قد وقع فعلاً من الناحية التاريخية أولم يقع . ومن ذك : قصة " فاقد الراحلة " فى قصة تمثيلية ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم لتوضيح الفكرة التى عرضها فى مقدمة القصة , وذك حين قرر فى مطلع القصة أن الله تبارك وتعالى شديد الفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه , وفرح الله أشد من أى فرح . وهذه القصة هى الوحيدة من القصص التمثيلية الثمان التى وجد فى إحدى رواياتها أن لها أصلاً من الواقع , وهى رواية الدارمى , وجاء فيها " سافر رجل من أرض تنوفة , فقال تحت شجرة , ومعه راحلته عليها شرابه وطعامه ... إلخ . أما بقية الوايات وهى رواية مسلم والترمذى والمسند فتعرض القصة بصورة لا توحى بأنها قصة ذات أصل واقعى كما أنه من الملاحظ أيضاً أنها تحمل ما ينفى أنها وقعت تاريخياً . أما القصص السبع الأخرى فتشترك كلها فى سمة واحدة , وذلك أنها تحمل فى صدرها ما يدل صراحة أنها من قبيل التمثيل , فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول فى مطلع كل قصة من هذه القصص وهو يطرح الفكرة الذهنية : " مثل كذا كمثل كذا " , وهذا يعنى أنه ينشئ هذه القصة ابتداءً ليعرض من خلالها الفكرة فى صورة مجسمة . ولمزيد من التفصيل انظر القصص فى الحديث النبوى ص 345,344

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق