الجمعة، 10 أبريل 2009

القصر وأسراره وطرقه :

تعريفه :
عرف أهل اللغة القصر بالحبس :
وفى الاصطلاح: "تخصيص شئ بشئ بطريق معهود، والشئ الأول: هو المقصور. والثانى: هو المقصور عليه.
والطريق المعهود هو طرق القصر المعروفة من العطف والنفى والاستثناء، وإنما، والتقديم.

أغراضه :
من أهم أغراض القصر
-"الايجاز"، فالجملة الواحدة تتضمن حكمين. أحدهما: إثبات، والآخر: نفى. كما فى قوله تعالى: ) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( (1). فلقد تضمنت إثبات العبادة لله ونفيها عمن سواه.
-تمكين المعنى وتقريره فى الذهن، وذلك إذا استدعاه المقام كأن يكون المخاطب منكراً أو منزلاً منزلة المنكر، فالأول: كقوله تعالى: )…. إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ …( (2). والثانى: كقوله تعالى: )… إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ( (3).
-المبالغة: وأكثر ما تكون فى القصر الادعائى حيث ينزل المتكلم ما عدا المقصور عليه منزلة المعدوم مبالغة فى اقتصار المقصور بالمقصور عليه كقولك: "لا عالم فى النحو إلا سيبوية، ولا بالبلاغة إلا عبد القاهر" مع أن المشتغلين بالنحو والبلاغة كثيرون إلا أنك ادعيت أن من عدا سيبويه فى النحو، وعبد القاهر فى البلاغة لا يعتد بهم بالقياس إليهما مبالغة فى كمال هاتين الصفتين بهما.

-التعريض: وذلك حينما يستعمل أسلوب القصر فى حكم معلوم للمخاطب؟، فلا يكون الغرض إفادة المخاطب حكماً يجهله، وإنما يكون الغرض التعريض بمعنى آخر يفهم من السياق والمقام
كقوله تعالى: )... إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ( (4)
فمعلوم أن التذكر خاص بذوى العقول إلا أن فيه تعريضاً بالكفار الذين لم يتدبروا أمر الرسالة ويؤمنون بما نزل على محمد بأنهم لا لب لهم ولا عقل.

أقسام القصر :
هناك أقسام كثيرة للقصر، وألخصها فى قسمين :
أحدهما: باعتبار عموم النفى أو خصوصه: ويشمل الحقيقى والإضافى "غير الحقيقى".
فالحقيقى: أن يختص فيه لمقصور بالمقصور عليه ولا يتعداه إلى غيره مطلقاً، فيكون النفى فيه عاماً لكل ما عدا المقصور عليه كقوله تعالى: ) وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ...((2).
ولقد نظر البلاغيون إلى تخصيص الشئ بالشئ من حيث المطابقة للواقع، أو بناؤه على المبالغة، فنتج من هذه النظرة ضربان من القصر هما: التحقيقى والادعائى.
فالتحقيقى: ما كان فى الحقيقة والواقع بأن تطابق النسبة الكلامية النسبة الخارجية مطابقة تامة كما فى الآية السابقة.
والادعائى: هو القصر المبنى على المبالغة أو القصر المجازى كما يسمى فى دراسة بلاغة القرآن تحاشياً من وصف آى القرآن بالادعاء والمبالغة، وهذا القصر لا يقوم على المطابقة الحقيقية للواقع، فالنسبة الكلامية لا تطابقها النسبة الخارجية مطابقة دقيقة لأن فيها فضل تزيد ومبالغة، تقول: "لم يتكلم فى هذه المسألة إلا زيد" فتثبت له الكلام وتنفيه عن كل ما عداه والواقع أنه تكلم فيها غير زيد ولكنك لم تعتد بما قالوه استسقاطاً لكلامهم واستعظاماً لكلام زيد، وكأن ما قاله الآخرون ليس شيئاً بالنسبة لما قاله زيد"(3).
الإضافى: أن يختص المقصور بالمقصور عليه بالنسبة إلى شئ آخر معين أى بالإضافة إليه بأن لا يتجاوز المقصود المقصور عليه إلى ذلك الشئ المعين وإن أمكن أن يتجاوزه إلى غيره(4), وقسمه البلاغيون إلى ثلاثة أقسام: إفراد، وقلب، وتعيين، فالإفراد: ما يخاطب به يعتقد الشركة أى الاشتراك فى الحكم.
والقلب: ما يخاطب به يعتقد العكس أى عكس الحكم الذى أثبته والتعيين: ما يخاطب به من تردد بين أمرين وتساويا عنده ومثال الأقسام الثلاثة قولك: "ما شاعر إلا زيد".
الثانى: تقسيمه باعتبار الطرفين: وينقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين: قصرَ صفة على موصوف، وقصر موصوف على صفة.
1- فقصر الصفة على الموصوف: ألا تتجاوز الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر أصلاً – إذا كان القصر حقيقياً – أو إلى موصوف آخر معين إذا كان إضافياً.
2- قصر الموصوف على الصفة: ألا يتجاوز الموصوف "تلك الصفة إلى صفة أخرى – إذا كان قصراً حقيقيا – أو إلى صفة أخرى معنية إذا كان قصر إضافياً.
طرق القصر :

ذكر البلاغيون من طرق القصر(1): العطف بـ بل، ولا، ولكن، والنفى والاستثناء، وإنما، والتقديم، وتعريف المسند وضمير الفصل.
1- العطف بـ "بل ولا ولكن" وكل منهما يفيد أن حكم المعطوف بها يغاير المعطوف عليه، بأن يكون متعاطفاها مختلفين إيجاباً وسلباً، فإذا كان العطف بـ "لا" أفاد النفى بعد الإثبات كقولك: "محمد خاتم الأنبياء لا غيره، وإذا كان العطف بـ "بل ولكن" أفاد الإثبات بعد النفى كقولك: "ما زيد كاتب بل شاعر".
2- النفى والاستثناء: كقولك فى قصر الموصوف على الصفة إفراداً وقلباً: "ما زيد إلا شاعر"، فإذا كان لنفى كونه كاتباً كان قصر إفراد، وإذا كان لنفى أنه مفحم كان قصر قلب.
3- إنما: وجمهور البلاغيين على أنها تفيد القصر لتضمنها معنى "ما، وإلا" كقوله تعالى: ) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ... ((2). بالنصب أى ما حرم عليكم إلا الميتة(3). وتأتى "إنما" فى القصر بقسميه الحقيقى والإضافى، وموقع المقصور عليها معها هو المؤخر دائماً.
4- التقديم: والتقديم الذى يفيد القصر عند البلاغيين تقديم ما حقه التأخير كتقديم الخبر على المبتدأ، والمعمول على العامل.
5- تعريف المسند وضمير الفصل: وهما طريقان من طرق القصر لهما أثر فى أساليبه وبلاغته كقولك "محمد هو الشاعر"، فمجئ "هو" بعد قولك "محمد" أفاد أنك تقصد إلى تحديده وتمييزه وتخصيصه قبل أن تخبر عنه، وهذا لا يكون إلا إذا كنت حريصاً على ألا يشاركه غيره فى هذا الخبر، وكذلك يتولد معنى القصر فى قولك: "محمد الكاتب" من شئ خفى ولطيف ليس هو فى متن الكلمة وإنما فى حافتها، وذلك لأن التعريف بـ "لام الجنس" يفيد الجنسية، فالكاتب فالكاتب يفيد جنس الكاتب فهذه الأداة قد أفرغت على الكلمة هذا العموم الواسع فصار زيد كاتب فليس كاتب سواه، وهذا هو معنى القصر (4).

(1) الآية (5) من سورة الفاتحة.
(2) الآية (171) من سورة النساء.
(3) الآية (7) من سورة الرعد.
(4) من الآية (19) من سورة الرعد.
(2) من الآية (59) من سورة الأنعام.
(3) ينظر المطول ص204، ودلالات التراكيب ص46.
(4) ينظر فصول من علم المعانى ص31.
(1) ذكر السيوطى أن الطرق لتى تفيد القصر أربعة عشر طريقاً منها: ضمير الفصل، وتقديم المسند وذكر المسند إلأيه، وتعريفه الخ. ينظر الاتقان 3/135 – 140.
(2) من الآية (173) من سورة البقرة.
(3) ينظر الإيضاح 2/12.
(4) ينظر دلالات التراكيب ص92 ، 93.

هناك تعليق واحد:

  1. اريد مثال من القران الكريم فيه القصر بانما مو صوف على صفه حقيقي

    ردحذف