الخميس، 9 أبريل 2009

الفصل الرابع : التصوير وضرب الأمثال

أولاً :المعنى اللغوى للتمثيل وتطوره: " كلمة " مثل " من المثول : وهو الانتصاب , والممثل : المصور على مثال غيره . يقال : مثل الشئ إذا انتصب وتصور , ومنه الحديث " من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار " ([1] ) , والتمثال : المصور , وقالوا : الماثل من الأضداد يكون للمنتصب واللاطئ بالأرض " ([2] ) فأصله الأول ما ذكر ثم استعمل بمعنى النظير , ويقال : مَثل بفتحتين , ومثل بكسر فسكون , ومثيل كقتيل بمعنى , وقال الميدانى : سمع فعل وفعل وفعيل بمعنى فى ثلاثة أحرف : شبه , ومثل , وبدل لا غير , وقد يكون بمعنى الصفة . واستعمل فى القول السائرالممثل مضربه بمورده , والمراد بالسائر الشائع المشهور على الألسنة , وهو مجاز مشهور فيه صار كالحقيقة , وحقـيقته قطع المـسافة , فشبه تداول الألسنة بتنقل الأمكنة . والمضرب : بفتح الميم وكسر الراء , ويجوز فتحها اسم مكان , والمراد به الموضع الذى استعمل فيه بعد استعمال قائله الأول . والمورد بالكسر لا غير : الموضع الذى ورد فيه , أى أول استعمالاته فيه , وسيأتى أن له معنى آخر وهو المعنى الوضعى ... , والمثل : هو المجاز المركب والاستعارةالتمثيلية الشائعة فى الاستعمال , فلا تسمى الاستعارة المركبة أو مطلقاً , ولا التشبيه مطلقاً , ولا معنى اللفظ الحقيقى مثلاً عندهم على ما قرره شراح التلخيص والمفتاح , وكافة أهل المعانى , واتفقت كلمة الشروح عليه هنا أيضاً , وهذا إذا سلم وأخذ على ظاهره لا غبار عليه . وأمثال العرب أفردها المتقدمون بالتأليف ([3] ) , ولقد ذكر النظام أن المثل تجتمع فيه أربعة أمور لا تجتمع فى غيره : إيجاز اللفظ , وإصابة المـعنى , وحـسن التشبيه , وجودة الكناية , فهو نهاية البلاغة . فالحاصل أنه يشترط فى المثل أن يكون كلاماً بليغاً مشهوراً لحسنه أولاً لاشتماله على حكمة بالغة (4)
ثانياً : أهمية التمثيل وأثره فى توضيح المعانى: لا شك أن التمثيل له أكبر الأثر فى التعليم والتوضيح والتوجيه, وفى تصـوير الأمور العـقلية فى صورة حـسية , وهذا مما يسـاعد على ترسيخ المعانى وتثبيتها فى النفوس , وسيأتى بمشيئة الله بعد ذلك بيان أسباب تأثير التمثيل .
وعن أهمية ضرب الأمثال يقول الزمخشرى : " ولضرب العرب الأمثال , واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفى فى إبراز خبيات المعانى , ورفع الأستار عن الحقائق حتى تريك المتخيل فى صورة المتحقق , والمتوهم فى معرض المتيقن , والغائب كأنه مشاهد وفيه تبكيت للخصم الألد , وقمع لسورة الجامح الأبى , ولأمر ما أكثر الله فى كتابه المبين وفى سائر كتبه أمثاله , وفشت فى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الأنبياء والحكماء قال تعالى : ( وتلك الأمـثال نضربها للنـاس وما يعقلها إلا العالمون ) ( العنكبوت : 43) , ومن سور الإنجيل سورة الأمثال . والمثل فى كلامـهم بمـعنى : المثل وهو النظير . يقال : مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه , ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده : مثل . ولم يضربوا مثلاً ولا رأوه أهلاً للتسيير والتداول والقبول إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه , ومن ثم حوفظ عليه وحمى من التغيير " ([4] ) , والأمثال بما فيها من حكمة وبلاغة وتشبيه وتصوير إنما يقصد منها الاعتبار والاستدلال بالنظير على النظير و فى ذلك يقول ابن القيم : " قالوا : قد ضرب الله سبحانه الأمثال وصرفها قدراً وشرعاً , ويقظة ومناماً ودل عباده على الاعتبار بذلك , وعبورهم من الشئ إلى نظيره , واستدلالهم بالنظير على النظير , بل هذا أهل عبارة الرؤيا التى هى جزء من أجزاء النبوة , ونوع من أنواع الوحى فإنها مبنية على القياس والتمثيل واعتبار المعقول بالمحسوس " ([5] )

ثالثاً : عناية النبى صلى الله عليه وسلم بالتمثيل والتصوير : استعان النبى صلى الله عليه وسلم فى قيامه بمهمة التبليغ التى كلفه الله بها بشتى أساليب الإيضاح والتعليم , وفى الذروة من تلك الأساليب يأتى أسلوب " ضرب الأمثال " , وضرب الأمثال فى البيان النبوى لم يأتِ لغاية فنية بحتة كغاية الأدباء فى تزيين الكلام وتحسينه , وإنما جاء لهدف أسمى , وهو إبراز المعانى فى صورة مجسمة لتوضيح الغامض , وتقريب البعيد , وإظهار المعقول فى صورة المحسوس , كما أن ضرب الأمثال أسلوب من أساليب التربية يحث النفوس على فعل الخير , ويحضها على البر , ويدفعها إلى الفضيلة , ويمنعها عن المعصية والإثم , وهو فى نفس الوقت يربى العقل على التفكير الصحيح , والقياس المنطقى السليم , لأجل ذلك ضرب النبى طائفة من الأمثال فى قضايا مختلفة , وفى مواطن متعددة . ولما كان الهدف من ضرب الأمثال هو إدراك المعانى الذهنية المجردة وتقريبها من العقل , وتكوين صورة لهذا المعنى فى المخيلة ليكون التأثير بتلك الصورة أشد وأقوى من الأفكار المجردة كثر الاعتماد على هذا الأسلوب فى القرآن . قال تعالى : ( ولقد ضربنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ) ( الزمر : 27) حتى ضربت فيه الأمثال ببعض الأشـياء التافهة كما فى قوله تعالى : ( إن الله لا يستحى أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ... ) ( البقرة : 26) والرسول كان يمر بآيات الأمثال المضروبة للناس ويجد أثرها فى الرد والتحدى , والترغيب والترهيب , وكان يعرف دور المثل ومكانته عند قومه , فلا غرابة إذاً أن يحظى المثل باهتمامه صلى الله عليه وسلم ما دام وسيلة من الوسائل التى تعينه على أداء هذه المهمة .
والمتأمل فى الأمثال النبوية يجد التنويع صفة ظاهرة فيها , فقد نوع رسول فى الممثل , وضارب المثل نفسه , فتارة يسند ضرب المثل إلى نفسه كما فى حديث البخارى الذى مثل فيه لحاله مع الانبياء قبله ([6] ) , وتارة يسند ضرب المثل إلى الله ([7] ) , وتارة يسند ضرب المثل للملائكة ([8] ) كما فى حديث البخارى فى قصة الملائكة الذين جاءوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو نائم , والشاهد فيه أنهم قالوا : " إن لصاحبكم هذا مثلاً , فاضربوا له مثلاً و فضـربوا مثلاً لحـاله مع أمته , ونوع كذلك فى موضـوع المثل والغرض الذى سـيق لأجــله ,
فضرب المثل فى موضوعات متعددة ولأغراض شتى من أمور العقـيدة , والعبادة , والأخلاق , والزهد , والعلم , والدعوة , وفضائل الأعمال , والترغيب والترهيب , وغير ذلك . ونوع كذلك فى أسلوب العرض وطريقة ضرب المثل , فاتخذ لضربه طرقاً متعددة , وأساليب مختلفة , وسلك فى ذلك كل ما من شأنه إيضاح المراد وإبرازه ماثلاً أمام الأعين , فمن ذلك استخدامه للإشارة التى تلفت أنظار السامعين , وتعينهم على الفهم , وفيها يشترك أكثر من حاسة فى العملية التعليمية , فالناظر يرى الإشارة ويسمع العبارة, فيكون ذلك أدعى للتذكر كما فى البخارى فى حديث الإشارة بالإصبع إلى قرب الساعة , ومن ذلك استعانته بالرسم التوضيحى كوسيلة من وسائل التعليم والإيضاح عندما تحدث عن قضية اتباع سبيل الله وصراطه المستقيم , والتحذير من سبل الشيطان الأخرى .
وقد حرص النبى صلى الله عليه وسلم على ضرب المثل فى الأحداث والمواقف المتعددة لأهداف تربوية , ففى بعض المواقف كان يكفيه صلى الله عليه وسلم أن يرد رداً مباشراً لكنه آثر ضرب المثل لما يحمله من توجيه تربوى , وسرعة فى إيصال المعنى المراد , وقد لا يؤدى غيره دوره فى هذا المقام , فيراه الصحابة مرة نائماً على حصير وقد أثر فى جنبه فيقولون له : يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاءً , فيقول : " مالى وللدنيا ؟ , ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " ([9] ) و حتى المشاهد التى تمر فى حياة الناس فلا يلتفتون إليها , ولا يلقون لها بالاً يجد الرسول فيها أداة مناسبة للتوجيه والتعليم , وضرب الأمثال بها , يمر ومعه الصحابة على سخلة منبوذة فيقول لهم : " أترون هذه هانت على أهلها ؟ فيقولون : يا رسول الله من هوانها على أهلها ألقوها , فيقول : " فوالذى نفسى بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها " ([10] ) .
وبعد هذه المقدمة الموجزة حول معنى المثل وتطوره , وأثره فى توضيح المعانى , وبيان عناية البيان النبوى بالتمثيل والتصوير أنتقل إلى المعين الصافى , والمنهل العذب المورود لنقف على روائع التمثيل النبوى , ومدى دقة التصوير فيه , والسر فى براعته وجماله فى كل موضع جاء فيه . ولنأخذ مثلاً لأثر الصلاة فى محو الذنوب والخطايا , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً , هل يبقى من درنه شئ ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شئ . قال : " فذلك مثل الصلوات الخمس , يمحو الله بهن الخطايا " ([11] )
ما أروع هذا التمثيل , وما أقربه من الواقع , إن النبى صلى الله عليه وسلم يتحدث عن أثر الصلاة فى محو الذنوب , وأراد أن يوضح ما تتركه الصلاة من أثر فى عمل الإنسان , وما ينتج عنها من مغفرة , فأخذ صورة من الواقع , وهى صورة النهر الجارى أمام بيت المرء وهو يغتسل فى هذا النهر خمس مرات كل يوم , إن التصوير هنا جاء بماء النهر فى عذوبته وجريانه وصفائه , فهو ماء متجدد يغتسل فيه المرء , فإذا اغتسل الإنسان بهذا الماء العذب الصافى المتجدد لا يبقى من أثر الأوساخ فى بدنه شئ , ومن هنا ذكر ماء النهر دون غيره نظراً لعذوبته ونقائه , فالماء المالح إذ اغتسل به الإنسان قد يترك فى جسمه آثاراً بسبب ملوحته , أما هذا الماء العذب فكله منافع ولا ضرر فيه بحال من الأحوال , فهو للشرب والاغتسال وسائر وجوه الانتفاع . وكذلك الصلوات الخمس تمحو الخطايا والذنوب , والربط هنا ما بين الصورة الحسية , وهى الاغتسال للطهارة والنظافة , والصورة المعنوية , وهى الطهارة من الذنوب والآثام الحاصلة بالصلاة مما أكسب التمثيل جمالاً وواقعية وبهاءً . والصورة هنا صورة مركبة , فالتمثيل ضرب من ضروب التشبيه ,فالتشبيه عام والتمثيل أخص منه , فكل تمثيل تشبيه , وليس كل تشبيه تمثيلاً([12] ) , وقد سلك النبى صلى الله عليه وسلم سبيل التمثيل هنا لأن التمثيل يكسو المعانى أبهة , ويكسبها منقبة , ويرفع من أقدارها , ويشب من نارها , ويستثير لها من أقاصى الأفئدة صبابة وكلفاً , ومحبة وشغفاً , ولأن للتمثيل من الأثر فى توضيح المعقول بالمحسوس ما سبق ذكره .
ومن روائع التصوير والتمثيل : قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما مثلى ومثل ما بعثنى الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال : يا قوم إنى رأيت الجيش بعينى , وإنى أنا النذير العريان , فالنجاء النجاء . فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا . وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم , فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم . فذلك مثل من أطاعنى فاتبع ما جئت به , ومن عصانى , وكذب ما جئت به من الحق " ([13] )

فى هذا الحديث صور النبى لذاته وبعثته بصورة من الواقع يضرب بها الناس المـثل لشدة الأمر , فالنبى صلى الله عليه وسلم بعث فى وقت كانت فيه البشرية غارقة فى أوحال الكفر والإلحاد , والشرك ضارب بأطنابه فى شبه الجزيرة العربية خاصة , وفى أنـحاء الأرض عامة , فرسالته من الأهمية بمكان لإنقاذ البشرية من العذاب والهلاك فى الدنيا والآخرة , ولشدة الامر , وبيان مكانة رسالته صلى الله عليه وسلم ضرب المثل بصورة يعرفها الناس من واقعهم , وهى صورة " النذير العريان " . والنذير العريان مثل سائر يضرب لشدة الأمر ودنو المحذور وبراءة المحذر من التهمة ([14] ) وقد أكمل الصورة بقوله :" فالنجاء النجاء " بالمد ([15] ) أى انجوا النجاء أو على الإغراء , ثم بين من خلال هذه اللوحة التصويرية موقف الناس إزاء هذا النذير العريان . هل صدقوه أم كذبوه ؟ لقد صدقته طائفة وأطاعته , وساروا فى آخر الليل على مهل فى سكون وطـمأنينة نفس , واستقرار روحى , وسعادة فى الآخرة , ونجاة من العذاب , وذلك حيـث يقول تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون ) ( الأنعام : 82) , إن تصوير نجاتهم من العدو بسيرهم فى هدأة الليل فيما يبدو لى يصور خروج الناس من بيداء الجاهلية وظلامها إلى نور الهدى والرشاد , وهذا السير إنما كان على مهل , وكذلك النبى صلى الله عليه وسلم أخرجهم من الضلال إلى الهدى فى رفق ولين , ومكث ثلاث عشرة سنة يربى ويعلم, ويوجه ويرشد فما ضاق ذرعاً , أو يئس من هدايتهم !
أما من كذبوا النذير , واستهانوا بتحذيره فقد جاءهم الجيش واجتاحهم فى الصباح فأهلكهم , وهنا ملحظ فى قوله : " فى الصباح " فالنذير قد جاءهم فى اليوم الذى قبل يوم هلاكهم , ثم صبحهم الجيش فما أقصر الوقت بين الإنذار والإهلاك , وكذلك بالنسبة لدعوته صلى الله عليه وسلم ما أقربها من الساعة ,وما أقصر عمر الإنسان ,فإذا كان من أنكر على النذير واستهزأ بتحذيره قد صبحه الجيش وأهلكه بعد ساعات , فكذلك حال من عصى الرسول وكذب بدعوته هلاكه قريب بدنو أجله. ثم بين النبى صلى الله عليه وسلم أن هذا مثل من أطاعه وصدق برسالته وبما جاء به واتبعه على الهدى , ومثل من كذب به وعصاه وسلك طريق الضلال والردى. ومن الأسرار البلاغية الأخرى فى هـذا الـحديث غير التـمثيل : فى قوله : " أنا الـنذير ... " إلخ أنواع من التأكيد : أحدها : قوله " بعينى " فالرؤية لا تكون إلا بالعين , وفى ذكرالعينين أشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام قد تحقق عنده جميع ما أخبر به تحقق من رأى الشئ بعينيه لا يعتريه وهم , ولا يخالطه شك . ثانيها : قوله : " إنى , وأنا " , وثالثها : " العريان " فإنه دل على بلوغ النهاية فى قرب العدو , وفى ذلك تنبيه على أنه الذى يختص فى إنذاره بالصدق والذى لا شبهة فيه , وهو الذى يحرص جداً على خلاص قومه من الهلاك , وقال فى القرينة الأولى : " فأطاعنى " , وقابله فى الثانية " يكذب " ليؤذن بأن الإطاعة مسبوقة بالتصديق , ويشعر بأن التكذيب مستتبع للعصيان كأنه جمع فى كل من الفقرتين بين المعنيين , وإلى المعنيين أشار بقوله : " من أطاعنى " إلخ , وأتبع قوله " اجتاحهم " قوله " أهلكهم " إعلاماً بأنه أهلكهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد " ([16] )
ومن روائع التمثيل : قوله صلى الله عليه وسلم : " مثلى كمثل رجل استوقد ناراً , فلما أضاءت ما حولها و جعل الفراش وهذه الدواب التى تقع فى النار يقعن فيها , وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها , فأنا آخذ بحجزكم عن النار , وأنتم تقحمون فيها " هذه رواية البخارى , ولمسلم نحوها , وقال فى آخرها : " فذلك مثلى ومثلكم , أنا آخذ بحجزكم عن النار : هلم عن النار , هلم عن النار , فتغلبونى تقحمون فيها " ([17] ) وهذا الحديث فيه معنى الحديث السابق , ولكن التصوير والتمثيل فيه مختلف , فالصورة السابقة كانت للنذير العريان مع قومه , ومنهم من أطاعه وصدقه فكتبت له النجاة ,ومنهم من عصاه وكذبه فكتب عليه الهلاك , أما هنا فالصورة صورة الرجل الذى استوقد ناراً , أى أوقدها . وعبر هنا بـ " اسـتوقد " لأنه أبلغ , ويقـصد بهذه النار التى عبر عنها بالإضـاءة وهى فرط الإنـارة ([18] ) مـا أظهره من حدود الله ببياناته الشافية من الكتاب والسنة , وقد انتشر هذا البيان فى مشارق الأرض ومغاربها , وهو ما عبر عنه بالإضاءة التى هى فرط الإنارة , ولكن الناس فى جهلهم وضلالهم وغفلتهم وانصرافهم عن هذا النور كهذا الفراش المتهافت على النار مع أن النار فيها هلاكه . فهؤلاء المعرضون عن الحق حولوا هذه النار , وهذا الضوء الذى مثل به لحدود الله وكتابه وسننه حولوه إلى سبب لهلاكهم بدلاً من أن يكون سـبباً لنجاتهم , فهذه البيانات من الله ورسوله الهدف منها هدايتهم وإرشـادهم ,ولكنهم بجهـلهم جعلوها سبباً لهلاكهم , ولما كان المستوقد غرضه من فعله انتـفاع الخلق به من الاهتداء ,والاسـتدفاء وغير ذلك ,والفراش بجهلها جعلته سبباً لهلاكها , كذلك كان القصد بتلك البيانات اهتداء الأمة واحتماءها عما هو سبب هلاكهم , وهم مع ذلك جعلوها موجبة لترديهم . وما أروع الاستعارة فى قوله صلى الله عليه وسلم : " فأنا آخذ بحجزكم " فلقد مثل لحاله فى منعه لأمته من الهلاك بحال رجل آخذ بحجزة صاحبه الذى أوشك أن يهوى فى قعر بئر مردية " وفهم هذا التشبيه موقوف على معرفة معنى قوله تعالى : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) ( البقرة : 229) , وذلك أن حدود الله هى محارمه ونواهيه كما ورد فى الصحيح " ألا إن حـمى الله مـحارمه " , ورأس المحـارم حب الدنيا وزينـتها , واسـتيفاء لذاتها وشهواتها " ([19] ) وما أدق التعبير النبوى فى قوله : " جعل الفراش وهذه الدواب " فلقد أراد بذلك تحقير شأنها , وتخصيص ذكر الدواب والفراش لا تسمى دواب فى العرف لبيان جهلها كقوله تعالى : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) ( الأنفال : 22), وكل ذلك تعريض لطالب الدنيا المتهالك فيها , والتعبير بــ " الفراش والدواب " يناسبه قوله " تقحمون فيها " لأن التقحم : هو الإقدام والوقوع فى الأمور الشاقة من غير تثبت " ([20] )
ويلاحظ على هذا التمثيل النبوى والذى قبله أنه تمثيل دقيق نابع من البيئة , ويلاحظ أن ألفاظه معبرة أدق تعبير عن الصورة المقصودة , فكل لفظة فيه تناسب المعنى وتخدم المشهد المعروض لنصل من خلالها إلى لوحة تصويرية متناسبة الأجزاء كأننا نشاهدها رأى العين و وهذا التمثيل النبوى فيه نظر إلى القرآن كما سبق .

ومن روائع التمثيل النبوى قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة , إن عاهد عليها أمسكها , وإن أطلقها ذهبت " ([21] ) وهذا الحديث كسابقه فى تلاحم أجزائه, وروعة التصوير فيه , فالنبى صلى الله عليه وسلم مثل لحال من يتعاهد القرآن , ويحافظ على تلاوته ويحذر من نسيانه بصاحب الإبل المشدودة بالعقال ([22] )
وهو الحبل الذى يشد فى ركبة البعير , وفى التعبير عن ذلك بــ "الصاحب" مع الإضافة إلى القرآن سر بلاغى ؛ لأن المقصود من المصاحبة هنا : المؤالفة ([23] ) , وهذه المؤالفة إنما تكون بالمداومة على قراءة القرآن , والنظر فى المصحف , والعيش فى رياض كتاب الله , والعمل به , وهذا هو المقصود من المصاحبة , فليس مجرد التلاوة باللسان عن ظهر قلب , بل المقصود أن هذا التالى الذى أضيف إليه القرآن وثبتت له مصاحبته أن يكون القرآن جليسه وأنيسه , ونظام حياته , كذلك صاحب الإبل المعقلة مداوم على مصاحبة إبله فى حضره وسفره , " وخص الإبل بالذكر هنا لأنها من أشد الحيوان الإنسى نفوراً , وفى تحصيلها بعد نفورها صعوبة " ([24] )
ويبدو لى فى تخصيص الإبل بالذكر هنا سر آخر , وهو ما كانت تمثله الإبل من مكانة فى حياة العربى , فلقد كان يحمل عليه زاده فى سفره , وتحمله , ويصحبها فى المراعى حضراً وسفراً , فهى جزء من حياته , ولذك فهو يحرص على عقلها خشية ضياعها , وكذلك صاحب
القرآن يتعاهده لأنه جزء من حياته , وذلك خشية نسيانه , فإذا كان التعاهد موجوداً فالحفظ موجود , كما أن البعير ما دام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ . ومن روائع التمثيل النبوى : قوله صلى الله عليه وسلم : " مثل الذى يذكر ربه والذى لا يذكر مثل الحى والميت " ([25] ) وما أدق التمثيل هنا حيث شبه الذاكر لله بالحى . والمقصود بالذكر هنا ذكر اللسان بالتسبيح والتحميد والتتهليل وغير ذلك , وذكرالقلب بالاستسلام والتفكر والخضوع , والاستحضار لعظمة الله فى النفس , وذكر الجوارح بالانقــياد والخشوع فمن كان هذا حاله فـهو من الأحيـاء , أما من لا يذكر الله فهو قلباً وقالباً من الأموات معنى وإن كان بين الأحياء صورة . فالحياة الحقيقية إنما هى للذاكرين , وهى حياة روحية ومادية والموت الروحى إنما هو لغير الذاكرين . وحول التمثيل فى الحديث يقول الطيبى : " شبه الذاكر بالحى الذى تزين ظاهره بنور الحياة وإشراقها فيه , وبالتصرف التام فيما يريد , وباطنه بنور العلم والفهم والإدراك , كذلك الذاكر مزين ظاهره بنور العمل والطاعة , وباطنه بنور العلم والمعرفة , فقلبه مستقر فى حظيرة القدس وسره فى مخـدع الوصل , وغير الـذاكر عاطل باطنه وباطل ظاهره " ([26] ) وهنا وضع الذاكر بين الأحياء لأنه أحيا روحه بذكر الله وطاعته , وما قدمه من عمل يقوده إلى الحياة الدائمة فى الآخرة , فلقد فهم حكمة الخالق فى الخلق والحياة . أما الثانى فبغفلته وانصرافه عن ذكر الله فكأنه ميت وإن كان يسير بين الأحياء , فلا ذكر له , ولا وجود له , " وفى هذا الحديث ندب إلى ذكر الله تعالى , وأن طول العمر فى الطاعة فضيلة , وإن كان الميت ينتقل إلى خير لأن الحى يستلحق به , ويزيد عليه بما يفعله من الطاعات " ([27] ) , ولقد قيل : إن موقع التشبيه بالحى والميت لما فى الحى من النفع لمن يواليه , والضر لمن يعاديه وليس ذلك فى الميت " ([28] ) ومن التمثيل النـبوى الذى يدعو إلى الإنفاق فى سـبيل الله : قوله صـلى الله علـيه وسـلم : " مثل الذى يتصدق عند موته أويعتق كالذى يهدى إذا شبع " ([29] ) والتشبيه هنا موجه إلى طائفة من الناس لم يبذلوا الصدقة فى أوانها , وأخروها عن وقتها حرصـاً منهم على مصلحتهم , وتقديماً لأنفسهم على المحتاجين , وهو مسلك معيب لأن الدين أمر بالإيثار , وإنما يحمد الإنفاق إذا كان عن إيثار للمحتاج , وذلك كما فى قوله تعالى : (... ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة...) ( الحشر : 9) فهؤلاء بتأخيرهم للصدقة عن أوانها يشبهون من تفرد بالأكل , واستأثر به لنفسه ثم إذا شبع يؤثره على غيره . وما أحسن موقع الفعل " يهدى " فى هذا المقام ودلالته على الاستهزاء بالمهدى .
ومن روائع التمثيل : قوله صلى الله عليه وسلم : " إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية , فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له , ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة ,وأنا خاتم المرسلين " ([30] ) , وفى رواية : " مثـلى ومثل الانبياء كمـثل رجل بنى داراً فأكمـلها وأحـسنها إلا موضـع لبـنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون : لولا موضع اللبنة " ([31] ) فى هذا الحديث نحن أمام وصف وتصوير يهدف إلى بيان أهمية رسالة النبى صلى الله عليه وسلم ومكانتها بين رسالات السابقين من الأنبياء , وبيان أن دعوة الأنبياء واحدة ([32] ) , ولنا أكثر من وقفة أمام هذا الحديث : الوقفة الأولى : عند قوله : " مثلى ومثل الانبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه " لقد جاء التشبيه التمثيلى ([33] )هنا لبيان مكانة دعوة النبى صلى الله عليه وسلم بين دعوات الأنبياء , وبيان القواسم المشتركة بين سائر الأنبياء فى رسالاتهم . فالدعوة إلى الله تعالى واحدة فى كل مكان وزمان ([34] ) , والأنبياء إنما بعثوا بتوحيد الله تعالى لهداية الناس وإرشادهم إلى مكارم الأخلاق , وإلى طريق الحق والعدل والخير , وكل نبى يمثل جانباً من جوانب هذه الدعوة , ولبنة من لبنات هذا البناء العظيم , ويأتى النبى بعد النبى ليكمل ما أسسه من قبله ليتم البناء , وكذلك البيت يقوم على أسس ودعائم وأركان وزوايا مترابطة , وذلك ليثبت على وجه الأرض , وبعد ذلك تأتى مرحلة التزيين والتحسين . وكذلك دعوات الأنبياء ورسالاتهم تقوم على أسس ودعائم من توحيد الله, ونبذ الشرك , وتحريم الظلم , ونشر العدل , والتوجه بالعبادة إلى الحق سبحانه . وتمثل دعوة كل نبى لبنة من اللبنات فى ركن من أركان هداية الإنسانية ليكتمل البناء بعد ذلك وتثبت دعائمه فى مواجهة أصحاب الانحراف والفساد فى الأرض .وبعد تمام البناء بتمام دعوات الأنبياء تأتى مرحلة التزيين والتحسين بالشرائع وما فيها من اليسر , ومراعاة أحوال الناس فى كل مكان وزمان , وهذا التحسين والتزيين لابد منه ,وإلا كان البناء ناقصاً , وكذلك الشرائع لابد منها وإلا لم تكتمل دعوات الأنبياء . ومن خلال هذا التصوير الدقيق يتضح لنا مدى التناسب والتناغم بين البناء وبين دعوات الأنبياء , فكما أن البيت فيه صلاح الناس فى معاشهم واستقرارهم وسكونهم , وحمايتهم من الحر والبرد ([35] ) والأمان من الأذى , والتوارى عن أعين الناس , كذلك دعوات الأنبياء فيها الأمان فى الدنيا والصلاح والهدى ,وطمأنينة النفس , والأمان من العذاب والهلاك فى الدنيا والآخرة .لقد جاء التشبيه ببناء الدار ([36] ) ليبين وحدة الأنبياء والأديان . والعرب من عادتها أن تمثل ما يبالغون فيه من الوثاقة والأصالة وأشباه ذلك بالبنيان . قال الله عزوجل : ( إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ) ( الصف : 4) , وقال تعالى : ( أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها . رفع سمكها فسواها ) ( النازعات : 28,27) ([37] )
إن بناء البيت بحاجة إلى التماسك والتلاحم بين أركانه , وأن توضع كل لبنة فى موضعها المناسب من الزوايا والجدران , وكذلك دعوات الأنبياء كل نبى بحاجة إلى دعوة من بعده لتكتمل مسيرة الهداية مع مراعاة الشرائع لظروف المكان والزمان والحال .ونأتى إلى الوقفة الثانية عند التصوير الدقيق فى قوله صلى الله عليه وسلم : " فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له , ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة " إن هذه الصورة التى تمثل نظر الناس إلى هذا البيت وطوافهم به , وتعجبهم من حسن بنائه وجمال هيئته , وإدراكهم لنقصان اللبنة فى زاوية من زوايا البيت لتمثل – فى تصورى – حيرة الناس فى الوقت الذى كانت فيه البشرية فى مسيس الحاجة إلى دعوة النبى صلى الله عليه وسلم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور , إن البناء العظيم بحاجة إلى اللبنة الأخيرة فى الزاوية . فليست اللبنة فى جدار من الجدران , أو فى جانب من الجوانب يمكن أن يعالج محلها , لا , إن اللبنة المطلوبة فى زاوية من زوايا البناء , والزوايا مع القواعد تمثل أساس البناء , فدعوته صلى الله عليه وسلم أساسية ومتممة لدعوات الأنبياء , فبها سيتم بناء الدين , ويكتمل حسنه وبهاؤه وجماله ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون حيث يقول تعالى : ( هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) ( الصف : 9) ويأتى بعد ذلك تمثيل الرسول لنفسه باللبنة ([38] ) التى ستتم هذا البناء حيث يقول : " فأنا اللبنة , وأنا خاتم المرسلين " فما أعظم تواضعه صلى الله عليه وسلم , إن هذه اللبنة إذا لم توضع لكان البناء غير كامل , فالبشرية جمعاء بحاجة إلى رسالته لأنه خاتم المرسلين , ولا نبى بعده , فبرسالته يكون تمام الدين حيث يقول تعالى : ( ... اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً ) ( المائدة : 3) إن اللبنة المكملة والمتممة للبناء فى الزاوية لابد أن توضع فى مكانها المناسب لتسد ذلك الموضع مع مراعاة الناحية الهندسية فى ذلك , كذلك دعوته صلى الله عليه وسلم جاءت فى وقتها المناسب ومكانها المناسب لتكمل بناء الدين الذى شيده الأنبياء من لدن نوح عليه السلام وختاماً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم , كما جاءت أمته وسطاً بين الأمم ([39] ) , وتصوير الرسول لنفسه باللبنة لا يقلل من قدره , ولا من منزلة رسالته لأن هذه اللبنة فى موضع مكمل ومتمم لركن من الأركان فى البناء , ولولاه ما اكتمل البناء , ولظلت البشرية تعانى من الضياع والانحلال ([40] ), ولما اكتملت رسالة السماء إلى الأرض لهداية البشرية , فسبحان من قال فى شأنه صلى الله عليه وسلم : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ( الأنبياء : 107) , وقال : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) ( المائدة: 48) كما أن شريعته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إليه كاملة , والمراد هنا النظرإلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة .
إن التصوير النبوى هنا تصوير جامع موجز بين من خلاله أن رسالة الأنبياء واحدة , وأن رسالته جزء من هذه الرسالات , وأن كل رسالة ترتبط بما قبلها , وأن رسالته خاتمة الرسالات ... , فلقد اكتمل البناء , وتجلى فى ذروة الحسن والبهاء , فلا مجال للإكمال ولا للتزيين بعد رسالة خاتم النبيين , كما اكتملت الشرائع بشريعته التى جاءت باليسر لا بالعسر , واكتملت الأمم بأمته التى جاءت وسطاً بين الامم .
ومن روائع التمثيل : قوله صلى الله عليه وسلم : " ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض , وملء ما شئت من شئ بعد , أهل الثناء والمجد , أحق ما قال العبد , وكلنا لك عبد , لا مانع لما أعطيت , ولا معطى لما منعت , ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ([41] ) فى هذا الحديث نحن أمام لوحة تصويرية من أروع ما يكون لحال هؤلاء المولعين بذكر الله وحمده والثناء عليه , وهم فى أشرف مقامات العبودية لله تعالى فى الصلاة ... . ومن روائع التصوير هنا : قوله " ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض , وملء ما شئت من شئ بعد " ([42] )

وسر الجمال فى التمثيل ([43] ) للحمد بــ " ملء السماوات والأرض وما بينهما , وملء ما شاء
الله من شئ بعد " , وفى تخصيص الحمد بذلك دون غيره من التسبيح والتكبير والتهليل . فأما عن وصف مقدار الحمد بأنه ملء السماوات والأرض , وملء ما شاء الله من شئ بعد , فما أروعها من صورة , فالحمد ليس جسماً من الأجسام حتى يملأ الأماكن , وأى أماكن ؟ ! إنها السماوات والأرض , وما بينهما , وما شاء الله من شئ بعد . فالمقصود تكثير هذا الحمد والمبالغة فيه , والولوع به ([44] ) , والثناء على الله بكل ما يعلمه العبد وما لا يعلمه , وهذا التصوير لمقدار الحمد إنما يرجع إلى مقدار ما لله من نعم عند عباده ...
فالمتأمل فى نعم الله عزوجل يرى أنها تملأ حياة العبد , ففى كل حركة وسكنة ما لا يخفى من النعم , ففى نفس الإنسان ملايين النعم , فإذا جئنا لما حوله وما يحيط به من نعم فى الأهل والمال , والسكن , والزرع , والماء والهواء لما أحصيناها عدداً ([45] ) , فهى تمـلأ المكان والزمان ولذلك جاء التمثيل بــ " حمد يملأ السـماوات والأرض وما شــاء الله من شــئ بـعد " ([46] ) ليتوافق الحمد مع هذه النعم , فكما أن النعم تملأ المكان والزمان فلـيكن الحمد ملء المكان
والزمان , وأنى للعبد أن يصل إلى شكر نعم ربه عليه , ففى هذا التمثيل إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ الجهد ([47] ), فإنه حمده ملء السماوات والأرض , وهذه نهاية أقدام السابقين , ثم ارتفع فأحال إلى المشيئة , وليس وراء ذلك الحمد منتهى , فإن حمد الله أعز من أن يعتوره الحسبان , أو يكتنفه الزمان والمكان ([48] )
ولنا وقفة عند تخصيص الحمد بكونه ملء السماوات والأرض دون التسبيح , والتكبير والتهليل . فالتحميد إثبات المحامد كلها لله , فدخل فى ذلك إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال كلها . والتسبيح : هو تنزيه الله عن النقائص والعيوب والآفات . والإثبات أكمل من السلب ([49] ) , ولقد جاء ذكر الثناء والمجد فى الحديث بعد ذكر الحمد . والثناء : هو الوصف الجميل والمدح . والمجد : العظمة ونهاية الشرف كما ذكر النووى ([50] ) , ولقد جاء البيان النبوى هنا بلفظة جامعة لكل معانى الثناء والوصف الجميل لله تعالى لتناسب ملء السماوات والأرض ,لذلك قال بعد هذا الوصف الجامع :" أهل الثناء والمجد ,أحق ما قال العبد([51] ) فهذا الحمد أحق ما يقوله الإنسان لأن فى الحمد إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال كلها . وهذا الحمد الذى يملأ السماوات والأرض , وما بينهما وما شاء الله من شئ بعد لا يكون إلا ممن اجتمعت فيه صفات العبودية لله ؛ ولذلك قال " أحق ما قال العبد " ([52] ) , فحمد العابد الخالص ليس كحمد غيره ؛ لأن حمده حمد قلب ولسان , وحمد عبادة وعرفان , وخضوع وذل للرحمان , إنه حمد من يقدر نعم الله حق قدرها , ويعرف حق موجدها ؛ ولهذا جاء الوصف بالعبودية لأنها أشرف منازل العبد بين يدى الله ([53] ) فكلما كان العبد أكثر عبادة لله كلما كان أرفع منزلة عند الله , وكلما كان أكثرعبادة كلما كان أكثر حمداً لله . ولهذا جاءت تسمية النبى صلى الله علي وسلم بــ " أحمد " لأنه اكتملت فيه صفات العبودية لله كما وصفه القرآن , وأضافه الله إلى نفسه فى أكثر من موضع تشريفاً وتكريماً لأنه وصل إلى أن يكون أحمد الحامدين لربه , واستحق أن يحمد أفضل مما يستحقه غيره ! ([54] ) وبعد هذه الرحلة القصيرة فى رياض التمثيل النبوى أنتقل إلى ذكر بعض أحاديث التمثيل الأخرى على سبيل المثال لا الحصر ؛ لأن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستقلة ([55] ) فمن أحاديث التمثيل : قوله صلى الله عليه وسلم : " مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما , فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه والبخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها " ([56] ) , وقوله : " مثل الجليس الصالح و السوء كحامل المسك ونافخ الكير , فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه , وإما أن تجد منه ريحاً طيبة , ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة " ([57] ) وقوله : " مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً , فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير , وكان منها أجادب أمسـكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا ورعوا , وأصاب منها طائفة أخرى إنما هى قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً . فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به " ([58] ) وقوله :"مثل المنافق كالشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة "([59] )وغير ذلك من الأحاديث([60] ) وأنتقل إلى الحديث عن التشبيه فى البيان النبوى ,وسأسوق بعض الأمثلة من الحديث ليتضح لنا من خلالها دقة التصويرفى البيان النبوى , ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة فقال : " هل ترون ما أرى ؟ إنى لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر " ([61] ) فى هذا الحديث يخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عما سيقع من فتن فى المستقبل , ولنا أكثر من وقفة أمام التصويرفى هذا الحديث . أولاً : عند قوله : " مواقع الفتن خلال بيوتكم " , فقوله : " خلال بيوتكم " فيه إشارة إلى أن هذه الفتن قد تخللت فى حياة جميع الناس فلم يسلم منها أحد , فلقد نزلت خلال البيوت . وهذا التشبيه لأهل المدينة وهى دار الهجرة , وفيها نزل الوحى , والصحابة من حوله صلى الله عليه وسلم , فكيف بغيرها من الأمصار والبلاد التى تبعد عنها أوتقترب منها ؟!أحرى أن تكون الفتن قد عمتها وأحاطت بها . وكأن البيان النبوى يشير من طرف خفى من خلال هذه الصورة إلى أنه إذا كانت هذه حال المدينة وقد ظهرت فيها الفتن بهذه الصورة , فلا شك أن غيرها من البلاد قد عمت فيه الفتن . إن هذه الفتن قد نزلت بين البيوت , فليست بعيدة عنها . وفى ذلك إشارة إلى أن هذه الفتن لا مهرب ولا مفر منها لأنها قد تخللت ودخلت فى حياة الناس .ثانياً : عند قوله : " كمواقع القطر " وما أكثر المطر الذى ينزل من السماء ! إنها فتن كثيرة عامة متتابعة لا تختص بطائفة دون طائفة , وهى فتن تسير وتنتشر بين الناس كما أن المطر يسيل على الأرض وينتشر بين البيوت ([62] ) , إنها فتن عامة لأن المطر حين ينزل على البيوت فى مكان واحد لا يخص طائفة دون طائفة , بل يشمل كل من فى المكان , فهذه الفتن شاملة لجميع الناس . والتصوير النبوى ينطبق على زماننا تمام الانطباق , فنحن نعيش فى فتن خلال بيوتنا وفى حياتنا كمواقع القطر , وهى فتن كثيرة فى الدين , والأموال , والأولاد والشهوات الأخرى([63] ) فلنتأمل فى هذا التصوير النبوى الدقيق الذى تخطى حدود المكان والزمان([64] ) ومن التشبيهات النبوية الرائعة : قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الناس كالإبل المائة , لا تكاد تجد فيها راحلة "([65] ) وهذا الحديث من التشبيهات الرائعة لواقع يعيشه الناس فى كل زمان ومكان , وهو قلة الصالحين الصادقين الذين يعاونون إخوانهم على البر([66] ), وهنا جاء التشبيه بالإبل المائة ليبين هذه الحقيقة بصورة من الواقع والبيئة , فالإبل منها ما هو راحلة صالحة للركوب , مذللة فى السفر و سهلة القياد , وهذه الراحلة بهذه الصفات مما يقل فى الإبل , وكذلك المخلصون الأوفياء اللينون المتعاونون مع إخوانهم على البر والتقوى , الصادقون فى مودتهم قليلون . والتصوير النبوى هنا يتخطى حدود المكان والزمان ؛ لأن معناه مما نراه ونشاهده فى حياتنا مع شدة الصراع المادى فى الحياة , وشيوع الأثرة بين الناس إلا من رحم ربى !
" وقد يكون المقصود من هذا التصوير النبوى بيان أن الناس فى أحكام الدين سواء لا فضل فيهم لشريف على مشروف , ولا لرفيع منهم على وضيع كالإبل المائة لا يكون فيها راحلة أى التى ترحل لتركب , والراحلة : فاعلة بمعنى مفعولة , أى كلها حمولة تصلح للحمل , ولا تصلح للرحل والركوب عليها . وقد يكون المقصود أن أكثر الناس أهل نقص , وأما أهل الفضل فعددهم قليل جداً , فهم بمنزلة الراحلة فى الإبل الحمولة , ومنه قوله تعالى : (... ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ( الروم : 6) , وقد يكون المقصود أن الزاهد فى الدنيا الكامل فيه الراغب فى الآخرة قليل كقـلة الراحلة فى الإبل . وقال القرطـبى : الذى يناسب التمثيل أن الرجل الجواد الذى يحـمل أثقال الناس , والحمــالات عنهم , ويكشـف كربهم عزيز الوجـود كالراحـلة فى الإبل الكثـيرة . وقال غيره : معنى الحـديث أن النـاس كثير , والـمرضى مـنهم قليل " ([67] ) ومن روائع التصوير : قوله صلى الله عليه وسلم : " كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "([68] ) , وهذا الحديث دعوة إلى الزهد فى الدنيا , وعدم الاغترار بمتعها , وليكن حال المؤمن فيها حال السالك العابرلا المقيم الماكث . وقد شبهه أولاً بالغريب الذى لا سكن له يؤيه ولا حبيب يسليه , ثم ترقى وأضرب عنه ([69] ) بقوله : " أو عابر سبيل " لأن الغريب قد يسكن فى بلاد الغربة , ويقيم فيها بخلاف عابر السيبل القاصد للبلد الشاسع , وبينه وبينها أودية مردية , ومفاوز مهلكة , وهو بمرصد من قطاع الطريق , فهل له أن يقيم لحظة , أو يسكن لمحة ؟ لا ([70] ) , والحديث بما فيه من تصوير يشير من جانب آخر إلى قصر عمر الإنسان فى هذه الدنيا , ومن أجل ذلك فعليه أن يقلل أمله , وليكن زاده منها كزاد الراكب الذى يأخذ فى سفره على قدر حاجته وضرورته فلا يستكثر من المتاع لأنه زائل , فعليه بالزاد الذى لا يفنى ويكون معه حيث كان ألا وهو زاد التقوى والإيمان حيث يقول الحق سبحانه : (... وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب ) ( البقرة : 197) , " ولما كان الغريب قليل الانبساط إلى الناس , بل هو مستوحش منهم , إذ لا يكاد يمربمن يعرفه مستأنس به , فهو ذليل فى نفسه خائف , وكذلك عابر السبيل لا ينفذ فى سفره إلا بقوته عليه وتخفيفه من الأثقال غير متثبت بما يمنعه من قطع سفره , معه زاده وراحلته يبلغانه إلى بغيته من قصده شبهه بهما , وفى ذلك إشارة إلى إيثار الزهد فى الدنيا , وأخذ البلغة منها والكفاف , فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره , فكذلك لا يحتاج المؤمن فى الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل " ([71] ) ,وهذه بعض أحاديث التصوير النبوى الرائعة , والمقام هنا مقام الإيجاز والإجمال لا الإطناب والتفصيل , وأكتفى بالإشارة إلى بعض التشبيهات النبوية الأخرى لمن أراد أن يتوسع فى البحث . فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب "([72] ) , وقوله : " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم , يصبح الرجل مؤمناً ويمسى كافراً , ويمسى كافراً ويصبح مؤمناً , يبيع دينه بعرض من الدنيا " ([73] ) , وقوله : " إن الأيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها " ([74] )
وقوله : " إن الشـيطان ذئب الإنــسان كذئب الغــنم يأخذ الــشاذة , والقاصــية , والناحيـة
وإياكم والشعاب , وعليكم بالجماعة والعامة " ([75] ) , وقوله : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " ثم شبك بين أصابعه ([76] ) , وقوله : " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة , خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا " ([77] )
وأنتقل إلى روائع بعض الاستعارات والكنايات النبوية لنقف على ما فيها من أسرار الجمال ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوةالإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله , وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار " ([78] ) فى هذا الحديث ذكر النبى صلى الله عليه وسلم خصالاً من كانت فيه وجد حلاوة الإيمان , وهذه الخصال لم تات فى الحديث اعتباطاً , كما أن تصوير الشعور بها بـ " الحلاوة " لم يأت أيضاً اعتباطاً . فالنبى صلى الله عايه عبر عن الراحة النفسية والالتذاذ العقلى بالحلاوة... , وهى مما يشتهيه الناس ويحبونه على سبيل الترغيب لهم فى الإقبال على هذه الخصال . وهنا تصوير هذه الرغبة وهذا الشعور فى نفس المؤمن بالشئ الحلو , والأشياء الحلوة فى حياة الناس أشكال وأنواع , وكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشبع شغفها من هذه الحلاوة . ولكن الحديث هنا تصوير لشعور المؤمن لا أى إنسان إن هذه اللذة لذة عقلية وراحة نفسية لا يجدها إلا المؤمنون ([79] ) , وكأن النبى صلى اله عليه يقول : إن كان أهل الدنيا يحبون الحلاوة الحسية من المأكولات فإن المؤمنين يشعرون ويجدون حلاوة ولذة أخرى لا يحس بها إلا أهل الإيمان . وهنا عبر عن ذلك الشعور بــ " الحلاوة " لا باللذة , فهذا الشعور الإيمانى له فى نفس المؤمن أثر اللذات الحسية . واستعارة الحلاوة لرغبة المـؤمن فى الإيمان ([80] ) فيها تلمـيح إلى قصة المريض والصحيح لأن المريض
(1) أخرجه أحمد والبخارى فى الأدب المفرد وأبو داود والترمذى من حديث معاوية . المشكاة ح ( 4699) 9/51
(2) ينظر المفردات للراغب الأصفهانى , ومختار الصحاح , والمعجم الوسيط مادة " مثل " , وشرح الطيبى على المشكاة 9/51
(3) ولقد صنفوا فيها تصانيف جليلة المقدار كأمثال أبى عبيدة , والميدانى , وابن حبيب , والزمخشرى , وابن قتيبة , وابن الأنبارى , وأبى هلال . (4) ينظر الكشاف 1/109, وحاشية الشهاب الخفاجى على تفسير البيضاوى 1/363- 365
(1) ينظر الكشاف 1/109
(2) ينظر إعلام الموقعين 1/72
(1) وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه , فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له , ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : " فأنا اللبنة , وأنا خاتم المرسلين " والحديث متفق عليه من حديث أبى هريرة . وانظره فى المشكاة ح ( 5745) 10/353
(2) كما فى قوله صلى الله عليه وسلم : " ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً , وعن جنبتى الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة , وعلى الأبواب ستور مرخاة ... " الحديث . أخرجه أحمد والترمذى من حديث ابن مسعود . وانظره فى المشكاة ح ( 191) 1/383
(3) كما فى حديث جابر رضى الله عنه قال : جاءت الملائكة إلى النبى صلى الله عليه وهو نائم , فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً . قال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان . فقالوا مثله كمثل رجل بنى داراً , وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً فمن أجاب الداعى دخل الدار... " الحديث . أخرجه البخارى من حديث جابر. المشكاة ح ( 144) 1/328
(1) أخرجه أحمد والترمذى وابن ماجة من حديث ابن مسعود . وانظره فى المشكاة ح ( 5188) 9/351
(2) سبق تخريج حديث صحيح فى معناه فى الفصل الاول من الباب الثالث عند الحديث عن التصوير التعليمى من طرق الأداء فى الحديث النبوى , والحديث المذكور هنا أخرجه أحمد .
(1) متفق عليه من حديث أبى هريرة . وانظره فى مشكاة المصابيح ح ( 565) 2/172
(2) ينظر أسرار البلاغة ص 75. والتشبيه التمثيلى : ما كان وجه الشبه فيه وصفاً مركباً منـتزعاً من متـعدد أمـرين أو أمور بمعنى أن يكون وجهه مركباً مطلقاً . وهذا مذهب الخطيب والجمهور , فلا فرق عندهم بين الوجه الحقيقى وغيره , وهو عند عبد القاهر : ما كان وجهه غير حقيقى ولو كان مفرداً , وعند الزمخشرى يرادف التشبيه . ينظر الإيضاح 3/50, وبغية الإيضاح 3/50
(1) متفق عليه من حديث أبى موسى . وانظره فى المشكاة ح (148) 1/334
(2) وأصله أن الرجل إذا رأى العدو قد هجم على قومه , وأراد أن يفاجئهم , وكان يخـشى لحوقهم عند لحوقه تجرد عن ثوبه وجعله على رأس خشبة , وصاح ليأخذوا حذرهم ويستعدوا قبل لحوقهم , وأكثر ما يفعل هذا ربيئة القوم , وهو طليعتهم ورقيبهم . قالوا : وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر وأغرب وأشنع منظراً , فهو أبلغ فى استحثاثهم فى التأهب للعدو . وقيل : معناه : أنا الذير العريان الذى أدركنى جيش العدو فأخذ ثيابى , فأنا أنذركم عرياناً . ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 15/48, وشرح الطيبى على المشكاة 1/335
(3) والنجاء بالمد : مصدر نجا إذا أسرع . يقال : ناقة ناجية أى مسرعة , ونصبه على المصدر أى انجوا النجاء , أو على الإغراء . وقال القاضى : المعروف فى النجاء إذا أفرد المد , وحكى أبو زيد فيه القصر أيضاً , فإذا ما كرروه قالوا : النجاء النجاء ففيه المد والقصر معاً . ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 15/49
(1) ينظر شرح الطيبى على المشكاة 1/336,335
(2) متفق عليه من حديث أبى هريرة . مشكاة المصابيح ح ( 149) 1/336
(1) واشتقاقه من الضوء : وهو ما انتشر من الأجسام النيرة . ينظر شرح الطيبى على المشكاة 1/336
(2) ينظر شرح الطيبى 10/338
(3) ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 15/50
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر . وانظره فى مشكاة المصلبيح ح ( 2189) 4/329
(2) والمعقلة : بضم الميم وفتح العين , وتشديد القاف : أى المشدودة بالعقال , وهو الحبل الذى يشد فى ركبة البعير . ينظر فتح البارى 8/709
(3) قال القاضى : " ومعنى صاحب القرآن : أى الذى ألفه . والمصاحبة : المؤالفة , ومنه فلان صاحب فلان , وأصحاب الجنة وأصحاب النار , وأصحاب الحديث , وأصحاب الرأى , وأصحاب الصفة , وأصحاب إبل وغنم , وصاحب كنز, وصاحب عبادة . ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 6/77
(4) ينظر فتح البارى 8/710
(1) أخرجه البخارى من حديث أبى موسى – كتاب الدعوات – باب فضل ذكر الله تعالى – ح ( 6183) 11/212, وأخرجه مسلم فى باب استحباب صلاة النافلة فى بيته وجوازها فى المسجد بلفظ : " مثل البيت الذى يذكر الله فيه , والبيت الذى لا يذكر الله فيه مثل الحى والميت " 6/68
(2) ينظر شرح الطيبى على المشكاة ح ( 2263) 4/390
(3) ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 6/68
(4) ينظر فتح البارى 11/214
(5) أخرجه أحمد والنسائى والدارمى والترمذى من حديث أبى الدرداء . وقال الترمذى : حسن صحيح . مشكاة المصابيح ح ( 1871) 4/94
(1) أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة – باب خاتم النبيين – ح ( 3413) 6/645
(2) أخرجه البخارى من حديث جابر بن عبد الله – باب خاتم النبيين – ح ( 3412) 6/645, وأخرجه مسلم – باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين . 15/50- 52
(3) مما تجدر الإشارة إليه أن ناصح الدين بن الحنبلى ذكر هذا الحديث ضمن أقيسة النبى صلى الله عليه وسلم فى كتابه أقيسة النبى صلى الله عليه وسلم ص 152,122,80
(4) يقول الطيبى : " هذا من التشبيه التمثيلى شبه الأنبياء وما بعثوا به من الهدى والعلم وإرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق بقصر شيد بنيانه وأحسن مادته , ولكن ترك منه ما يصلحه وما يسد خلله من اللبنة . فبعث نبينا لسد ذلك الخلل مع مشاركته إياهم فى تأسيس القواعد ورفع البنيان . هذاعلى أن يكون الاستثناء منقطعاً , ويجوز أن يكون متصلاً من حيث المعنى إذ حاصل الكلام : تعجبهم المواضع إلا موضع تلك اللبنة , وليس ذلك المصلح إلا ما اختص به من معنى المحبة وحق الحقيقة الذى يعتنى به أهل العرفان . شرح الطيبى على المشكاة 10/354,353
(5) يقول تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) ( الأنبياء : 25) , ويقول : ( إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) ( الانبياء : 92) , ويقول : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ... ) ( الشورى : 13) إلى غير ذلك من الآيات الناطقة بأن دعوة الأنبياء واحدة , وشرائعهم مختلفة تبعاً للزمان والمكان .
(1) ولقد امتن الله على عباده بهذه النعمة العظيمة فقال تعالى : ( والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين . والله جعل لكم مما خلق ظللاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) ( النحل : 81,80)
(2) قيل فى قوله : " مثلى ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى داراً " أن المشبه به واحد , والمشبه جماعة فكيف صح التشبيه ؟ وجوابه أنه جعل الأنبياء كرجل واحد لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار الكل , وكذلك الدار لا تتم إلا باعـتبار البـنـيان . ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيلى , وهو أن يوجد وصف من أوصاف المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه , وبقى منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت " فتح البارى 6/646
(3) وقال عبدة بن الطيب يذكر قيس بن عامر : فما كان قيس هلكه هلك واحد * ولكنه بنيان قوم تصدعا =
= وقال آخر : أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا * وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا . وأكد النبى صلى الله عليه وسلم هذه الوحدة بقوله : " الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى , ودينهم واحد " أخرجه مسلم . فهم ينتسبون إلى أب واحد على الرغم من اختلاف الأمهات مشيراً بهذا إلى أن الأنبياء على الرغم من اختلاف شرائعهم التطبيقية التى تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة إلههم واحد و كلهم يدعون إلى إفراده بالعبادة , ويحذرون من الشرك , وينبهون إلى أن هناك بعثاً وجنة وناراً ... " ينظر أمثال الحديث ص 99,98
(1) اللبنة : بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها نون , وبكسر اللام وسكون الموحدة أيضاً : هى القطعة من الطين تعجن وتجبل وتعد للبناء . ويقال لها ما لم تحدق : لبنة فإذا أحرقت فهى آجرة . تحفة الأحوذى 8/128
(1) حيث يقول تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) ( البقرة : 143)
(2) زعم ابن العربى أن اللبنة المشار إليها كانت فى أس الدار , وأنها لولا وضعها لانقضت تلك الدار . وقال : بهذا يتم المراد من التشبيه المذكور أهـ . قال ابن حجر : وهذا وإن كان منقولاً فهو حسن , وإلا فليس بلازم , نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة فى مكان يظهر عدم الكمال فى الدار بفقدها , وقد وقع عند مسلم " إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها " فيظهر أنها مكملة محسنة , وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصاً , وليس كذلك , فإن شريعة كل نبى بالنسبة إليه كاملة , فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة . فتح البارى 6/646
(3) أخرجه مسلم من حديث أبى سعيد - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع – وأخرجه من حديث ابن عباس بلفظ " أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع لرأسه من الركوع قال: " اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات , وملء الأرض = = =وملء ما بينهما ,وملء ما شئت من شئ بعد , أهل الثناء والمجد , لا مانع لما أعطيت , ولا معطى لما منعت , ولا ينفع ذا الجد منك الجد " 4/195,194
(1) وفى رواية ابن عباس السابقة " اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات , وملء الأرض , وما بينهما , وملء ما شئت من شئ بعد " الحديث , فليتأمل الفرق بين الروايتين .
(2) قال صاحب النهاية : " هذا تمثيل لأن الكلام لا يسع الأماكن والمراد به كثرة العدد , يقول : لو قدرأن تكون كلمات الحمد أجساماً لبلغت من كثرتها أن تملأ السماوات والأرض , ويجوز أن يكون المراد به تفخيم شأن كلمة الحمد , ويجوز أن يكون المراد به أجرها وثوابها , ويقول الطيبى : هذا تمثيل والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا يسعه الأوعية , وإنما المراد منه تكثير العدد حتى لو يقدر أن تكون تلك الكلمات أجساماً تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما يملأ السماوات والأرضين .
(3) يقول الصنعانى : " قد جعل الحمد كالأجسام , وجعله ساداً لما ذكره من الظروف مبالغة فى كثرة الحمد , وزاده مبالغة بذكر ما يشاءه تعالى مما لا يعلمه العبد " سبل السلام 1/515 – ط دار العاصمة – الرياض – ( 1422) هـ .
(4) ولقد جاء ذكر كثير من هذه النعم فى القرآن الكريم , ومن ذلك قوله تعالى : ( الله الذى خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخرلكم الأنهار* وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار * وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) ( إبراهيم : 22- 34)
(5) وما شاء الله من شئ بعد : أى بعد المذكور , وذلك كالكرسى والعرش , وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله , والمراد تكثير الحمد . تحفة الأحوذى 2/114
(1) ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى سجوده : " اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك , وبمعافتك من عقوبتك , وأعوذ بك منك , لا أحصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك " أخرجه مسلم من حديث عائشة – باب ما يقال فى الركوع والسجود – 4/203 . وقوله : " لا أحصى ثناءً عليك ... " إلخ اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء , وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته ... , فوكل ذلك إلى الله سبحانه المحيط بكل شئ جملة وتفصيلاً ... , وكل ثناء أثنى به عليه وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم , وسلطانه أعز , وصفاته أكبروأكثر , وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ " صحيح مسلم بشرح النووى 4/204
(2) ولم ينته أحد من خلق الله مبلغه ومنتهاه صلى الله عليه , وبهذه الرتبة استحق أن يسمى بأحمد . والفرق بين محمد وأحمد من وجهين : أحدهما : أن محمداً هو المحمود حمداً بعد حمد , فهو دال على كثرة حمد الحامدين له , وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه . وأحمد أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذى يستحقه أفضل مما يستحقه غيره . فــ " محمد " زيادة حمد فى الكمية , وأحمد زيادة حمد فى الكيفية , فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر . الوجه الثانى : أن محمداً هو المحمود حمداً متكرراً كما تقدم . وأحمد هوالذى حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره . فدل أحد الاسمين وهو محمد على كونه محموداً , ودل الاسم الثانى وهو أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه . جلاء الأفهام ص 104 – ط دار الطباعة المحمدية.
(3) ولهذا لم يرد التسبيح مجرداً بل مقروناً بما يدل على إثبات الكمال , فتارة يقرن بالحمد كقوله : سبحان الله وبحمده , وتارة باسم من الأسماء الدالة على العظمة والجلال كقولك : سبحان الله العظيم . وقد أختلف أى الكلمتين أفضل ؟ كلمة الحمد أم كلمة التهليل ؟ وقد حكى هذا الاختلاف ابن عبد البر وغيره . وقال النخعى : كانوا يرون أن الحمد أكثر تضعيفاً . وقال الثورى : ليس يضاعف من الكلام مثل الحمد . والحمد يتضمن إثبات جميع أنواع الكمال لله فيدخل فيه التوحيد . جامع العلوم والحكم ص 262- 264
(4) ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 6/196,195
(5) ويكون التقدير : المذكور من الحمد الكثير أحق ما قال العبد .
(1) التعريف فى العبد للجنس , وقيل للعهد , والمراد رسول الله صلى الله عليه وسالم , و" ما " فى قوله : " ما قال العبد " موصوفة : أى أحق الأشياء التى يتكلمها العبد إن فصلتها واحداً بعد واحد ثناء الله تعالى من العبد المطيع الخاشع الخاضع . شرح الطيبى على المشكاة 2/397,396
(2) فالعبودية الخالصة لله هى – فى واقع الأمر – عين الحرية , وسبيل السيادة الحقيقية , فهى وحدها التى تعتق القلب من رق المخلوقين , وتحرره من الذل والخضوع لكل ما سوى الله تعالى من الآلهة والطواغيت التى تستعبد الناس وتسترقهم أشد الاسترقاق والاستعباد وإن ظهروا – صورة وشكلاً – بمظهر السادة الأحرار, وللتوسع فى هذا المعنى ينظر العبادة فى الإسلام ص 102- 104 أ. د. يوسف القرضاوى – ط مؤسسة الرسالة – ط الثامنة عشرة – (1406) هـ ( 1986) م .
(3) ومن مقامات وصف النبى بالعبودية مع الإضافة إلى الله تعالى : قوله تعالى : ( ... وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير ) ( الأنفال : 41) , وقوله تعالى : ( سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله ... ) ( الإسراء : 1) , وقوله تعالى : ( تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ) ( الفرقان : 1) , وقوله تعالى : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً ) ( الجن : 19)
(4) ولقد كتب بعض علماء الحديث قديما ً عن التمثيل فى البيان النبوى , فكتب الإمام الحسن بن عبد الرحمان بن خلاد الرامهرمزى ت (360) هـ كتاباً صغيراً سماه " أمثال الحديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " , ولقد ذكر فى هذا الكتاب بعض أحاديث التمثيل النبوى المشهورة الصحيحية مثل : " مثل الجليس الصالح والجليس السوء ... " , وحديث " مثل البخيل والمنفق ... " كما ذكر بعض أحاديث التمثيل الضعيفة السند مثل : حديث " مثل الذى يعين قومه على الظلم مثل البعير الذى يتردى فى الركى بذنبه " وغيره من الأحاديث . وأحاديث الأمثال التى ذكرها من الصحيح وغيره لا تتجاوز خمسة وثلاثين حديثاً , وهى الجزء الأكبر من الكتاب , وقد ذكر فى بقية الكتاب بعض الأحاديث فى الكناية , والتشبيه , وفى نعت الجنة والنار , والدنيا , والخيل , والنساء . وقد سلك فى هذا الكتاب النهج الاصطلاحى الذى يعنى فيه بإبراز الكلمة ومعناها دون النهج الأدبى . وينظر ترجمته فى معجم الأدباء 3/3 . كذلك فى كتاب أقيسة النبى لناصح الدين ابن الحنبلى عدد كبير من أحاديث الأمثال , ولكنه اكتفى بسردها دون تحليلها تحليلاً يكشف عن أسرار جمالها . ولقد كتب بعض العصريين كتاباً حول أمثال الحديث , وهو الدكتور / عبد المجيد محمود فى كتابه أمثال الحديث مع مقدمة فى علوم الحديث إلا أنه لم يستوعب أحاديث الأمثال وإنما أشار إلى أشهرها مع شرحها وتحليلها تحليلها تحليلاً دقيقاً .
(1) متفق عليه من حديث أبى هريرة . المشكاة ح ( 1864) 4/89.والجنتان : أى وقايتان , ويروى بالباء تثنية جبة اللباس فجاء بالروايتين . والجنتان بالنون أنسب لأن الدرع لا يسمى جبة بالباء . شرح الطيبى 4/89
(2) متفق عليه من حديث أبى موسى . المشكاة ح ( 5010) 9/234. ومعنى يحذيك : أى يعطيك . يقال : أحذيته أحذيه إحذاءً وهى الحذيء والحذية . شرح الطيبى 9/234
(3) متفق عليه من حديث أبى موسى . المشكاة ح ( 150) 1/339
(4) أخرجه مسلم من حديث ابن عمر . المشكاة ح ( 57) 1/206. والعائرة : أكثر ما يستعمل فى الناقة , وهى التى تخرج من الإبل إلى أخرى ليضربها الفحل والجمل عائرة يترك الشوك إلى أخرى ثم يتسع فى المواشى . شرح الطيبى 1/206
(5) مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " مثل المدهن فى حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا على سفينة ... " الحديث وقد أخرجه البخارى من حديث النعمان بن بشير .المشكاة ح ( 5138) 9/312, وقوله : " مثل المؤمن الذى يقرأ القرآن مثل الأترجة ... " الحديث وقد أخرجه البخارى ومسلم من حديث أبى موسى . المشكاة ح ( 2114) 4/265, وقوله : " مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع ... " الحديث وقد أخرجه البخارى ومسلم من حديث كعب بن مالك . المشكاة ح ( 1514) 3/310, وقوله : " العائد فى هبته كالكلب يقئ ثم يعود فى قيئه ليس لنا مثل السوء " أخرجه البخارى والنسائى والترمذى من حديث ابن عباس . المشكاة ح ( 3018)6/191, وقوله : " ما لى والدنيا ؟ وما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها " أخرجه أحمد والترمذى وابن ماجة من حديث ابن مسعود . المشكاة ح ( 5188) 9/3511, وقوله : " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور " متفق عليه من حديث أسماء أخرجه البخارى ح ( 5028) , وأخرجه مسلم من حديث عائشة 2/111,110
(6) متفق عليه من حديث أسامة بن زيد . أخرجه البخارى – كتاب فضائل المدينة – باب آطام المدينة – ح ( 1832) 4/113, وأخرجه مسلم – كتاب الفتن وأشراط الساعة – 18/8,7
(1) يقول العلماء : هذا الإخبار من علامات النبوةلأنه أعلمهم بما سيكون , وقد ظهر ذلك من قتل عثمان رضى الله عنه , ووقعة الجمل , وصفين , والحرة , ومقتل الحسين , وهلم جراً . راجع صحيح مسلم بشرح النووى 18/8,7, وفتح البارى 4/113. قلت : والحديث عام يشمل زمن الصحابة وما بعده إلى يومنا هذا , فلقد ظهرت الفتن التى أخبر عنها النبى صلى الله عليه وسلم , وعمت العباد والبلاد !
(2) جاء ذكر مادة " فتن " ومشتقاتها فى ستين موضعاً من كتاب الله , ومنها قوله تعالى : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) ( التغابن : 15) وينظر فى هذه المواضع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ص 512,511
(3) ولقد ذكر ناصح الدين بن الحنبلى هذا الحديث ضمن أقيسة النبى صلى الله عليه وسلم فى موضعين من كتابه أقيسة النبى ص 123,93
(4) متفق عليه من حديث ابن عمر. المشكاة ح ( 5360) 10/310. والراحلة عند العرب : الجمل النجيب والناقة النجيبة والهاء للمبالغة كما يقال : رجل فهامة ونسابة ؛ وسميت راحلة لأنها ترحل أى يجعل عليها الرحل , فهى فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية بمعنى مرضية ونظائره . ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 16/101
(5) وقد يكون المقصود به معنى آخر سيأتى ذكره بعد الأول .
(1) ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 16/101, وشرح الطيبى 10/31, وفتح البارى 11/343 . ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الحديث قد ذكره الثعالبى فى كتابه " الإعجاز والإيجاز " فى فصل جوامع تشبيهاته وتمثيلاته عليه السلام ص5
(2) أخرجه البخارى والترمذى وابن ماجة من حديث ابن عمر . المشكاة ح ( 1604) 3/341
(3) لأ ن " أو " فى قوله : " أو عابر سبيل " يجوز أن تكون للتخيير والإباحة , والأحسن أن تكون بمعنى " بل " . وقال الجوهرى : يريد بل أنت . وأجاب الكرمانى بأنه من عطف العام على الخاص , وفيه نوع من الترقى لأن تعلقاته أقل من تعلقات المقيم . ينظر شرح الطيبى 3/341, وفتح البارى 11/293
(1) ينظر شرح الطيبى على المشكاة 3/341
(2) وهذا ما ذكره ابن بطال . وقال غيره : هذا الحديث أصل فى الحث على الفراغ عن الدنيا, والاحتقار لها , والقناعة فيها بالبلغة . وقال النووى : ومعنى الحديث لا تركن إلى الدنيا , ولا تتخذها وطناً , ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها , ولا تتعلق فيها بما لا يتعلق به الغريب فى غير وطنه . وقال غيره : عابر السبيل : هو المار على الطريق طالباً وطنه , فالمرء فى الدنيا كعبد أرسله سيده فى حاجة إلى غير بلده , فشأنه أن يبادر بفعل ما أرسل فيه , ثم يعود إلى وطنه بشئ من بلد الغربة , بل قلبه متعلق بوطنه الذى يرجع إليه , ويجعل إقامته فى الدنيا ليقضى حاجته وجهازه للرجوع إلى وطنه , وهذا شأن الغريب , أو يكون كالمسافر الذى لا يستقر فى مكان بعينه , بل هو دائم السير إلى بلد الإقامة . فتح البارى 11/239,238
(3) أخرجه أحمد والدارمى والبخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجة وابن خزيمة من حديث أبى هريرة . مشكاة المصابيح ح ( 812) 2/353
(4) أخرجه أحمد ومسلم والترمذى من حديث أبى هريرة . المشكاة ح ( 5383) 10/53 . ومعنى بادروا بالأعمال : سابقوا وقوع الفتن بالاشتغال بالأعمال الصالحة , واهتموا بها قبل نزولها .
(5) متفق عليه من حديث أبى هريرة . المشكاة ح ( 160) 1/353. ومعنى يأرز : أى ينضم إليها وينقبض .
(1) أخرجه أحمد وأبو داود من حديث معاذ بن جبل . المشكاة ح ( 184) 1/380. والشاذة : النافرة التى لم تؤنس . والقاصية : التى قصدت البعد لا على التنفر . والناحية : التى غفل عنها وبقيت فى جانب من الأرض وناحية منها .(2) متفق عليه من حديث أبى موسى وأخرجه النسائى والترمذى . المشكاة ح ( 4955) 9/201
(3) أخرجه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة . المشكاة ح ( 201) 1/394
(4) متفق عليه من حديث أنس . أخرجه البخارى – كتاب الإيمان - باب حلاوة الإيمان – ح ( 16) 1/77, وأخرجه مسلم – باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان 2/14
(5) قال العلماء : معنى حلاوة الإيمان : استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات فى رضا الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم , وإيثار ذلك على عرض الدنيا , ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بطاعته وترك مخالفته , وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ينظر صحيح مسلم بشرح النووى 2/14
(6) يقول الطيبى : وحلاوة الإيمان استعارة . شبهت رغبة المؤمن فى إيمانه بشئ ذى حلاوة , وأثبت له لازم ذلك الشئ , وأضيف إليه على التخييلية . شرح الطيبى على المشكاة 1/116

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فى بعلمك
    لقد كنت اقرا كتاب إعجاز القران للرافعى وهو كتاب قيم ولكنه صعب للغاية وشروحك ياسر الأمور بإذن الله
    رجاء والاستشهاد أكثر بشواهد.القران وهل يمكن.الجمع بين بلاغة الحديث وما يشابه من آيات القرآن لتعم الفائدة
    وفقكم الله وسدد خطاكم

    ردحذف