الجمعة، 10 أبريل 2009

خصوصية اللغة العربية :
هذه اللغة التى اختارها الله لتكون لغة آخر الكتب السماوية إلى أهل الأرض لها ظرف خاص لم يتوفر لأى لغة من لغات العالم , وذلك أنها ارتبطت بالقرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان , ودون بها التراث العربى الضخم الذى كان محوره هو القرآن الكريم فى كثير من مظاهره , وقد كفل الله لها الحفظ ما دام يحفظ دينه , فقال عز من قائل : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ولولا أن شرفها الله عز وجل فأنزل بها كتابه , وقيض له من خلقه من يتلوه صباح مساء , ووعد بحفظه على تعاقب الأزمان لولا كل هذا لأمست العربية الفصحى لغة أثرية تشبه اللاتينية أو السنسكريتية , ولسادت اللهجات العربية المختلفة , وازدادت على مر الزمان بعداً عن الأصل الذى انسلخت منه .
هذا هو السر الذى يجعلنا لا نقيس العربية الفصحى بما يحدث فى اللغات الحية المعاصرة , فإن أقصى عمر هذه اللغات فى شكلها الحاضر لا يتعدى قرنين من الزمان , فهى دائمة التطور والتغير وعرضة للتفاعل مع اللغات المجاورة تأخذ منها وتعطى , ولا تجد فى ذلك حرجاً ؛ لأنها لم ترتبط فى فترة من فترات حياتها بكتاب مقدس كما هو الحال فى العربية ... فهذه العربية التى استمرت حية أكثر من أربعة عشر قرناً , والتى ستستمر فى حياتها إلى ما شاء الله تستمد من ارتباطها بالقرآن عنصر الحياة ([1]) وهذه القضية كانت واضحة فى أذهان اللغويين العرب فى الماضى , فهذا أبو حاتم الرازى ت (322) هـ يقول : " ولولا ما بالناس من الحاجة إلى معرفة لغة العرب , والاستعانة بالشعر على العلم بغريب القرآن , وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , والصحابة والتابعين , والأئمة الماضين لبطل الشعر , وانقرض ذكر الشعراء , ولعفى الدهر على آثارهم , ونسى الناس أيامهم " ([2])
أما عن خصائص اللغة العربية فى حروفها , وألفاظها , ومعانيها , وطرق أدائها , وسعتها , فحدث ولا حرج , فللعربية خصائص صوتية تتصل بمخارجها , ومن خصائصها فى الألفاظ الاشتقاق , والنحت , والتعريب , والترادف , والاشتراك اللفظى , والتضاد . ولها خصائص فى الشكل , والهيئة , والصيغة , والوزن , ولها خصائص فى المعنى , ففيها الإيجاز بأنواعه , وفيها المجاز بأنواعه واتساعه , وفيها التشبيه , والوصف , وغير ذلك من وسائل التصوير . فضلاً عن ناحية التناغم فى اللغة , والتناسق والسلاسة , والموسيقى اللفظية التى ألهمت الشعراء , وأسعفت الكتاب والأدباء , فاللغة العربية كما يقول العقاد : " لغة بنيت على نسق الشعر فى أصوله الفنية والموسيقية , فهى فى جملتها فن منظوم منسق الأوزان والأصوات , لا تنفصل عن الشعر فى كلام تألفت منه ولو لم يكن من كلام الشعراء . وهذه الخاصة فى اللغة ظاهرة من تركيب حروفها على حدة , إلى تركيب مفرداتها على حدة , إلى تركيب قواعدها وعباراتها , إلى تركيب أعاريضها وتفعيلاتها فى بنية القصيد " ([3])
وفى ذلك يقول أبو حيان التوحيدى : " ... وقد سمعنا لغات كثيرة – وإن لم نستوعبها – من جميع الأمم كلغة أصحابنا العجم , والروم , والهند , والترك , وخوارزم , وصقلاب , وأندلس , والزنج , فما وجدنا لشئ من هذه اللغات نصوع العربية , أعنى الفرج التى فى كلماتها , والمسافة التى بين مخارجها , والمعادلة التى تذوقها فى أمثلتها , والمساواة التى لا تجحد فى أبنيتها ... وهذا شئ يجده كل من كان صحيح البنية , بريئاً من الآفة , متنزهاً عن الهوى والعصبية , محباً للإنصاف فى الخصومة , متحرياً للحق فى الحكومة "([4]) وقد سبق الحديث عن بعض خصائص العربية فى مبحث اللغة التى نزل بها القرآن , وقد نقلت هناك من كلام الأدباء واللغويين – غير العرب - ما يشهد للعربية بتفوقها , وثرائها .
(2) من مظاهر فصل اللغة عن قرآنها : ادعاء بعض الكتاب أن اللغة حفظت لا بسبب ارتباطها بالقرآن , ولكن بسبب انكفائها على نفسها , وانغلاق أهلها كما هو الحال فى اللغة الصينية كما يقولون . وقد غاب عن هذا وأضرابه أن العربية بنيت على أصل سحرى يجعل شبابها خالداً عليها فلا تهرم ولا تموت ؛ لأنها أعدت من الأزل فلكاً دائراً للنيرين العظيمين كتاب الله وسنة رسوله , ومن ثم كانت فيها قوة عظيمة من الاستهواء كأنها أخذة السحر لا يملك معها البليغ أن يأخذ ويدع . ينظر عناية المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن صـ58 ,59 للدكتور / سليمان العايد نقلاً عن تحت راية القرآن صـ31 للرافعى .
(3) التطور اللغوى مظاهره وعلله وقوانينه صـ 12-14 للدكتور/ رمضان عبد التواب – ط مكتبة الخانجى – ط ثانية – (1410) – (1990) م.
(1) ينظر للتوسع اللغة الشاعرة صـ 8 , وما بعدها للعقاد – ط نهضة مصر , واللغة العربية ومكانتها بين اللغات 1/4-12 للدكتور/ فرحان السليم .
(2) ينظر الإمتاع والمؤانسة صــ34-36 وقد نقل قبل كلامه السابق كلاماً لابن المقفع فى تفضيل العرب على العجم , والفرس , والهند . وكلامه – وإن كان حول اللغة العربية ككل , فهذا مما ينطبق على لغة قريش لاشتمالها على الخصائص التى ذكرها كما سبق . ومن ذلك أيضاً ما حكاه ابن الأثير لما كان فى مصر يقول : " وحضر عندى فى بعض الأيام رجل من اليهود , وكنت إذ ذاك فى الديار المصرية , وكان لليهود فى هذا الرجل اعتقاد لمكان علمه فى دينهم وغيره , وكان لعمرى كذلك , فجرى ذكر اللغات , وان اللغة العربية هى سيدة اللغات , وأنها أشرفهن مكاناً , وأحسنهن وضعاً . فقال ذلك الرجل : كيف لا تكون كذلك , وقد جاءت آخراً , فنفت القبيح من اللغات قبلها , وأخذت الحسن , ثم إن واضعها تصرف فى جميع اللغات السالفة , فاختصر ما اختصر , وخفف ما خفف , فمن ذلك : اسم الجمل , فإنه عندنا فى اللسان العبرانى " كوميل " ممالاً على وزن فوعيل , فجاء واضع اللغة العربية , وحذف منا الثقيل المستبشع , وقال : " جمل " , فصار خفيفاً حسناً , وكذلك فعل فى كذا وكذا , وذكر أشياءً كثيرة , ولقد صدق فى الذى ذكره , وهو كلام عالم به " المثل السائر 1/206 ط دار نهضة مصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق