الجمعة، 10 أبريل 2009

أحوال متعلقات الفعل :
بحث الخطيب تقييد الفعل بالمفعول ونحوه، وبالشرط وأدواته فى أحوال المسند، ولا يخفى أن بحث "تقييد الفعلى" يرتبط بأحوال متعلقات الفعل، ولذلك أضفته إلى هذا المبحث، وعليه فأحوال متعلقات الفعل تشتمل على:
(1) تقييد الفعل وأغراضه. (2) حذف المفعول. (3) التقديم فى المتعلقات.

تقييد الفعل :
- إما أن يكون بالمفعول ونحوه كالحال والتمييز والاستثناء(1).
- وإما أن يكون بالشرط "إن، وإذا، ولو".
- فالتقييد بالمفعول ونحوه لتربية الفائدة أى تكثيرها.
كقولك: "ضربت ضرباً شديداً" و "ضربت زيداً يوم الجمعة".
ومعنى ذلك أن قولك: ضربت أفاد فائدة، فإذا قلت" ضربت زيداً كانت الفائدة أكثر، فإذا قلت ضربت زيداً يوم الجمعة زادت عن سابقتها، وهكذا كلما زاد الحكم قيداً زاد فائدة.
- وأما ترك تقييده فلمانع من تربية الفائدة كعدم العلم بالمقيدات او عدم الاحتياج إليه، أو خوف انقضاء فرصة، أو عدم إرادة أن يطلع السامع أو غيره من الحاضرين على زمان الفعل أو مكانه أو غير ذلك من الأغراض(2).

أما عن التقييد بالشرط :
فإن تقييد الفعل بأدوات الشرط "إن، وإذا، ولو" يكون لاعتبارات لا تعرف إلا بمعرفة ما بين هذه الأدوات من التفصيل.
- و"إن وإذا" للشرط فى الاستقبال(3). مثل قولك: "إن جئتنى أكرمتك" وكذلك "إذا".
والفرق بينهما أن "إن" تستعمل فى الشرط غير المقطوع بوقوعه تقول: "إن جئتنى أكرمتك" إذا كنت غير قاطع بمجيئه.
- أما "إذا" فتستعمل فى الشرط المقطوع بوقوعه، كقولك: "إذا جئتنى أكرمتك" إذا كنت قاطعاً بمجيئه أو مرجحاً ذلك. وهذا الفرق الكائن فى أصل دلالتهما هو الذى تتفرع عنه الدلالات البلاغية لهاتين الأداتين.

فمثلاً قوله تعالى: ) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ ….((1). أتى فى جانب الحسنة بلفظة "إذا" لأن المراد بالحسنة: الحسنة المطلقة التى حصولها مقطوع به، وعرفت تعريف الجنس ليشمل كل ما هو من جنس الحسنات، وذكر لفظة "إن" فى جانب السيئة لأن السيئة نادرة بالنسبة إلى الحسنة ولذلك نكرت.
- وقد تستعمل "إن" فى مقام القطع بوقوع الشرط لنكتة: كالتجاهل لاستدعاء المقام إياه: كأن يُسأل خادم عن سيده: هل هو فى الدار؟ وهو يعلم أنه فيها، فيقول: "إن كان فيها أخبرك" فيتجاهل خوفاً من سيده.
- وتستعمل فى القطع لعدم جزم المخاطب كقولك لمن يكذبك فيما تخبر: "إن صدقت فقل لى ماذا تفعل؟"
- كذلك لتنزيل الشاك منزلة الجاهل لعدم جريانه على موجب العلم، كما تقول لمن يؤذى أباه: "إن كان أباك فلا تؤذه" ولأغراض أخرى(2).
مجئ الماضى لفظاً مع "إن" :تبين أن "إن، وإذا" للشرط فى الاستقبال، فلا يصح أن يكونا الشرط وجوابه ماضيين لفظاً ومعنى؛ لأن ذلك ينافى كونهما للمستقبل، وقد قالوا إن الأصل أنٍ تقول: "إن تكرمنى أكرمك" فإذا قلت: "إن أكرمتنى أكرمتك" كنت مشيراً بصيغة الماضى إلى رغبتك فى حصول الشرط حتى كأنك تبرزه فى معرض الحاصل، وهذا غرض من الأغراض التى ذكرها البلاغيون لمجئ الماضى لفظاً مع "إن"(3).
تقييد الفعل بـ "لو" الشرطية: ذكر البلاغيون أن "لو" للشرط فى الماضى مع القطع بانتفاء الشرط فيلزم انتفاء الجزاء أى أنها موضوعة للدلالة على امتناع الجزاء لامتناع الشرط كانتفاء الإكرام فى قولك: "لو جئتنى أكرمتك" ولذلك قيل: هى لامتناع الشئ لامتناع غيره، ويلزم كون جملتيها فعليتين، وكون الفعل ماضياً، فدخلولها على المضارع فى نحو قوله تعالى: ) لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ …..((4).
لقصد استمرار الفعل فيما مضى وقتاً فيكون المعنى: أن امتناع عنتهم بسبب امتناع استمراره على إطاعتهم(1).

حذف المفعول :

اعتاد البلاغيون أن يقدموا بين يدى هذا الحذف دراسة فى الفعل وتعلقاته، قالوا: إنك إذا أردت أن تخبر عن مجرد وقوع الحدث وحصوله فأنت فى غنى عن ذكر الفاعل والمفعول، فالعبارة عنه أن يقال: كان ضرب أو وقع أو نحو ذلك من ألفاظ الوجود المجرد، كما أنك إذا أسندت الفعل إلى الفاعل كان غرضك أن تفيد وقوعه منه لا أن تفيد وجوده فى نفسه فقط، تقول: "ضرب محمد".

وإذا لم يكن قصدك أن تخبر بوقوع الفعل فحسب، ولا بوقوعه من الفاعل فقط، وإنما قصدت إلى أن تفيد وقوع الفعل على مفعول معين، فقد تعين ذكر المفعول أو تقديره، وهو جُل الغرض وليس فضلة فى الكلام(2).

- أما عن أغراض حذف المفعول فقد قالوا: "الفعل المتعدى إذا أسند إلى فاعله ولم يذكر له مفعول فهو على ضربين.

الأول: أن يكون الغرض إثبات المعنى فى نفسه للفاعل على الإطلاق أو نفيه عنه كذلك: أى من غير نظر إلى شئ وراء إثبات المعنى للفاعل، مثل قولك: "محمد يعطى" فالغرض إثبات الإعطاء له من غير نظر إلى كونه يعطى قليلاً أو كثيراً، ذهباً أو فضة، يعطى أصدقاءه أو أهله، لا تنظر إلى شئ من هذا. وهذا الضرب قسمان: لأنه إما أن يجعل الفعل مطلقاً كناية عن الفعل متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة. وإما أن ينزل المتعدى منزلة اللازم، فلا ينظر إلى مفعول به ولا يخطر بالبال.
- الثانى: أن يكون الغرض (1). إفادة تعلقه بمفعول بحسب القرائن. وحذف المفعول من اللفظ إما للبيان بعد الإبهام كما فى فعل المشيئة إذا لم يكن فى تعلقه بمفعوله غرابة نحو قوله تعالى: )…. فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ( (2).
أى لو شاء هدايتكم لهداكم أجمعين، فإنه متى قيل "لو شاء" علم السامع أن هناك شيئاً علقت المشيئة عليه لكنه مبهم عنده فإذا جئ بجواب الشرط صار مبيناً له، وهذا أوقع فى النفس.
- والحذف قد يكون لرعاية الفاصلة كقوله تعالى: ) وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ( (3) أى وما قلاك.
- وقد يكون لقصد التعميم مع الاختصار كقوله تعالى: ) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ …( (4)أى يدعو العباد كلهم لأن الدعوة إلى الجنة تعم الناس كافة.
- ويحذف المفعول لأغراض أخرى كالحذف للاختصار، ولاستهجان ذكره ولدفع توهم أمر غير مراد، ولغير ذلك.

التقديم فى المتعلقات :

التقديم فى المتعلقات إما أن يكون على الفعل نفسه، وإما أن يكون بتقديم بعض المتعلقات على بعض، وكلا الضربين وراءهما سر بلاغى.
أما عن تقديم المتعلق على العامل: فإنه غالباً ما يكون للاختصاص كقوله تعالى: ) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( (5). أى نخصك بالعبادة فلا نعبد غيرك ونخصك بالاستعانة فلا نستعين بسواك، كما يفيد التقديم وراء التخصيص اهتماماً بشأن المقدم.
- وقد يكون التقديم لمجرد الاهتمام، ولقصد التبرك، وللالتذاذ، ولموافقة كلام السامع، ونحو ذلك من الأغراض التى تختلف باختلاف السياق والمقام.

وعن تقديم بعض المعمولات على بعض:

فإما لأن أصله التقديم ولا مقتضى للعدول عنه كتقديم الفاعل على المفعول نحو "ضرب زيد عمراً"، وإما لأن ذكره أهم والعناية به أتم. فيقدم المفعول على الفاعل إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل على من وقع عليه لا وقوعه ممن وقع منه كما إذا خرج رجل على السلطان وعاث فى البلاد، وكثر منه الأذى فقتل وأردت أن تخبر بقتله فتقول: "قتل الخارجىَ فلانُ " بتقديم " الخارجى" ؛ إذ ليس للناس فائدة فى أن يعرفوا قاتله، وإنما الذى يريدون معرفته وقوع القتل به ليخلصوا من شره.

ويقدم الفاعل على المفعول:
إذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل ممن وقع منه، لا وقوعه على من وقع عليه كقوله تعالى: )… وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ …..( (1). وقوله: ) وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ….( (2).

قدم المخاطبين فى الأولى دون الثانية لأن الخطاب فى الأولى للفقراء بدليل قوله تعالى "من إملاق" فكان رزقهم أهم عندهم من رزق أولادهم، فقدم الوعد برزقهم على الوعد برزق أولادهم. والخطاب فى الثانية للأغنياء بدليل قوله "خشية إملاق" فإن الخشية تكون مما لم يقع، فكان رزق أولادهم هو المطلوب دون رزقهم لأنه حاصل، فكان أهم فقدم الوعد برزق أولادهم على الوعد برزقهم.

- وقد يكون التقديم لأن فى التأخير إخلالاً ببيان المعنى كقوله تعالى: ) وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ …..( (3).
فإنه لو أخر "من آل فرعون" عن "يكتم إيمانه" لتوهم أن "من" متعلقة بـ "يكتم" فلم يفهم أن الرجل من آل فرعون.
- ويكون التقديم للتناسب كرعاية الفاصلة كقوله تعالى: ) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ( (4).
- ويكون التقديم لاعتبار آخر مناسب كالأسبقية فى الفضل ولإفادة التخصيص. (5)
(1) ينظر المطول ص151.
(2) ينظر الإيضاح 1/140 والمطول ص152.
(3) أى تقييد حصول الجزاء بحصول الشرط فى الاستقبال.
(1) من الآية (131) من سورة الأعراف.
(2) كالتوبيخ على الشرط، وتغليب غير المتصف بالشرط على المتصف به.
(3) ويأتى الماضى لفظاً مع "إن" لأغراض أخرى كالتفاؤل، وإظهار الرغبة فى وقوع الشئ والتعريض، وغير ذلك.
(4) من الآية (7) من سورة الحجرات.
(1) ينظر الإيضاح 1/140 – 151 والمطول ص153 – 173 وخصائص التراكيب ص253 – 270.
(2) ينظر دلائل الإعجاز ص153 والإيضاح 1/165 والمطول ص190 ، 191.
(1) أى من الفعل المتعدى الذى لم يذكر له مفعول.
(2) من الآية (149) من سورة الأنعام.
(3) الآيات من (1 – 3) من سورة الضحى.
(4) من الآية (25) من سورة يونس.
(5) الآية (5) من سورة الفاتحة.
(1) من الآية (151) من سورة الأنعام.
(2) من الآية (31) من سورة الإسراء.
(3) من الآية (28) من سورة غافر.
(4) الآية (67) من سورة طه.
(5) ينظر الإيضاح 1/179، والمطول ص202.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق