الثلاثاء، 23 فبراير 2010

الصورة البيانية فى الحكم العطائية

الصورة البيانية فى الحكم العطائية


تأليف الدكتور / محمد أبو العلا أبو العلا الحمزاوى







مـقدمة وتمـهيد
الحمد لله حمداً يوافى نعمه ويكافئ مزيده , وأصلى وأسلم على أفصح خلقه وخليله محمد بن عبد الله النبى الأمى صاحب الكلم الجوامع , والدرر اللوامع , من أوتى أسباب البلاغة , واختصر له الكلام اختصاراً .

وبـــــــــــــــــعد
فإن حكم ابن عطاء الله السكندرى إنما هى فى حقيقتها وموضوعها قبس من هدى القرآن والسنة صاغها الشيخ بأعزب لفظ وأوجزه , وعرضها فى أرقى صورة وأبهى حلة حتى شُغل بها السالكون , والواصلون , والدارسون , واجتهد العلماء قديماً وحديثاً فى شرحها , وبيان ما تنطوى عليه أصدافها من جواهر وكنوز يحتاج إليها العارفون والسالكون إلى الله على بصيرة .
ولقد رزق الشيخ ابن عطاء الله بهذه الحكم شهرة عظيمة فى سماء البيان والفصاحة , كما رزق شهرة كبيرة فى ميدان الزهد والسلوك إلى الله ؛ فقد جمع بين العلم والعمل فكان ممن سلك السبيل القويم, والمنهج الرشيد فى ميدان الزهد والتصوف , وهو المنهج الذى يتفق مع الكتاب والسنة . وجاءت حكمه الرائعة الموجزة فى عبارات دقيقة ورقيقة موجزة تقطر حسناً وبلاغة من مشكاة القرآن والسنة لمن تأملها حق التأمل , وردها إلى نبعها الحقيقى الذى صدرت منه .
ولقد تناولها العلماء قديماً وحديثاً بالشرح والتحليل والدراسة كما سبق , ولكن لم يتناولها أحد بالدراسة من الناحية التصويرية وحدها دون غيرها , وإنما هى إشارات سريعة فى أثناء الشرح عند بعض الشراح كما هو الحال عند ابن عبّاد النفّزى الرندى (792)هـ , وابن عجيبة ت (1224)هـ , وغيرهما من الشراح ... , أما أن يدرس أحد الصورة البيانية وحدها فى حكم ابن عطاء على وجه الخصوص فلم يوجد شرح عُنى بهذه الناحية من الحكم فيما وقفت عليه من شروح وتعليقات على الحكم قديماً وحديثاً , فهذا البحث المتواضع هو الأول فى هذه الجانب من الحكم بفضل الله تعالى أردت من خلاله أن أكشف عن عناية ابن عطاء بالصورة البيانية من تشبيه واستعارة وكناية فى حكمه نظراً لما للتصوير البيانى من أثر فى توضيح المعنى ,وبيان المقصود , وإبراز للمعنوى فى ثوب حسى , والغيبى فى صورة مشاهدة ؛ ولأن الشيخ قد عُنى بهذه الناحية التصويرية فى حكمه , وحرص على انتقاء الألفاظ المناسبة للصورة المعروضة فأتت حكمه فى أبهى حلة , وأحسن معرض , وافقت فيها الألفاظ المعانى أتم الموافقة , وكشفت عن المقصود من المعنى أتم الكشف .
ولقد تناولت بالشرح والتحليل بعض هذه الحكم التصويرية الرائعة - فيما يبدو لى - وأشرت إلى الحكم الأخرى التى لم أتناولها بالدراسة والتحليل لمن أراد التوسع . ولعل هذا البحث يكون خطوة على هذا الطريق تتلوها خطوات , فالشيخ له جهود أخرى فى بعض كتبه التى وضعها كنبراس للسالكين , ومنها " تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس " ( ) ففيه عشرات الصور البيانية التى عرضها فى صور تمثيلية تنبع من صميم البيئة وحياة الناس – وإن لم يصغها الشيخ فى شكل حكم كما فعل هنا – ولكنها جديرة بالدراسة لما لها من أثر فى تهذيب السلوك , والزهد فى الدنيا , وتطهير النفس من شهواتها وأخلاقها الذميمة , ويحتاج إليها الدعاة كزاد لضرب الأمثال للناس , ولأجل التعليم والتوجيه فى ميادين التربية .
فابن عطاء عالم وأديب له أشعار رائعة ورقيقة فى الزهد , و فى منهج الصالحين , وهذه الموهبة الشعرية قد ساعدته فى ميدان دعوته حيث صاغ أروع العبارات التى كانت زاداً للسالكين , ونظم أجمل الأبيات التى تمثل بها الناس فى الزهد والورع , وكتب أعزب الكتابات فى طريق السالكين وكتبه المطبوعة التى سيأتى الحديث عنها فيما بعد خير شاهد على ذلك وأصدق دليل .
وقبل الشروع فى البحث أقدم للموضوع بترجمة موجزة لابن عطاء أبين من خلالها ما كان يتمتع به الشيخ من بلاغة , وملكة شعرية ,وأسلوب أدبى رائع يتلوها تعريف موجز بالحكم ,وموضوعها, وأسلوبها بشكل عام , وهى توطئة لابد منها للموضوع ونحن بصدد الحديث عن الصورة البيانية فى الحكم العطائية .
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم , وأن يرزقنا الإخلاص فى القول والعمل , والسر والعلن , وأن يعلمنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علمنا إنه سميع قريب مجيب.

دكتور/ محمد أبو العلا الحمزاوى













ترجمة موجزة لابن عطاء

اسمه ونسبه :
هو الإمام تاج الدين أبو الفضل وأبو العباس أحمد بن محمد الشاذلى بن عبد الكريم بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامى نسباً المالكى مذهباً الإسكندرى داراً الشاذلى طريقة ( )
مكانته فى عصره :
كان رحمه الله جامعاً لأنواع العلوم من تفسير , وحديث , ونحو , وأصول , وفقه , وغير ذلك ( ) وكان جده عبد الكريم فقيهاً شرح المدونة ( ) وكان رحمه الله متكلماً على طريقة أهل التصوف , واعظاً انتفع به خلق كثير , وسلكوا طريقه , وكان شاذلى الطريقة ينتمى للشيخ أبى الحسن الشاذلى , وأخذ الطريقة عن أبى العباس المرسى رحمه الله عن الشيخ أبى الحسن رحمه الله . وكان أعجوبة زمانه فى كلام التصوف .
ولقد كان الشيخ المتكلم على لسان الصوفية فى زمانه . قال الذهبى : " كانت له جلالة عجيبة ووقع فى النفوس , ومشاركة فى الفضائل , ورأيت الشيخ تاج الدين الفارقى لما رجع من مصر معظماً لوعظه وإشارته , وكان يتكلم فى الجامع الأزهر فوق كرسى بكلام يروح النفوس, ومزج كلام القوم بآثار السلف , وفنون العلم , فكثر أتباعه , وكانت عليه سيما الخير " ( ) وكلمة الإمام الذهبى هنا فى الشيخ كلمة لها وزنها حيث إن الذهبى من أصحاب العلم بالرجال والتراجم , وعلى معرفة تامة بأقدار العلماء , وما لهم وما عليهم .
ولقد قال الكمال جعفر عنه : " سمع من الأبرقوهى , وقرأ النحو على المحيى المارونى , وشارك فى الفقه والأدب , وصحب المرسى " . وقال عنه ابن الأهدل : " الشيخ العارف بالله شيخ الطريقين , وإمام الفريقين , كان فقيهاً عالماً ينكر على الصوفية , ثم جذبته العناية فصحب شيخ الشيوخ المرسى . وقال فيه أبو العباس المرسى : " لن يموت هذا الشاب حتى يكون داعياً يدعو إلى الله . فكان كما قال " ( ) وقال له أبو العباس المرسى : " أى شئ تريد أن تكون ؟ والله ليكونن لك شأن عظيم فكان من فضل الله سبحانه ما لا ننكره " ( )
ولقد كان ابن عطاء واعظاً شديد التأثير فى القلوب , وكان له معرفة تامة بكلام أهل الحقائق وله ذوق ومعرفة بكلام الصوفية وآثار السلف , وله عبارة عذبة لها وقع فى القلوب ,وكانت له مشاركة فى الفضائل , وكان الناس ينتفعون بإشارته مع وقعه فى النفوس وجلالته عند الناس .
شيوخه :
كان ابن عطاء عالماً متنوع المواهب , وصوفى صاحب ذوق وحكمة , وله شيوخ فى مختلف الفنون , ولقد قال الكمال جعفر عنه كما سبق : " سمع من الأبرقوهى , وقرأ النحو على المحيى المارونى , وشارك فى الفقه والأدب , وصحب المرسى " .
ولقد صنف ابن عطاء كتاباً فى مناقب شيخه أبى العباس المرسى, وشيخ شيخه أبى الحسن الشاذلى , وكان ابن عطاء فى أول حاله منكراً على أهل التصوف , وكان يقول عن شيخه أبى العباس : " وكنت أنا لأمره من المنكرين , وعليه من المعترضين لا لشئ سمعته منه , ولا لشئ صح نقله عنه حتى جرت بينى وبين بعض أصحابه مقاولة , وذلك قبل صحبتى إياه وقلت لذلك الرجل : ليس إلا أهل العلم الظاهر , وهؤلاء القوم يدّعون أموراً عظاماً , وظاهر الشرع يأباها ... وكان سبب اجتماعى به أن قلت فى نفسى بعد أن جرت المخاصمة بينى وبين ذلك الرجل : دعنى أذهب أرى هذا الرجل , فصاحب الحق له أمارات لا يخفى شأنه , فأتيت إلى مجلسه , فوجدته يتكلم فى الأنفاس التى أمر الشارع بها فقال : الأول : إسلام . والثانى : إيمان . والثالث : إحسان . وإن شئت قلت : الأول : عبادة . والثانى : عبودية . والثالث : عبودة . وإن شئت قلت : الأول : شريعة . والثانى : حقيقة . والثالث : تحقق . أو نحو هذا . فما زال يقول وإن شئت قلت , وإن شئت قلت إلى أن بهر عقلى , وعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض بحر إلهى , ومدد ربانى , فأذهب الله عنى ما كان عندى " ( )
وقال الشيخ جمال الدين ولد الشيخ أبى العباس المرسى : " قلت للشيخ : هم يريدون يصدرون ابن عطاء الله فى الفقه , فقال الشيخ : هم يصدرونه فى الفقه , وأنا أصدره فى التصوف " ( )
ابن عطاء عالماً وأديباً زاهداً :

كان ابن عطاء مبرزاً فى الفقه , وفى الدعوة إلى الله عز وجل , ولما دخل فى ميدان التصوف , وسار فى طريق القوم كان أيضاً من المبرزين . فهو ممن جمع بين العلمين : علم السلف , وعلم التصوف , كما جمع أيضاً علوم الأدب واللغة , فجاءت عبارته رائقة وفصيحة مما سهل على الناس فهم كلامه , ومكن له المحبة فى القلوب , وهو القائل فى حكمه : " من أذن له فى التعبير فهمت فى مسامع الخلق عبارته , وجُلّيت إليهم إشارته " ( )
وفى شرح هذه الحكمة يقول ابن عجيبة : " والحاصل أن من اجتمع فيه الحال , وفصاحة المقال فهو كمال الكمال ؛ وذلك لأنه ينتفع بكلامه بعد موته كالغزالى , والششترى , والشاذلى , والمرسى , والشيخ رضى الله عنهم , فقد عظم النفع بكلامهم , وأعظمهم المؤلف رضى الله عنه , فقد حاز قصب السبق فى التعبير , ونسخت كتبه كتب القوم , وقد شهد له شيخه بهذا المعنى فقال : والله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعياً يدعو إلى الله ... أهـ
وكلام الشيخ رضى الله عنه يدل على مـقامه , وما تخـلص التـصوف ولا تـهذب إلا على يديه , فقد قرب المدارك , وبين المسالك فى أحسن عبارة وأوجز إشارة جزاه الله عن المسلمين خيراً" ( ) ولما صنف الحكم وعرضها على شيخه أبى العباس المرسى فتأملها , وقال : " لقد أتيت يا بنى فى هذه الكراسة بمقاصد الإحياء [ للغزالى ] وزيادة " ولذلك تعشقها أرباب الذوق لما رق من معانيها وراق , وبسطوا القول فيها وشرحوها كثيراً " ( )
شعره:
ترك ابن عطاء شعراً حسناً ونظماً رقيقاً فى طريق القوم , وحول الزهد فى الدنيا , والسعى والعمل بجد للآخرة . ولقد ذكر كثيراً من شعره فى كتابه لطائف المنن , ومن ذلك قوله فى مدح العارفين , وإرشادهم للسالكين :
أمرتقب النجوم من السماء * نجوم الأرض أبهى فى الضياء
فتلك تنير وقتاً ثم تخفى * وهذى لا تكدر بالخفاء
هداية تلك فى ظلم الليالى * هداية هذه كشف الغطاء( )
وقوله فى نصب العوالم للنظر فيها والاعتبار :
ما أبينت لك العوالم إلا * لتراها بعين من لا يراها
فارق عنها رقى من ليس يرضى * حالة دون أن يرى مولاها ( )
وقوله فى مقام الرضا وأنه أتم من المحبة :
وكنت قديماً أطلب الوصل منهم * فلما أتانى العلم وارتفع الجهل
تيقنت أن العبد لا طلباً له * فإن قربوا فضل وإن بعدوا عدل
وإن أظهروا لم يظهروا غير وصفهم * وإن ستروا فالستر من أجلهم يحلو( )
وله أبيات أخرى كثيرة متفرقة فى موضوعات مختلفة , وقصيدة فى مدح شيخه أبى العباس فى ستة وثلاثين بيتاً , وقصيدة أخرى أجاب فيها على رجل مدح شيخه بأمر من شيخه فى أربعة وأربعين بيتاً , وقصيدة فى الوصية بالإيمان بالله , والتوكل عليه , والرضا بما قسمه , واللجوء إليه , وشكر نعمه فى اثنين وستين بيتاً فى آخر كتابه لطائف المنن ( ) ولقد أحصيت أشعاره فى كتابه لطائف المنن فجاءت مائة وستة وثمانين بيتاً .

أما عن أشعاره فى كتابه التنوير فى إسقاط التدبير فلقد جاءت فى مواضع متفرقة من كتابه وفى موضوعات مختلفة , منها ما ذكره فى الصبر على البلاء لأن الله هو المبتلى , وذلك عند قوله : " إنما يعينهم على حمل الأقدار ورود الأنوار" يقول :
وخفف عنى ما ألاقى من العنا * بأنك أنت المبتلى والمقدر
وما لأمرى عما قضى الله معدل * وليس له منه الذى يتخير( )
وله فى ترك عتاب الخلق , والصبر عليهم , والتوجه إلى الله قوله :
لا تشتغل بالعتب يوماً للورى * فيضيع وقتك والزمان قصير
وعلام تعتبهم وأنت مصدق * إن الأمور جرى بها المقدور
هم لم يوفوا للإله بحقه * أتريد توفية وأنت حقير ؟
فاشهد حقوقهم عليك وقم بها * واستوف منك لهم وأنت صبور
وإذا فعلت فاشهد بعين من * هو بالخفايا عالم وخبير( )

وله فى الأنس بالله قوله :
يا بهجة الحسن التى ما مثلها * من بهجة طرحت على الأكوان
لى فيك معنى ما تبدى سره * إلا ثنى طرفى ومد عنانى( )
وقد أحصيت أشعاره فى كتابه التنوير فى إسقاط التدبير فكانت أربعة وخمسين بيتاً .

أما الأبيات التى ذكرها فى كتابه " القصد المجرد فى معرفة الاسم المفرد " فليست له , ولكنه نقلها عن غيره من الشعراء والزهاد فى المقامات المختلفة. أما بالنسبة لكتابه " تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس " فليس له فيه شئ من الشعر , وإنما أكثر فيه من ضرب الأمثال الرائعة للنفس البشرية فى حال إدبارها عن الله وانكبابها على الدنيا , وللقلب فى حال نورانيته وإقباله على الله , وفى حال إظلامه وإدباره عن طريق الله , كما ضرب بعض الأمثال للتدبير والمدبرين مع الله , وأمثلة للرزق وضمانه من الحق تعالى فى آخر كتابه التنوير فى إسقاط التدبير, وهى أمثال تصويرية رائعة جديرة بالبحث والدراسة كما سبق( )

أما عن كتابه " مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح " , وهو الكتاب الذى ألفه فى الذكر , وفضله وأنواعه , وآدابه , فلقد نقل فيه أبياتاً من الشعر لغيره من الشعراء والزهاد ( ) , وليس له فيه شئ من الشعر إلا فى موضع واحد فى فصل : إقامة الدليل على أن الله واحد لا شريك له عقلاً ونقلاً حيث يقول :
سماء وأرض وشُمّ الجبا * ل كذاك البحار له شاهد
وعجز جميع الورى عن أقل * أقل ذباب له عابد
وفى كل شئ له آية * تدل على أنه واحد ( )
وبيته الأخير من الشهرة بمكان , ويردده الناس عند الحديث عن وحدانية الله , ودلائل قدرته وإبداعه فى الخلق .

ونظرة سريعة إلى ما سبق من شعر ابن عطاء يتضح لنا ما كان يتمتع به من ذوق مرهف , ونزعة صوفية ظاهرة يعلوها مسحة من الأدب . وشعره فى الزهد , والرغبة فى الآخرة , والتحذير من الدنيا شعر عذب رقيق نابع من نفس ذاقت طعم الزهد , ووجدت حلاوة الإيمان وذلك لأنه خرج من نفس صادقة مخلصة مع ما توفر له من سبل العلم , والاطلاع , والتدريس , والدعوة إلى الله . ومن هنا كان لشعره أثر فى نفوس الناس , ولعبارته صدى فى حياة الزاهدين السالكين , وسارت حكمه بين الناس مسرى الأمثال , وتناقلها الناس فى كل مكان وزمان , وأفاد منها الأدباء , والعــلماء , والزهاد ؛ وذلك نــظراً لصفاء عــباراتها , وما تضمــنته من الإيـجاز , والتصوير الدقيق , واللفظ العذب الرقيق , وما اشتملت عليه من علوم أهل الطريق فى السلوك والزهد , كما وضع عليها من الشروح القديمة والحديث بالعربية ( ) , والتركية والمالوية ( ) , ووضع عليها العلماء أكثر من نظم ( ) بما يتناسب مع مكانتها , وما هى جديرة به , بل وترجمت إلى عدد من اللغات ( ) كما خرج بعض العلماء أحاديث بعض شروحها ( )

الحكم وموضوعها :
وضع ابن عطاء هذه الحكم الرائعة , وعددها مائتان وأربع وستون حكمة ( ) لإيضاح طريق العارفين الموحدين , وبيان منهج السالكين المتجردين , وكما يقول ابن عبّاد النفزى عنها : " من أفضل ما صنف فى علم التوحيد , وأجل ما اعتمده بالتفهم والتحفظ كل سالك ومريد ..." ( )
وقد ذكر ابن عجيبة أن حكم ابن عطاء مضمنة من علوم القوم ( ) أربعة " الأول : علم التذكير والوعظ , وقد حاز منه أوفر نصيب ... , والثانى : تصفية الأعمال , وتصحيح الأحوال بتجلية الباطن بالأخلاق المحمودة , وتطهيره من الأوصاف المذمومة , وقد حاز منها جملة صالحة ... , والثالث : تحقيق الأحوال والمقامات , وأحكام الأذواق والمنازلات , وهذا النوع من أكثر ما وقع فيه ... , والرابع : المعارف والعلوم الإلهامية , وفيه منها ما لا يخفى لكن كتبه ملئت بشرحها لا سيما التنوير , ولطائف المنن اللذان هما كالشرح لجملة هذا الكتاب , وبالجملة فهو جامع لما فى كتب الصوفية المطولة والمختصرة مع زيادة البيان , واختصار الألفاظ , والمسلك الذى سلك فيه مسلك توحيدى لا يسع أحد إنكاره ولا الطعن فيه , ولا يدع للمعتنى به صفة حميدة إلا كساه إياها , ولا صفة ذميمة إلا أزالها عنه بإذن الله "( )

ولذلك لما عرض ابن عطاء الحكم على شيخه أبى العباس المرسى فتأملها وقال له :" لقد أتيت يا بنى فى هذه الكراسة بمقاصد الإحياء[ للغزالى ] وزيادة " ( ) فابن عطاء الله قد بين بهذه الحكم طريق القوم مع الإيجاز فى العبارة , والوضوح فى المعنى , وحسن الديباجة , وروعة التصوير فلله دره!

أسلوب الحكم :
تميز أسلوب ابن عطاء فى هذه الحكم بالفصاحة والبلاغة , والدقة والبراعة , وحسن الصياغة , وجميل العبارة مع الإيجاز الجامع , والاختصار النافع , والتصوير الدقيق الرائع. ومن هنا فلقد لاقت حكمه من الذيوع والانتشار ما لم ينله كلام غيره من كبار السالكين. ومما تميزت به الحكم :

أولاً : الإيجاز : وأقصد بالإيجاز هنا ما يكون بإيضاح المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ ( ) , وهو الإيجاز الذى يكون بما زاد معناه عن لفظه , وهو إيجاز القصر( ) عند البلاغيين . وهذا القسم من الإيجاز التنبه له عسر لأنه يحتاج إلى فضل تأمل , وطول فكرة لخفاء ما يستدل عليه , ولا يستنبط ذلك إلا من رست قدمه فى ممارسة علم البيان , وصار له خليقة وملكة كما يقول ابن الأثير ( ) فمن هذا الإيجاز ما ذكره ابن عطاء فى الحكمة الثانية والخمسين حيث يقول : " إنما أورد عليك الوارد لتكون عليه وارداً " ( ) وقوله فى الحكمة الثامنة والثمانين : " العطاء من الخلق حرمان , والمنع من الله إحسان " ( ) , وغير ذلك من الحكم الرائعة المشتملة على الإيجاز الدقيق ( )

ثانياً : الاقتباس ( ) من القرآن والسنة :
ومن مواضع الاقتباس من القرآن ما ذكره فى الحكمة العشرين حيث يقول:" ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشـف لها إلا ونادته هـــواتف الحقـيقة الذى تطـــلب أمـامك , ولا تبرجت ظـواهر

الـمكونات إلا ونادته حـقائقها إنما    [ البقرة : 102 ] ( ) , وقوله فى الحكمة الثالثة والثلاثين : " الحق ليس بمحجوب , وإنما المحجوب أنت عن النظر إليه ؛ إذ لو حجبه شئ لستره ما حجبه , ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر , وكل حاصر لشئ فهو له قاهر     ... [ الأنعام : 18 ] ( ) , وقوله فى الحكمة الثامنة والستين : " قوم أقامهم الحق لخدمته , وقوم اختصهم بمحبته             • [ الإسراء : 20 ] ( ) , وقوله فى الحكمة السابعة والسبعين بعد المائة : " إن أردت ورود المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك    ... [ التوبة : 60 ] ( ) ويلاحظ هنا أن ابن عطاء فى بعض حكمه كان يقتبس بعض الآية كما فى الحكمة العشرين , والحكمة الثالثة والثلاثين , والحكمة السابعة والسبعين بعد المائة , أو يقتبس الآية كاملة كما فى الحكمة الثامنة والستين ( )

أما عن الاقتباس من الحديث : فقد جاء فى الحكمة مائة وخمس وتسعين حيث يقول : " علم قلة نهوض العباد إلى معاملته فأوجب عليهم طاعته فساقهم إليه بسلاسل الإيجاب " عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل " ( )

ثالثاً : التصوير الدقيق : والتصوير هو موضوع هذا البحث , وسأشير هنا فى عجالة إلى بعض الحكم المشتملة على التصوير البيانى من تشبيه , واستعارة , وكناية . فمن التشبيه : قوله فى الحكمة الثانية والأربعين " لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والمكان الذى ارتحل إليه هو الذى ارتحل عنه , ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون " ( ) ومن الاستعارة : قوله فى الحكمة الثانية عشرة : " ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة " ( )
ومن الكناية : قوله فى الحكمة مائة وثلاث عشرة : " وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به , وإلا فجل ربنا أن يتصل به شئ , أو يتصل هو بشئ " ( )
وسيأتى الحديث عن التصوير فى الحكم فيما بعد إن شاء الله .

رابعاً : الاشتمال على السجع والتوازن , مع صفاء العبارة ورقتها , والبعد عن التكلف : والسجع ميدان فسيح صال وجال فيه كثير من الكتاب والأدباء , فمنهم من أحسن وأجاد , ومنهم من أساء وتكلف . وابن عطاء جاء سجعه فى الحكم من السجع الرقيق البديع غير المتكلف , ومنه ما قصرت فقراته وتساوت ( ) , وما طالت فيه الفقرة الثانية ثم الثالثة ( ) وكذلك التوازن ( ) جاء فى بعض الحكم , وكل ذلك يدل على ما أولاه ابن عطاء لحكمه من عناية , ودقة فى اختيار العبارة , وانتقاء الألفاظ المعبرة الملائمة .

فمن السجع القصير : قوله فى الحكمة التاسعة :" تنوعت أجناس الأعمال لتنوع واردات الأحوال" وقوله فى الحكمة الثامنة والثمانين : " العطاء من الخلق حرمان , والمنع من الله إحسان " وفى الحكمة التاسعة بعد المائة : " لا تطالب ربك بتأخر مطلبك , ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك "وفى الحكمة أربع وأربعين ومائة : " الأكوان ثابتة بإثباته , وممحوة بأحدية ذاته " , وفى الحكمة مائتين وأربع وعشرين : " ما تجده القلوب من الهموم والأحزان , فلأجل ما منعته من وجود العيان " , وفى الحكمة ست وأربعين ومائتين : " إنما وسعك الكون من حيث جثمانيتك , ولم يسعك من حيث ثبوت روحانيتك " وهنا تساوت الفقرتان , وهذا من السجع الحسن المعتدل لتساوى الفقرات فيه . ويلاحظ على هذه الحكم ملائمة الألفاظ لمعانيها , وتلاحمها مع قوافيها .
ومن السجع الحسن المعتدل الذى طالت فيه الفقرة الثانية عن الأولى : قوله فى الحكمة الحادية والعشرين : " ما من نفس تبديه , إلا وله قدر فيك يمضيه " . ومن ذلك قوله فى الحكمة السادسة والتسعين : " معصية أورثت ذلاً وافتقاراً, خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً " , وفى الحكمة الثالثة بعد المائة : " العارف لا يزول اضطراره , ولا يكون مع غير الله قراره " , وفى الحكمة مائة وثلاث عشرة : " ورود الإمداد بحسب الاستعداد , وشروق الأنوار على حسب صفاء الأسرار " , وفى الحكمة مائة وتسع وعشرين : " ما طلب لك شئ مثل الاضطرار , ولا أسرع بالمواهب إليك مثل الذلة والافتقار " , وفى الحكمة ست وسبعين ومائة : " ربما رزق الكرامة من لم تكمل له الاستقامة " وهذه الحكم كما يلاحظ مما طالت فيه الفقرة الثانية عن الأولى , والسجع فيها من أحسن أنواع السجع .

ومن السجع الطويل : قوله فى الحكمة الثانية : " إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك فى الأسباب من الشهوة الخفية , وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك فى التجريد انحطاط عن الهمة العلية " , وفى الحكمة السادسة : " لا يكن أمر العطاء تأخر أمد العطاء مع الإلحاح فى الدعاء موجباً ليأسك , فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك, وفى الوقت الذى يريد لا فى الوقت الذى تريد " .
ومن التوازن : قوله فى الحكمة الخامسة والأربعين : " ما قل عمل برز من قلب زاهد , ولا كثر عمل برز من قلب راغب " والتوازن هنا بين العبارتين فى الوزن دون التقفية . وفى الحكمة الثانية عشرة ومائتين : " لا يزيد فى عزه إقبال من أقبل , ولا ينقص من عزه إدبار من أدبر " وكما يلاحظ أن بعض هذه الحكم قد ترشح بلون آخر من ألوان البديع كالمقابلة فى الحكمتين الأخيرتين , وغيرهما من الحكم السابقة , وذلك مما يكسو السجع بلاغة ورونقاً وبهاءً . وهذه الحكم وغيرها إن دلت على شئ فإنما تدل على مدى عناية ابن عطاء بألفاظ الحكم وتنضيدها , مع حسن اختياره للفواصل والعبارات , مع ما ترشحت به الحكم السابقة وغيرها من فنون البديع المعنوى واللفظى كالطباق , والمقابلة , والجناس , وغير ذلك من المحسنات اللفظية التى يضيق المقام هنا عن ذكرها لأنها ليست من مقصود البحث . وإنما أشير هنا إلى أبرز خصائص الأسلوب فى إيجاز ( )
مؤلفاته : ترك ابن عطاء الله مؤلفات كثيرة ومتداولة سار بذكرها الركبان , منها ما كتبه فى الفقه , ومنها ما كتبه فى التصوف وتهذيب النفس , وهذه المؤلفات منها ما هو مطبوع , ومنها ما هو مخطوط , ومنها ما هو مفقود , وهى كالتالى :
1- أنس العروس (مخطوط فى التصوف ) .
2- أصول مقدمات الوصول.
3- تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس فى الوصايا والعظات ( مطبوع ) .
4- التنوير فى إسقاط التدبير ( مطبوع ) .
5- الحكم العطائية على لسان أهل الطريقة ( مطبوع )
6- الطريق الجادة فى نيل السعادة .
7- عنوان التوفيق فى آداب الطريق شرح قصيدة أبى مدين ( ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا ) .
8- القول المجرد فى معرفة الاسم المفرد ( مطبوع )
9- كيفية السلوك .
10- لطائف المنن فى مناقب الشيخ أبى العباس والشيخ أبى الحسن ( مطبوع ) .
11- مختصر تهذيب المدونة للبرادعى فى الفقه .
12- المرقى إلى القدير الأبقى .
13- مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح فى ذكر الكريم الفتاح ( مطبوع ) ( )
وفاته : توفى رحمه الله كهلاً بالمدرسة المنصورية بالقاهرة فى نصف جمادى الأولى سنة تسع وسبعمائة (709) هـ (3) (1309) م , ودفن بمقبرة المقطم بزاويته التى كان يتعبد فيها بالقرافة , وكانت جنازته حافلة رحمه الله .

الفصل الأول: علم البيان ومباحثه

علم البيـان : ذكر البلاغيون أن علم البيان: " علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه "( ) وهذا التعريف الذي استقر عليه علم البيان . والسكاكي هو صاحب التعريف السابق ( ) وكما هو معلوم أن أبواب البيان تنحصر في التشبيه , والمجاز , والكناية " وعن هذا الحصر يقول الخطيب : " ثم اللفظ المراد به لازم ما وضع له إن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له فهو مجاز ، وإلا فهو كناية . ثم المجاز منه الاستعارة ، وهي ما تبنى على التشبيه … فانحصر المقصود في التشبيه والمجاز والكناية ، وقدَّم التشبيه على المجاز لما ذكرنا من ابتناء الاستعارة التي هي مجاز على التشبيه ، وقدَّم الكناية لنزول معناه من معناها منزلة الجزء من الكل "( ) وسأتحدث هنا فى هذه العجالة عن أبرز معالم التشبيه , والاستعارة , والكناية . أما بالنسبة للمجاز المرسل فهو - وإن كان من أقسام المجاز اللغوى – إلا أن ابن عطاء لم يوله عنايته كما فعل بالنسبة للقسم الثانى من المجاز اللغوى وهو الاستعارة .

التشبيـه : التشبيه قي اللغة : التمثيل يقال : شبه إياه : مثله ، والشَّبَه والشّبْه والشَّبِيه كالمثَل والمِثْل والمَثيل وزناً ومعنى ، والمتشابهات : المتماثلات ( )
وفي الاصطلاح : " الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى " ( ) وهذا هو تعريف الخطيب ، وذكر الأستاذ الدكتور / محمود شيخون أن تعريف التشبيه في اصطلاح البيانيين إلحاق أمر بأمر في صفة مشتركة بينهما بأداة ملفوظة أو ملحوظة لغرض يقصده المتكلم ( )
مباحث التشبيـه :
وهي : (1) مبحث الطرفين (2) مبحث وجه الشبه (3) مبحث الأداة (4) مبحث الأغراض
وسأركز هنا على الحديث على مبحث الطرفين , ووجه الشبه فقط من هذه المباحث نظراً لصلتهما بموضوع البحث , وللاختصار فيما لا يحتاج البحث إليه حيث إننا لسنا بصدد البحث فى موضوع التشبيه من الناحية البلاغية والاصطلاحية , وإنما نأخذ من مباحث الفن ما يخدم الموضوع والغرض هنا لأننا سنحتاج إليه بعد ذلك عند الحديث عن الصورة التشبيهية فى الحكم .
أولاً :مبحث الطرفين : والطرفان هما المشبه والمشبه به ، وهما الركنان الأساسيان فيه ، ولا يقال تشبيه إلا إذا كانـا فيه وقد يحذف المشبه للعلم به ولكنه ملحوظ في التقدير كالملفوظ فإذا سئلت " كيف على " ؟ قلت كالأسد شجاعةً فإن التقدير " هو كالأسـد شجاعة " فترى المشبه غائباً حاضراً " ( )

ثانياً : مبحث وجه الشبه :

ووجه الشبه : " هو المعنى الذي يشترك فيه الطرفان تحقيقاً أو تخييلاً ، والمراد بالتخييل ألا يمكن وجوده في المشبه به إلا على تأويل ) ( ) وللتشبيه باعتباره ثلاثة تقسيمات أكتفي بذكر أهمها وهو الذي عُنِي به الطاهر في تفسيره .

تقسيم التشبيه باعتباره الوجه إلى تمثيل وغير تمثيل:

صاحب هذا التقسيم هو الإمام عبد القاهر الجرجاني حيث فرق بين التشبيه والتمثيل ، وكان يرى كغيره من الباحثين أن التشبيه عام والتمثيل أخص منه فكل تمثيل عندهم تشبيه ، وليس كل تشبيه تمثيلاً " ( ) وتلاه السكاكي ثم الخطيب القزويني وهؤلاء الثلاثة كانت لهم أياد بيضاء على هذا الفن الجميل ، فقد عنوا عناية تامة بدراسته وإظهار محاسنه والكشف عن لطائفه وأسراره ( ) وسأكتفى هنا أيضاً برأى الخطيب القزوينى حيث إنه قد شاع وانتشر فى ميدان البحث البلاغى أخيراً .
ولقد قسم الخطيب التشبيه من حيث وجه الشبه إلى تشبيه تمثيلي وغير تمثيلي .فالتمثيلي : "ما كان وجه الشبه فيه وصفاً منتزعاً من متعدد أمرين أو أمور . وهذا يتحقق في كل تشبيه يكون وجه الشبه فيه هيئة منتزعة من متعدد سواء أكان ذلك الوجه حسياً أم عقلياً .
وغير التمثيلي : ما كان وجه الشبه فيه على خلاف ذلك ، وهذا يتحقق في كل تشبيه يكون وجه الشبه فيه مفرداً سواء أكان الوجه حسياً أم عقلياً "
الاستعارة :
عرفت الاستعارة بتعاريف كثيرة عبر تاريخها الطويل( ) ، والتعريف الذي اشتهر عند المتأخرين من البيانيين أنها : " استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي " ( )

أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين ( ) :
تنقسم الاستعارة باعتبار الطرفين إلى : تصريحية ، ومكنية . فالتصريحية : ما صُرَّح فيها بلفظ المشبه به دون المشبه نحو " أسد " في قولك : " عندي أسد يرمى " فإن كان اللفظ المستعار فيها اسم جنس غير مشتق سواء كان اسم ذات كأسد ، أم اسم معنى كالقتل للإذلال ، وسواء أكان اسم جنس حقيقة ، أم تأويلاً في الأعلام التي اشتهرت بنوع من الوصف كحاتم في قولك : " رأيت اليوم حاتماً " تريد رجلاً كامل الجود . إن كان شيء مما سبق كانت تصريحية أصلية وإن كان اللفظ المستعار فيها فعلاً أو حرفاً ذا معنى أو صفة مشتقة كانت تصريحية تبعية .

والمكنية : هي التي اختفي فيها لفظ المشبه به ، واكتفي بذكر شيء من لوازمه دليلاً عليه
وبقى المشبه كقول أبي ذؤيب الهذلي :
وإذا المنية أنشبت أظـــفارها ألفيت كل تميمة لا تنــــفع
ففي البيت استعارة مكنية ، في لفظ " المنية " حيث شبه الشاعر المنية بالسبع ثم حذف السبع ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الأظفار والقرينة هي إثبات الأظفار للمنية .
وقد يسمون الاستعارة بالكناية " التشبيه المضمر " لأن التشبيه يضمر في النفس ، فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه ، ويدل على ذلك التشبيه المضمر في النفس بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ، من غير أن يكون هناك أمر متحقق حساً أو عقلاً ، يطلق عليه اسم ذلك الأمر . فيسمى التشبيه المضمر في النفس"استعارة بالكناية " وسميت بذلك لأنه لم يُصرح به ، بل إنما دل عليه بذكر خواصه ولوازمه"( )
وإثبات اللازم في الاستعارة المكنية يسمى " استعارة تخيلية " وهي قرينة المكنية ، وسميت تخيلية لأن إثباته للمشبه خيَّل اتحاده مع المشبه به فذلك اللازم حقيقة أي مستعمل فيما وضع له . لظهور أن المراد بالأظفار في قولنا : " أظفار المنية نشبت بالأعداء " حقيقتها ، وإنما التجوز في إثباتها للمنية ، بمعنى أن ذلك الإثبات إثبات الشيء لغير ما هو له ، فليست التخيلية عند الجمهور من المجاز بمعنى الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، بل هي مجاز عقلي ، والمكنية والتخيلية متلازمتان عند جمهور البلاغيين فالمكنية قرينتها تخيلية "( ) ( ) والاستعارة تنقسم من حيث الإفراد والتركيب إلى مفردة , ومركبة . فالمفردة : ما كان اللفظ المستعار فيها لفظاً مفرداً كما هو الشأن فى الاستعارة التصريحية والمكنية اللتين سبق الحديث عنهما . أما المركبة : ما كان اللفظ المستعار فيها تركيباً , وهذا النوع من الاستعارة يطلق عليه البلاغيون اسم " الاستعارة التمثيلية " وهم يعرفونها بأنها " تركيب استعمل فى غير ما وضع لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلى " ومن أمثلتها من القرآن : قوله تعالى : (     •               ( [ الزمر : 67 ] ففى هذه الآية الكريمة تمثيلان : الأول : شبه الأرض وهى تحت تصرف المولى سبحانه ورهن إرادته بالشئ يكون فى قبضة الممسك به , فهو متمكن منه يصرفه كيف شاء , ثم حذف المشبه واستعير المشبه به للمشبه . والثانى : شبه السماوات وهى تحت تصرفه وطوع مشيئته بالشئ المطوى ( كالكتاب مثلاً ) فى يمين منقاد له فهو يطويه وينشره كلما شاء , وخص اليمين لأنها أشرف اليدين وأقواهما , ثم حذف المشبه واستعير المشبه به للمشبه ( )
أما عن الكناية( ):
عرف الخطيب الكناية بأنها " لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه حينئذ " ( )
كقولك : " فلان طويل النَّجاد " أى طويل القامة ، و" فلانة نؤوم الضحى " أى مرفهة مخدومة غير محتاجة إلى السعى بنفسها في إصلاح المهمات … ولا يمتنع أن يراد مع ذلك طول النجاد والنوم في الضحى من غير تأويل "
وعن بلاغتها يقول الإمام عبد القاهر : " قد أجمع الجميع على أن " الكناية " أبلغ من الإفصاح ، والتعريض أوقع من التصريح …" ( )
أقسامها :
هناك تقسيمان مشهوران للكناية :
الأول : تقسيم باعتبار المطلوب بالكناية وهى تتمثل في أن المكنى عنه قد يكون صفة ، وقد يكون موصوف ، وقد يكون نسبة .
الثاني : تقسيم باعتبار الوسائط ، وقسمها السكاكى بهذا الاعتبار إلى تعريض ، وتلويح ، ورمز، وإيماء ، وإشارة ( )

التقسيم الأول :
1- الكناية المطلوب بها صفة : وهى التي يطلب بها صفة من الصفات المعنوية وهي ضر بان : قريبة ، وبعيدة، والقريبة تنقسم إلى واضحة , وخفية :
أ- فالقريبة الواضحة : ما ينتقل منها إلى المطلوب بها لا بواسطة كقولهم : كناية عن طويل القامة : " طويل نجاده " " وطويل النجاد "
ب- والقريبة الخفية : هي التى ينتقل فيها إلى المطلوب من أقرب لوازمه إليه من غير واسطة مع تأمل وإعمال فكر وروية لخفاء التلازم بين المعنى الحقيقي والمعنى الكنائي . كقولهم كناية عن الأبله : " عريض القفا " فإن عرض القفا وعظم الرأس إذا أفرط – فيما يقال – دليل الغباوة .
ب- البعيدة : وهي التي يكون الانتقال فيها من المعنى الحقيقي إلى المعنى الكنائي بواسطة واحدة أو أكثر . كقولنا " كثير الرماد " فتنتقل من كثرة الرماد إلى كثرة الجمر ، ومن كثرة الجمر إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ، ومن كثرة إحراق الحطب إلى كثرة الطبائخ ، ومن كثرة الطبائخ إلى كثرة الأكلة ، ومن كثرة الأكلة إلى كثرة الضيفان ، ثم من كثرة الضيفان إلى أنه جواد كريم " ( )
- الكناية المطلوب بها موصوف : وهى التى يطلب بها نفس الموصوف , والشرط هنا أن تكون الكناية مختصة بالمكنى عنه لا تتعداه ؛ وذلك ليحصل الانتقال منها إليه .
وهي ضربان : القريبة ، والبعيدة .
أ- القريبة : وهي أن يتفق فى صفة من الصفات من اختصاص بموصوف معين عارض فتذكرها متوصلاً بها إلى ذكر الموصوف . كقول الشاعر :
الضاربين بكل أبيض مخذم والطـاعنين مجامع الأضغان ( )
فقد كني بمجامع الأضغان عن القلب
ب. البعيدة : وهي أن يتكلف المتكلم اختصاصها بأن يضم إلى لازم لازماً وآخر حتى يلفق مجموعاً وصفياً مانعاً من دخول كل ما عدا مقصودة . ( )
- أما عن القسم الثالث من أقسام الكناية باعتبار المطلوب بها وهو " الكناية التي يتطلب بها تخصيص الصفة بالموصوف ، وهي التي يسمونها " كناية النسبة " ويراد بها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه ( )

الفصل الثانى : التشبيه فى حكم ابن عطاء
استخدم ابن عطاء التشبيه فى مواضع كثيرة من حكمه نظراً لما للصورة التشبيهية من أثر فى إبراز المعنوى فى صورة محسوسة , وقد أبدع وأجاد فى اختيار أجزاء الصورة التشبيهية فى حكمه .
ومن ذلك ما ذكره فى الحكمة مائة وأربع وخمسين حيث يقول : " ربما وقفت القلوب مع الأنوار , كما حجبت النفوس بكثائف الأغيار " وهذه الصورة التشبيهية يهدف الشيخ من ورائها إلى بيان أن السالكين إلى الله يعترضهم فى طريق سلوكهم عقبات وصعاب منها ما هو ظاهر جلى , ومنها ما هو دقيق خفى , وهذه العقبات والصعاب إنما تعترض طريق القلب لأنه أساس الصلاح والتوجه إلى الله , وذلك لتمنعه من الوصول إلى مرضاة رب العالمين , ولقد عبر عن هذه المقامات التى تقف القلوب عندها بـ " الأنوار " وهو تعبير دقيق حيث إنه يقصد بـ " الأنوار " التى تقف القلوب عندها العلوم , والمعارف , والمقامات التى تنكشف للسائرين إلى الله فى طريقهم .
فقد تتحول هذه الأنوار إلى غاية فى ذاتها بدلاً من أن تكون وسيلة إلى غاية أكبر , وهى الوصول إلى رضوان الله , أو يقف القلب والعقل عندها دون أن يتطلع العبد إلى المقامات الأسمى والأعلى . ومن هنا تتحول هذه المقامات , والعلوم , والمعارف إلى حجاب من الحجب يمنع السالك من الوصول بدلاً من أن تكون زاداً يساعده على الوصول .والتعبير بـ " الأنوار " هنا مما يناسب الصورة التشبيهية تمام المناسبة ؛ لأنه قد جرت العادة أن يشبه الهدى والعلم والصلاح بـ" النور " , وأن يشبه الضلال , والجهل , والفساد بـ " الظلمات " , وذلك ما جرى عليه التصوير القرآنى فى مواضع كثيرة ( )
فلما كانت هذه العلوم والمعارف مبينة للحق كاشفة له شبهت بـ " النور " الذى يضئ الطريق للسالك فيسير على هدى دون أن تعثر قدمه أو تزل , ولقد شبه الشيخ هذه الحجب النورانية بحجب النفوس بالأغيار التى يقصد بها هنا ما ظهر من بهجة الدنيا وزخرفها وغرورها , وهى التى أشار إليها الحق عز وجل بقوله :  ••                         [ آل عمران : 14 ] ويدخل فيها ما يلائمها من حب الجاه , والرياسة , وحب المدح , والتعظيم , وغير ذلك من شهواتها وعوائدها , وهى التى حجبت جل الناس وساقتهم إلى الخيبة والإفلاس .
والتشبيه هنا تشبيه دقيق مبرز لأثر هذه الأنوار فى حجب القلوب ؛ لأن المشبه به مشارك للمشبه فى الحجب عن الله تعالى لكن حجب النفس بالأغيار أشد لأنها ظلمة أشد حجاباً من النور , فالقلوب نورانية حجبت بالنور , والنفوس ظلمانية حجبت بالظلمة . ومعلوم كيف تؤثر هذه الأغيار فى نفوس الناس فتصرفهم عن طريق الهدى والرشاد فيركبون متن عمياء , ويخبطون خبط عشواء , ولكن الشيخ فى هذا التشبيه احترس بـ " إنما " لأن هذه النتيجة ليست قاطعة , فربما انطلقت القلوب وتجاوزت هذه الأنوار كما لم تحجب النفوس بكثائف الاغيار , وهذا هو عكس لصورة التشبيه التى ذكرها الشيخ .
ومن جمال التشبيه فى هذه الحكمة : التعبير بـ " كثائف الأغيار " فى المشبه به , فالكثافة تفيد الغلظة والكثرة فى الشئ مع الالتفاف والتراكب ( ) وهو ما يناسب هذه الشهوات الحسية على اختلافها وتنوعها , كما أن وصفها بالكثافة لأنها لا تزول إلا بمعاناة ومشقة ( )
وفى الحكمة مائة وسبع وثمانين يقول : " العبارات قوت لعائلة المستمعين , وليس لك إلا ما أنت آكل " وفى هذه الحكمة الرائعة اتجه الشيخ إلى استعمال التشبيه البليغ ( ) محذوف الوجه والأداة , حيث أراد أن يبين أن السالكين إلى الله عز وجل يتفاوتون فى المنازل والمقامات , وفى الفهم والإدراك للعلوم والمعارف . فكما أن قوت الأطفال وأكلهم غير أكل الكبار فكذلك أفهام الناس وإدراكهم للعلوم والمعارف يتفاوت حسب منازلهم , ودرجاتهم , واستعدادهم . وكما أن الآكل لا يستطيع أن يأكل إلا ما يناسبه ويناسب طبيعته واستعداده فكذلك السالك يأخذ من العلوم والمعارف على قدر فكره واستعداده .
وما أروع تشبيهه للعبارات بـ " القوت للعائلة " . فالعائل : هو الفقير , والعائلة جمع له . وعبارات العارفين قوت لقلوب وفقراء الطالبين , وكما أن الآكل يأكل على قدر استعداده حتى يشبع بما يناسبه , فكذلك السالك يأخذ من عبارات العارف بما يتناسب مع فهمه واستعداده . فأكل الصغير لا يشبع الكبير , وأكل الكبير فوق طاقة الصغير , وكذلك كل سالك يأخذ بقدر علمه , وكما أن الصغير إذا أكل أكل الكبير غص فى حلقه ووقف , وإذا أكل الكبير طعام الصغير لا يشبع كذلك بعض العبارات قد تكون فتنة على بعض من لم يفهمها , أو يكون المقام فوق إمكانه واستعداده , فيكون ذلك وبالاً عليه بدلاً من أن يكون منفعة له .
وهذا التشبيه من وجوه جماله : الارتباط بين حال الجائع الفقير المحتاج , وحال السالك الطالب للهدى والرشاد . فكل منهما محتاج , هذا إلى قوت روحه وفكره وعقله وقلبه , وهذا إلى قوت بدنه وجسده .
والتعبير بـ " القوت " هنا أيضا تعبير دقيق حيث يشير إلى شدة العوز والحاجة والفاقة . وفى هذا التشبيه بين الشيخ أثر العلم وأقوال العلماء ومواعظهم فى السالكين , وتشبيه ذلك بحاجة الجائعين إلى الطعام , فكما أن الطعام قوام الأبدان , فالعلوم والمعارف قوام الأرواح والأديان . وفى هذا أدق بيان لأهمية العلم , ومراعاة أحوال طلابه , واختلاف قدراتهم واستعدادهم للتلقى . فالعلوم والمعارف هى الغذاء الروحى الحقيقي لأهل العلم , والجهل موت معنوى.
ورحم الله من قال : ففز بعلم تعش حياً به أبداً * الناس موتى وأهل العلم أحياء
ورحم الله الإمام أحمد حين قال : " الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأن الطعام والشراب يحتاج إليه فى اليوم مرة أو مرتين , والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس , وقد قال تعالى :       ... [ الرعد : 17 ] ( )
وتأمل فى هذه الإضافة التى جاءت فى المشبه به فى قوله : " قوت لعائلة المستمعين " فهذه الإضافة للبيان , أى هى من حيث معناها قوت لأرواح العائلة وهم المستمعون المحتاجون إلى ما يلقى إليهم من المواعظ والحكم , كما أن الطعمة الحسية قوت لأبدان المحتاجين , وكما أن الأقوات الحسية مختلفة فلا يصلح للواحد منها ما يصلح للآخر لاختلاف طبائعهم وأمزجتهم , كذلك الأقوات المعنوية التى تفهم من العبارات مختلفة فلا يصلح للواحد منها ما يصلح للآخر لاختلاف مذاهبهم وتباين مطالبهم , فقد تلقى العبارة على جماعة فيفهم كل واحد منها ما لا يفهمه الأخر , وقد يفهم بعضهم من الكلام الذى يسمعه معنى لا يقصده المتكلم , ويتأثر باطنه بذلك تأثراً عجيباً , وربما فهم منه ضد ما قصده المتكلم به ( ) وهو ما عبر عن الشيخ بقوله : " وليس لك إلا ما أنت له آكل " وهذه الصورة التشبيهية الدقيقة قد صورت هذا المعنى أدق تصوير , ونقلته من المعقول إلى المحسوس فى أحسن معرض , وأوضح بيان . فلله در الشيخ !
وفى الحكمة مائتين وخمس وأربعين يقول : " جعلك فى العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته , وأنك جوهرة تنطوى عليك أصداف مكوناته " فى هذه الحكمة يشير الشيخ إلى ما منحه الحق سبحانه للإنسان من ميزة تميز بها من سائر المخلوقات علويها وسفلها , فلقد كرمه الله , وسخر له الأرض بما فيها , وجعله خليفة ليقوم بعبادته وفق ما أمر , ولأجل هذا التكريم والتخصيص فضله بطبيعة مختلفة , وميزه بميزة يخالف بها سائر المخلوقات , فجعله بين عالم الملك وهو عالم الشهادة والحس , وعالم الملكوت وهو عالم الغيب .
وركب فيه بعض الخصائص من العالم الأول , وبعض الخصائص من العالم الثانى , ففيه من عالم الملك والحس الطبيعة البشرية الجثمانية , وما يدخل تحتها من شهوات الدنيا , وفيه من العالم الثانى الطبيعة الملائكية وما يدخل تحتها من رقى الروح وتجردها لله عز وجل . ففيه ما ليس فى الملائكة من عالم الملك , وفيه ما ليس فى سائر المخلوقات من عالم الملكوت . وقد يرقى فى عالم الملكوت فيكون أفضل من بعض الملائكة , وقد يهــبط ويــنحدر فى عالم الملك فتــكون بــعض المـخلوقات الأخرى أفضل منه حين ينغمس فى الشهوات والأهواء الدنيا . " فالإنسان بما سبق نسخة من العوالم فيه من صفات الملائكة العقل والمعرفة والعبادة,ومن صفات الشياطين الإغواء والتمرد والطغيان , ومن صفات الحيوانات أنه فى حالة الغضب يكون أسداً , وفى حال غلبة الشهوة يكون خنزيراً لا يبالى أين يلقى نفسه , وفى حالة الحرص على الدنيا والشره كلباً , وفى الاحتيال والخداع يكون ذئباً , ومن صفات النبات والأشجار أنه يكون فى مبدئه غصناً طرياً مترعرعاً , وفى آخره يابساً أسوداً , ومن صفات السماء أنه محل الأسرار والأنوار , ومجمع الملائكة , ومن صفات الأرض أنه محل لنبات الأخلاق والطباع , ومنه اللين والخشن ... " ( )
فالإنسان بما سبق من تسخير الكون له , وكونه على هذه الطبيعة مستخلف ومختار , وقد جعله الله على هذه الطبيعة ليعلمه " جلالة قدره بين مخلوقاته " , وقد مهد الشيخ بهذه العبارة الدقيقة الموجزة للصورة التالية فى قوله : " وأنك جوهرة تنطوى عليك أصداف مكوناته " والصورة هنا من التشبيه البليغ ( ) كما فى الصورة الماضية راعى فيها الشيخ الدقة فى اختيار الصورة الدقيقة المعبرة عن المعنى المقصود أدق تعبير .
فالجوهرة : من جوهر الشئ : أى حقيقته وذاته . ومن الأحجار : كل ما يستخرج منه شئ ينتفع به . والنفيس : الذى تتخذ منه الفصوص ونحوها ( ) وتشبيه الإنسان هنا بالجوهرة مما يتناسب مع الصورة المقصودة تمام المناسبة ؛ لأن الإنسان من تكريم الله واستخلافه له بالمحل المعروف , وفى ذلك من الخصوصية والنفاسة ما فيه ... , وكذلك كل ما فى الكون مسخر له , وهو باستخلاف الله له معمر ومصلح فى الأرض نافع لنفسه ولغيره .
والجوهرة المشبه بها مما يتناسب مع ذلك , ويتفق مع الإنسان فى الصفة , فالجوهرة يستخرج منها ما ينتفع به من الأشياء النفيسة فضلاً عن ذلك ما فيها من البريق وحسن المنظر , وكذلك الإنسان كرمه الله , وصوره فأحسن صورته , وخلقه فى أحسن تقويم , وهذا أيضاً مما هو مشترك بينه وبين الجوهرة .
ولكن يبقى بعد ذلك الجانب الآخر من الصورة فى قوله : " تنطوى عليك أصداف مكوناته " وهى هنا متممة للصورة , فلما كان الإنسان بهذه المثابة من كونه نخبة جميع الموجودات الجسمانيات منها والروحنيات كانت الأكوان كلها باعتبار إحاطتها وحفظها له بمنزلة القشر والصوان الذى يحفظ الشئ ويصونه , وكان هو بمنزلة الجوهرة النفيسة التى تحويها الصدفة .
" فأنت أيها الإنسان كالياقوتة فى صدف . الأرض تقلك , والسماء تظلك , والجهات تكتنفك , والحيوانات تخدمك وتنفعك , والجمادات تدفع عنك , وأنت فى وسط الجميع , فالأفلاك دائرة بك , والشمس والقمر منيران لما أنت فيه , فأنت جوهرة الصدف , ولباب الكون , مداره عليك " ( ) فالصورة التشبيهية ملائمة تمام الملائمة لحال الإنسان الذى كرمه الله واستخلفه واختصه بهذه النعم المسخرة المذللة .والتشبيه هنا بما فيه من حذف الوجه والأداة , وتقديم أداة التأكيد,ودخولها على ضمير المشبه " أنك " قد صور أن هذا الإنسان جوهرة على الحقيقة , وزاد هذه الصورة بهاءً بأن ذكر " الأصداف " جمع صدفة مع إضافتها إلى المكونات , فاكتملت بذلك معالم الصورة .
والتشبيه هنا من التشبيه الغريب البعيد , وليس المقصود هنا من البعد والغرابة عدم الظهور لأجل التعقيد ( ) بل المقصود هنا لطف المعنى ودقته . " والبليغ من التشبيه ما كان من هذا النوع , أى البعيد لغرابته , ولأن الشئ إذا نيل بعد الطلب له والاشتياق إليه كان نيله أحلى , وموقعه من النفس ألطف , وبالمسرة أولى " ( ) " فالغرابة موجبة للبلاغة , فكل ما كان غريباً كان بليغاً , إذ لا يخفى أن المعانى الغريبة أحسن وأبلغ من المعانى المبتذلة "( ) ولذلك يقال : " الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بل تعب " ( )
التشبيه التمثيلى :
كما كانت للشيخ ابن عطاء عناية بالصورة التشبيهية العامة فى حكمه كانت له أيضاً عناية بالناحية التمثيلية من التشبيه , وهى أدق من ناحية البلاغة , وأعلى فى المنزلة ؛ لأن التمثيل ضرب من التشبيه , فالتشبيه عام والتمثيل أخص منه , فكل تمثيل تشبيه , وليس كل تشبيه تمثيلاً ( ) والتشبيه التمثيلى بما فيه من تركيب الصورة أكثر بلاغة , وأعمق أثراً فى النفس , وأجلى للصورة , وأدق فى الإيضاح , وأقوى فى إثبات المعنى وترسيخه فى الذهن . ولقد أشار الإمام عبد القاهر وغيره إلى أسباب قوة تأثير التمثيل , ومن ذلك ما ذكره فى كتابه أسرار البلاغة ( ) وهذا ما دعا الشيخ ابن عطاء أن يتجه فى بعض حكمه إلى استخدام التشبيه التمثيلى .
فمن ذلك ما ذكره فى الحكمة الثانية والأربعين حيث يقول : " لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والمكان الذى ارتحل إليه هو الذى ارتحل منه , ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون •    [ النجم : 42 ]. وانظر قوله صلى الله عليه وسلم : " ... فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها , أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ( ) فافهم قوله عليه الصلاة والسلام – وتأمل هذا الأمر إن كنت ذا فهم ... والسلام " .
والشيخ فى هذه الحكمة الرائعة ناظر إلى المثل القرآنى فى قوله تعالى :                          [ الجمعة : 5 ] فالمثل القرآنى هنا لليهود فى حملهم للتوراة , وقراءتهم , وحفظهم لما فيها , ثم إنهم غير عاملين بها , ولا منتفعين بآياتها , مثلهم كالحمار يحمل أسفاراً , أى كتباً كباراً من كتب العلم , فهو يمشى بها ولا يدرى منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب . وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله , وبئس المثل ...             ( )
فأخذ الشيخ من هذا التمثيل القرآنى المشبه به , وهو الحمار وحده دون سائر الصورة المركبة فى المشبه به من حمله كتب العلم الكبيرة النافعة , مع عدم علمه وعمله بما فيها . أخذ الشيخ ما سبق , ووظف الصورة توظيفاً آخر بتركيب آخر وفق فيه كل التوفيق فيما يبدو لى . وجاءت تصويره نابعاً من البيئة , واضحاً كل الوضوح , ومبيناً للمقصود أتم بيان .
فالشيخ فى هذه الحكمة يشير إلى من يعمل على غير إخلاص فى التوجه إلى الله عز وجل , من يعمل ليراه الناس , أو لأجل طلب المنزلة عندهم , أو يزهد فى الدنيا ليعرف بذلك , وتعلو منزلته , وينتشر ذكره بين الناس , فهو عامل على طلب الجزاء من الخلق , أو نيل المنزلة عندهم , وكل هذا وغيره قادح فى إخلاص العمل لله . وهذا ما قصده الشيخ بالرحيل " من كون إلى كون ... " فهو هنا قد رحل من حظ نفسه إلى حظ آخر من حظوظ النفس , رحل من حظ النفس بالعبادة والطاعة , ولكن لم يرحل إلى الله , وإنما رحل لحظ آخر من حظوظ النفس , وهو طلب الذكر والشرف عند الناس , فرحيله بذلك من كون إلى كون , وعودته إلى المكان الذى بدأ منه , ومن هنا مثل له بحمار الرحى الذى يسير بالليل والنهار , وهو فى موضعه الذى ارتحل منه .
فالصورة بتركيبها كالتالى : شبه حال من يخرج من حظوظ نفسه , ويعمل لأجل أن يراه الناس , أو لأجل حظ من حظوظ الدنيا الفانية بحال الحمار الذى علق فى الطاحونة " الرحى " وهو يسير سيراً دائماً , وهو فى موضعه قائم , والمكان الذى انتقل عنه هو المكان الذى رجع إليه . فكل منهما قد أتعب نفسه بغير فائدة مع نقصان حاله , وفساد أمره , وعدم انتفاعه بعمله .
والتشبيه بالحمار هنا دليل على البلادة , وقلة الفهم , والتمثيل به مع إضافته إلى الرحى " حمار الرحى " مبالغة فى تقبيح حال العاملين لأجل رؤية الناس , أو لحظ من حظوظ الدنيا الفانية . فهذا الصنف من الناس لو فهم عن الله لرحل عن حظوظ نفسه وهواه قاصداً إلى الوصول إلى حضرة مولاه .
وتأمل هنا فى التعبير عن التوجه إلى الله بـ " الرحيل " , وكيف ربط الشيخ بين أجزاء هذه الصورة الرائعة وبـين الآية التى اقتبـسها من القرآن •    ثم ما نـقله بعد ذلك من حـديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة إلى الله ورسوله . كل ذلك أفرغه الشيخ فى الصورة إفراغاً واحداً أكمل معالم الصورة , وربط بين أجزائها ربطاً محكماً بحيث صار كل جزء من الصورة مكمل للغرض . فالتعبير بـ " الرحيل " هنا تعبير دقيق ؛ لأن المؤمن سالك إلى الله عز وجل راحل عن الدنيا وتارك لها , فحاله مع الدنيا كحال المسافر الذى سينتقل عما قريب من المكان الذى أقام فيه , فلا ثبات له ولا استقرار ؛ لأن الدنيا وحظوظها مرحلة من مراحل الطريق فى السير إلى الله , وعلى المؤمن أن يجتازها ويتخطاها فى سيره إلى الحق سبحانه , فلا تكون هدفاً فى ذاتها ( ) كما أن التعبير بـ " الرحيل " فيه إشارة إلى المشقة التى تعترض طريق السالك إلى الله , وأن هناك عقبات فى طريق المخلصين من حظوظ النفس , والدنيا , والناس , ... وعليهم أن يجتازوها ويتجاوزوها ؛ لأن المسافر المخلص لله سيجد فى النهاية بغيته من سفره بعد المشقة والتعب , وكذلك السائر إلى الله سيصل إلى حبه ورضوانه •    .
ومن هنا اقتبس الآية فى آخر الصورة إكمالاً لمعالمها , ولبيان أن السائر إلى الله المخلص له واصل لا محالة إلى رضوانه وحبه . فالرحيل من الكون إلى الله لأجل السلامة فى السفر لا الرحيل من مكان فى الدنيا إلى مكان آخر بدون هدف أو غاية يروم الوصول إليها ؛ لأن الرحيل هنا من كون إلى كون , وفى ذلك اعتبار لحظوظ النفس ؛ لأن الأكوان كلها متساوية .
واقتبس الشيخ هنا أيضاً من حديث النبى صلى الله عليه وسلم فى إخلاص النية من أول قوله : " ... فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ... " وهو معنى الارتحال من الأكوان إلى المكون , وهو المطلوب من العبد , وهو مصرح به غاية التصريح , وقوله : " ... فهجرته إلى ما هاجر إليه " هو البقاء مع الأكوان , والتنقل فيها , وهو الذى نهى عنه , وهو مشار به غير مصرح ( ) " فمن قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله , ومن قصد بها دنيا أو امراة فهى حظه ولا نصيب له فى الآخرة "( )
ومن الملفت فى هذه الصورة الرائعة أن الشيخ قد ختمها بالسلام , وكما يقول ابن عجيبة : " ختم هذا الباب بالسلام لما اشتملت عليه من الرحيل والمقام , فكلها تدل على سفر القلب من شهود الخلق إلى شهود الحق , فناسب ختمها بالسلام لما فيه من ذكر السلامة "( )

والشيخ هنا حريص على دقة التركيب , وحسن الترتيب فى أجزاء الصورة , وكلاهما من الأهمية والبلاغة بمكان كبير , كما نبه على ذلك علماء البيان عند الحديث عن التشبيه المركب , والفرق بينه وبين المتعدد , وهل يجوز فض التركيب فى الأول وجعله متعدداً ؟ إلخ
" وعلماء البيان أشد حرصاً على اعتبار تشبيه الهيئة فلا يعدلون عنه مهما استقام اعتباره , فهو أوقع فى النفوس , وأجلى للمعانى "( ) وابن عطاء قد سار على هذا النهج مراعياً الهيئة والتركيب فى هذه الصورة التمثيلية الرائعة .
ومن روائع التشبيه التمثيلى : قوله فى الحكمة مائتين وتسع وأربعين : " لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية , إنما مثل الخصوصية كإشراق شمس النهار ظهرت فى الأفق وليست منه . تارة تشرق شموس أوصافه على ليل وجودك , وتارة يقبض ذلك عنك فيردك إلى حدودك , فالنهار ليس منك إليك , ولكنه وارد عليك " وكلام الشيخ هنا فيه تصوير للأمور المعنوية والعقلية فى صورة حسية . والتمثيل هنا مما يناسب المعنى تمام المناسبة .
فهو هنا يريد أن يبين أن الأوصاف البشرية التى هى من طبيعة الإنسان كالأكل والشرب , وما يحتاج إليه من لباس , ومسكن , وما فطره الله عليه من حب للشهوات المباحة كالنكاح , ونحوه ... , هذه الأوصاف البشرية الملازمة للعبد لزوماً ذاتياً , التى لا تنفك عنه ويستحيل انعدامها منه لا تتعارض مع الخصوصية والقرب من الله سبحانه , والإقبال عليه , كما لا تتعارض مع منصب الولاية ؛ لأن أهل الولاية , والقرب من الله تنقلب أوصافهم البشرية , وحظوظهم إلى كونها حقوقاً فى تعاملهم مع الله بخلاف غيرهم ممن غلبت عليهم أنفسهم .
وهذه الخصوصية محلها البواطن , ووصف البشرية محله الظواهر ؛ ولذلك اختفت الأولياء , والأنبياء , والرسل عن الناس لظهور أوصاف البشرية عليهم ... , وما وقع الإنكار على الأنبياء , والأولياء إلا لاعتقاد الناس أن أوصاف البشرية تنافى الخصوصية ( ) ولكن حين تصفو البواطن , وتتجرد لله عز وجل تتحول من النزعة البشرية إلى النزعة الروحية التى تظهر آثارها على الجوارح فى الطاعة , والعبادة , والتجرد لله عز وجل .
وهذه الخصوصية , والصفاء الباطنى لا تظهر آثارهما فى كل الأحوال على السالكين إلى الله ؛ حيث إنهما ليسا من ذاتية الطباع البشرية , بل هما طارئان عليها يظهران فى بعض الأحيان , ويختفيان فى بعض الأحيان ؛ لأنهما ليس من طبيعة النفس , بل هما خارجان عنها . وهذا هو مضمون الصورة السابقة .
أما تركيب الصورة فيدل على ذوق الشيخ , ورهافة حسه , ودقة فهمه , وإدراكه لأسرار البيان . فهو هنا يشبه هذه الخصوصية والمنزلة التى تكون للسالكين إلى الله عز وجل يشبهها بشروق الشمس فى النهار . ويشبه هذه النفس البشرية بالأفق الذى يتعاقب عليه الليل والنهار . فأوصاف النفس كالليل المظلم , وهذه الأنوار التى يمنحها الله للسالكين كالنهار المشرق . وهذا الإشراق ليس من الفضاء , بل هو طارئ عليه , وهو قبل ظهور الشمس فيه مظلم . فما أروع هذه الصورة التى فضضت تركيبها !
وهى بتركيبها كالتالى : حيث مثل لنور الربوبية الذى أشرقه الله فى قلوب أوليائه , وستره بظهور البشرية بنور الشمس إذا أشرقت على الآفاق , وهو الفضاء الذى بين السماء والأرض . فالفضاء قبل ظهور الشمس مظلم لا نور فيه , فإذا أشرقت عليه الشمس رجع نوراً صافياً , فنورانيته ليست من ذاته وإنما هى من الشمس , كذلك نور الربوبية هو مستودع فى باطن البشرية , فإذا أراد الله أن يظهر خصوصية عبده أشرق ذلك النور على ظاهر بشريته " ... فيكون الله سمعه الذى يسمع به , وبصره الذى يبصر به ..."( ) فنور البشرية ليس منها , ولكنه وارد عليها من حيث روحانيتها , كما أن نور الأفق ليس من ذات الأفق ولكنه وارد عليه من إشراق شمس النهار عليه .
وما أروع التركيب فى هذه الصورة الدقيقة , مع سلاسة ألفاظها , وحسن اختيارها ! فالتمثيل للهداية والقرب من الله وتوفيقه للعبد بشروق الشمس , أو بالنهار , أو بالنور , كل ذلك واقع فى موقعه , ومعبر أدق تعبير عن المقصود , فلقد شاع كما سبق التمثيل للهدى والصلاح بالنور لما بينهما من المناسبة والتوافق , فكما أن شمس النهار تضئ للناس فيبصروا طريقهم , وينصلح معاشهم , فكذلك الهدى والصلاح موصل لرضا الله ورضوانه وجنته , ومبعد عن النار . وكذلك التمثيل للضلال وحب الدنيا , وحظوظ النفس بالظلمات , أو بسواد الليل مناسب أيضاً تمام المناسبة لما بينهما من التوافق والشبه , فكما أن الظلام مانع للإنسان من الرؤيا , معيق له عن السير والإدراك للطريق قائد له إلى المفاسد والأضرار فكذلك المعاصى وشهوات النفس مردية للإنسان فى المهاوى والمهالك , مفسدة لدينه ودنياه .
ونظرة أخرى فى تركيب الصورة الدقيق يتضح لنا كيف ألف الشيخ بين أجزاء هذه الصورة مع صفاء العبارة , ودقتها , ووفائها بالمعنى المقصود . فالتعبير عن الخصوصية بشروق شمس النهار فى الأفق فيه – فيما يبدو لى – إشارة خفية إلى أن اصطفاء الله لعبده إنما هو تغيير كلى لحال السالك يشمل كل تصرفاته وحركاته , فإذا أحب أو أبغض , أو أعطى أو منع , كان ذلك كله لله , فحركاته وسكناته لله عز وجل , وعليه فقد عم الصلاح وشاع فى كل ركن من أركان نفسه , وقد امتلأ باطنه بالروحانية مع كون ظاهره خالص البشرية .
فهذه النفحة الربانية التى لابست باطنه , وشاعت فى أركانه وجوانحه ليست من نفسه وذاته , بل أوصاف البشرية هى الذاتية الملازمة له . فمثل لذلك بشروق شمس النهار مع إضافة النهار إلى الشمس لما فى ذلك من عموم نورها , وانتشار شعاعها فى كل أنحاء الأفق ( الفضاء ) وأجزائه , مع أنها ليست من هذا الأفق . فالتمثيل هنا تمثيل لعموم الهداية وشمولها لنفوس الصالحين .
ونظرة أخرى إلى التفاته فى هذه الصورة , كيف حول الحديث من التمثيل للخصوصية بشروق شمس النهار إلى الحديث عمن أشرقت على ليله شموس الهدى فى قوله : " ... تارة تشرق شموس أوصافه على ليل وجودك , وتارة يقبض ذلك عنك فيردك إلى حدودك , فالنهار ليس منك إليك , ولكنه وارد عليك " .
ومن خلال هذه الصورة الرائعة يتضح كيف مثل الشيخ لأمور معنوية بأمثلة حسية يستوى الخاص والعام فى معرفتها , وفى إدراك وضوحها وظهورها , وكيف ركب أجزاء الصورة , ورتب بين جزئياتها مع صفاء العبارة ودقتها , وذلك مع التلاحم بين أجزاء الصورة , وبناء أجزائها على بعض فلله دره !
الفصل الثالث :الاستعارة فى الحكم :
كما كان للشيخ عناية بالصورة التشبيهية والتمثيلية فى حكمه كانت له أيضاً عناية بالصورة الاستعارية . وكما هو معلوم أن الاستعارة أبلغ من التشبيه , وكما يقول صاحب الإيضاح : " أطبق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة , وأن الاستعارة أبلغ من التصريح بالتشبيه , وأن التمثيل على سبيل الاستعارة أبلغ من التمثيل على سبيل التشبيه , وأن الكناية أبلغ من الإفصاح بالذكر "( )
وقد قال الشيخ عبد القاهر الجرجانى : " وليس ذلك [ أى كون الواحد من هذه الأمور أبلغ من الآخر ] لأن الواحد من هذه الأمور يفيد زيادة فى المعنى نفسه لا يفيدها خلافه , بل لأنه يفيد تأكيداً لإثبات المعنى لا يفيده خلافه ... "( )
والصور الاستعارية فى حكم ابن عطاء صور وارفة الظلال , دقيقة التصوير , موجزة العبارة , تدل على الذوق , وقوة الحس , وتدل على إدراكه لوجوه الشبه بين الأشياء , كما تدل على مدى قدرته على التعبير عن المعنوى بالمحسوس , وهو ما نراه واضحاً جلياً فى حكمه , وقد مضى أمثلة لذلك عند الحديث عن التشبيه والتمثيل .
أما عن الاستعارة فمن ذلك قوله فى الحكمة الثانية عشرة : " ما نفع القلب شئ مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة " ومراده هنا أن الذى ينفع القلب فى وصوله إلى الله هو اعتزاله للناس , ولا يتم ذلك إلا بمساعدة القالب , فينعزل قلباً وقالباً عن الناس . وهنا يصفو فكره , وتسمو روحه . والصورة البيانية هنا فى قوله : " ... يدخل بها ميدان فكرة " فالميدان بالفتح والكسر هو مجال الخيل , ولقد شبه هنا الفكرة التى ترد وتتردد على المتجه إلى الله بتردد الخيل فى مجالها .
وهو تصوير دقيق للمعنوى وهو الفكرة بالمحسوس هو ميدان الخيل. وما أروع تعبيره عن الفكرة بالميدان , ففى هذه الصورة الرائعة إشارة إلى تنوع الأفكار , واتساع ميادينها خاصة مع العزلة والإقبال بالكلية على الله عز وجل . فهناك فكرة يسبح فيها المرء فى عالم الملكوت وهو يتأمل فى جلال الله وما أنعم به عليه من نعم لا تحصى , وهناك فكرة فى مخلوقات الله عز وجل وما فيها من دلائل القدرة والإبداع , وهناك فكرة فى تصاريف القدر فى الكون وما فى ذلك من دلائل اللطف والحكمة والتدبير , وهناك فكرة فى النفس وشهواتها , وهناك أفكار أخرى تتسع مجالاتها , ويمضى فيها المرء ولا يصل إلى غاياتها . فيكون المعتزل بذلك قوله ذكراً , وصمته فكراً , ونظره عبراً .
ومن هنا كان التعبير عن الفكرة بـ " الميدان " مناسباً للمعنى أتم مناسبة , وكانت الصورة ملائمة للمقصود أتم ملائمة , وكما أن الخيل تتردد فى الميدان ذهاباً وإياباً فكذلك الأفكار النافعة تتلاحق وتتابع على صاحب العزلة المنفرد بقلبه وقالبه عن الناس , وتتلاحق فى قلبه أنوار الهداية والرشاد, وكلما فرغ المرء قلبه من الأغيار امتلأ بالعلوم والأسرار ( )
فالسعة أمر مشترك بين الأفكار والميادين , والتردد والتكرار أمر مشترك بينهما " فلا شئ أنفع للقلب من عزلة مصحوبة بفكرة ؛ لأن العزلة كالحمية , والفكرة كالدواء . فلا ينفع الدواء من غير حمية , ولا فائدة فى الحمية من غير دواء , فلا خير فى عزلة لا فكرة فيها , ولا نهوض لفكرة لا عزلة معها ؛ إذ المقصود من العزلة هو تفرغ القلب , والمقصود من التفرغ جولان القلب واشتغال الفكرة , والمقصود من اشتغال الفكرة تحصيل العمل وتمكنه من القلب . وتمكن العلم بالله من القلب هو دواءه وغاية صحته ( ) وهو الذى سماه الله " القلب السليم " حيث يقول تعالى فى شأن يوم القيامة :              [ الشعراء : 88 , 89 ] أى صحيح ( ) "وبالعزلة ينكف بصره عن النظر إلى زينة الدنيا وزهرتها , وينصرف خاطره عن الاستحسان إلى ما ذمه الله تعالى من زخرفها , فتمتنع بذلك النفس عن التطلع إليها , والاستشراف لها , ومنافسة أهلها فيها "( )
ومن الصور الاستعارية فى الحكم : قوله فى الحكمة الثالثة عشرة : " كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة فى مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته ؟ أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته ؟ " هذه الحكمة مفعمة بالصور البيانية فى أكثر من موضع فى قوله : " كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة فى مرآته ؟ " , وفى قوله : " أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته ؟ " , وفى قوله : " أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ " فالصورة الأولى فى قوله : " كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة فى مرآته ؟ " فالقلب الذى يميل إلى الدنيا وشهواتها وملاذها , ويتعلق بالناس , وينحصر فى الملاذ الحسية , ويتبع هواه لا تتفتح له أبواب الهدى , ولا تشرق على قلبه أنوار الهداية , ولا يرى إلا شهوات الدنيا وملاذها ؛ وذلك لأن حب الدنيا والميل إليها قد انطبع فيه .
وما أروع تعبيره هنا بقوله : " ... صور الأكوان منطبعة فى مرآته " إشارة إلى تمكن حب الدنيا وملاذها وشهواتها من القلب بحيث تنطمس البصيرة , وتستحكم الغفلة . فالتعبير بـ " الطبع " هنا مما صور هذا المعنى أدق تصوير ؛ لأن الطبع هو الختم والإغلاق , ومنه فى التنزيل قوله تعالى :             [ النحل : 108 ] أى ختمها وأغلقها فلا تعى خيراً . كما أن الطبع للشئ يطلق على تصويره فى صورة ما , يقال : طبع الله الخلق : أنشأه ( )
فالطبع يتضمن انطباع الصورة , ويتضمن الختم والانغلاق معاً , وهو هنا مما ناسب الصورة والمعنى أتم المناسبة ؛ ولذلك ذكر قبله " صور الأكوان " مع الإضافة ليشير إلى هذا المعنى , ومما زاد هذه الصورة جمالاً أنه استعار المرآة هنا للبصيرة . فالمرآة : آلة صقيلة ينطبع فيها ما يقابلها , فكلما قوى صقلها قوى ظهور ما يقابلها فيها . واستعيرت هنا للبصيرة التى هى عين القلب التى تتجلى فيها الأشياء حسنها وقبيحها .
فالمرآة الصقيلة تظهر الإنسان على ما هو عليه بما فيه من محاسن ومساوئ حسية وينطبع فيها ما يظهر ويتجلى أمامها من الأمور الحسية , وكذلك القلب يستقر فى عينه ما أشربه من طاعة لله , وإقبال عليه , أو حب للدنيا , وإدبار عن الآخرة .
أما عن الصورة الثانية : ففى قوله : " أم كيف يرحل إلى الله , وهو مكبل بشهواته ؟ " فالرحيل : هو النهوض والانتقال من وطن إلى وطن , وعبر به هنا للانتقال من الوقوف مع الأسباب إلى رؤية مسبب الأسباب , أو من وطن الغفلة إلى وطن اليقظة , أو من حظوظ النفس إلى حقوق الله ... وإذا كان الرحيل يتطلب الإطلاق وعدم التكبيل فلا رحيل مع التكبيل , وهو ما عبر به هنا عن تعلق القلب بالشهوات التى تمنعه من النهوض إلى الله لاشتغاله بالالتفات إليها .
وما أروع تصوير هذه الحال بصورة المكبل ! فلما كان المكبل لا يستطيع السير لتقييد حركته كان الغارق فى الشهوات قلبه ممنوعاً عن الوصول إلى الله , فهو محبوس فى هوى نفسه مقيد بشهواتها. ثم أضاف إلى هذه الصورة صورة أخرى بقوله : " أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله , وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ " فالدخول فى طريق الله يتطلب الطهارة , أى طهارة القلب , وصاحب الغفلة قلبه متعلق بالدنيا وهواه وشهواته , غارق فى غفلاته , وهى الحالة التى شبهها بالجنابة .
فلما كانت الجنابة مانعة من دخول الأماكن الطاهرة فكذلك القلب الغافل اللاهى الغارق فى ملذات الدنيا لا دخول له فى طريق السالكين إلى الحق عز وجل . والتعبير عن الغفلة هنا بـ " الجنابة " تعبير دقيق , فلم يعبر مثلاً بما هو أقل منها من أنواع الحدث الأصغر الأخرى ... , وذلك – فيما يبدو لى – لأن الأمر يتصل بـ " القلب " وهو المضغة التى إذا صلحت صلح الجسد , وإذا فسدت فسد الجسد كله كما صح فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث النعمان بن بشير, فالجنابة من الحدث الأكبر المانع من دخول الأماكن الطاهرة , أما مع الحدث الأصغر فيجوز له أن يدخل إلى الأماكن الطاهرة , لكن مع الجنابة فلا , وكذلك معاصى الجوارح مع التوبة والاستغفار ضررها أقل فى دين المرء من ضرر معاصى القلوب التى تستقر فى أصل موطن الإيمان ومنتهاه , وهى أسرع فى إفساد دين المرء من غيرها من المعاصى الأخرى . والشيخ هنا قد أتى بهذه الصور الثلاث على الترتيب مبتدأً بالصورة الأولى , ثم بالصورتين التاليتين على سبيل التنويع والتلوين فى التصوير !
ويقول فى الحكمة مائة وخمس وتسعين : " علم قلة نهوض العباد إلى معاملته فأوجب عليهم وجوب طاعته , فساقهم إليه بسلاسل الإيجاب . " عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل "( ) والشيخ فى هذه الحكمة يشير إلى أن الحق سبحانه لما علم قلة قيام العباد بالعبودية له أوجب عليهم طاعته , وأوعدهم على تركها بالعقوبة , فساقهم إليه بسلاسل الإيجاب . وما أروع تعبيره عن التكاليف الواجبة بـ " السلاسل " فهى استعارة بديعة شبه فيها التكاليف الواجبة التى ألزم الله العباد بها بالسلاسل . وقد أخذ هذه الاستعارة من قول النبى صلى الله عليه وسلم : " عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل " , ومن قول أبى خراش الهذلى :
وليس كعهد الدار يا أم مالك * ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
فلما كانت السلاسل توضع فى الأعناق , وتكون قيداً لصاحبها فتمنعه من أن يتوجه إلى غير الوجهة التى يريدها صاحبها كانت التكاليف الواجبة شبيهة بها فى كونها مانعة للعبد من الخروج عن منهج الله , ملزمة له بالسير فى طريقه سبحانه .كما عبر عنها بصيغة الجمع " سلاسل " إشارة إلى تعدد هذه التكاليف الواجبة واختلافها فى الأخلاق , والعبادات , وغيرهما !
وقد أضاف الإيجاب إلى السلاسل ليبين أن هذه السلاسل إنما تتعلق بالتكاليف الواجبة , وأنها رحمة ونعمة من اللطيف الرحيم ؛ حيث إنه ساقهم بهذه التكاليف إلى طاعته ليحصل لهم ما أعد لهم من النعيم فى جنته , وهو ما بينه فى الحكمة التى تليها حيث يقول : " أوجب عليك وجود خدمته , وما أوجب عليك إلا دخول جنته " " فالسلاسل توضع فى عنق الأسير يجبره بها قهراً عنه من أسره إلى الموضع الذى يريده , وكذلك الإيجاب يسوقهم الله تعالى به إلى الطاعة التى يحصل لهم به ما يسرهم فى المستقبل – وإن كانت شاقة عليهم فى الحال – فهو يفعل بهم كما يفعل الولى بالصبى . ألا تراه كيف يؤدبه , ويضربه على استرساله على مقتضى طبعه وجبلته , ويلزمه أموراً شاقة عليه فيفعلها وهو كاره لذلك لأجل تحصيل منافعه فى المستقبل الذى هو جاهل بها الآن , فإذا كبر وعقل عرف ذلك عياناً "( )
ولما كانت هذه الاستعارة البديعة تحتاج إلى بيان اقتبس من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وضح به مقصوده غاية التوضيح , وأتم به المراد غاية البيان , ولقد جاء هذا الاقتباس مناسباً للمقصود غاية المناسبة , فهذه التكاليف خيرها عائد إلى أصحابها , والله غنى عن خلقه , لا تنفعه طاعتهم , ولا تضره معصيتهم , وإنما أوجبها عليهم لما يرجع إليهم من مصالحهم لا غير .

الفصل الرابع :الكناية فى الحكم :

كما كان للشيخ عناية بالتشبيه , والاستعارة فى حكمه , كانت له عناية أيضاً بالصورة الكنائية – وإن لم ترق إلى نفس المستوى من العناية بالصورة التشبيهية , والصورة الاستعارية – مع أن الصورة الكنائية لها من المحاسن والميزات ما هى جديرة به , فهى ضرب من المجاز( ) لها من الأثر ما للتشبيه والاستعارة ؛ حيث تبرز المعانى المعقولة فى صورة المحسات , وبذلك تكشف عن معانيها وتوضحها , وتبينها , وتحدث انفعال الإعجاب . وهى وسيلة من وسائل تحقيق القصد فى النيل من الخصم ... , ومن خلالها يستطاع التعبير عن المعانى المستهجنة بألفاظ لا تعافها الأذواق , ولا تمجها الآذان , وأمثلة هذا فى القرآن الكريم كثيرة ... ( )
وفيما يبدو لى أن الشيخ لم يعن بالصورة الكنائية كعنايته بالصورتين : التشبيهية , والاستعارية ؛ وذلك نظراً لطبيعة المقام , ومقدار وفاء الصورة البيانية بالمقصود , فإذا كان علم البيان : إيراد المعنى بطرق مختلفة لوضوح الدلالة عليه فقد تكون الاستعارة فى مقام هى الأولى والأوفى بالمعنى , وقد يكون التشبيه فى موضع آخر هو الأنسب للمقام , وقد تكون الكناية فى موضع آخر هى الملائمة للمقصود والغرض .
وهذا أمر يرجع إلى ذوق الأديب , وإدراكه لخصوصية الصورة فى كل موضع , ومعرفته بالمقام الذى يعبر عنه بالصور المختلفة .

ومن الحكم المشتملة على الكناية ما ذكره الشيخ فى الحكمة السادسة والخمسين حيث يقول : " النور جند القلب , كما أن الظلمة جند النفس , فإذا أراد الله أن ينصر عبده أمده بجنود الأنوار , وقطع عنه مدد الظلم والأغيار ".

أراد الشيخ أن يقول : إن نور التوحيد واليقين , وظلمة الشرك والشك جندان للقلب والنفس , والحرب بينهما سجال , فإذا أراد الله نصر عبده أمد قلبه بجنوده , وقطع عن نفسه مدد جنودها , وإذا أراد خذلانه فعلى العكس . والصورة هنا صورة رائعة مصورة للحرب المستمرة بين القلب المتوجه إلى الله عز وجل , وبين النفس ( ) المتجهة للهوى , والدنيا , وصحبة الشيطان .

والكناية هنا فى تقابل القلب مع النفس بالمحاربة كناية عن صعوبة انتقال الروح من وطن الظلمة التى هى محل النفس إلى وطن النور الذى هو محل القلب وما بعده . فالقلب له أنوار الواردات تقربه وتنصره حتى يترقى إلى موطنه فى عالم الملكوت , وكأن هذه الواردات جنود له من حيث إنه يتقوى بها , وينتصر على ظلمة النفس . وهذه الأنوار هى الواردات المتقدمة , والنفس لما ركنت إلى الشهوات واستحلتها صارت كأنها جنود لها , وهى ظلمة من حيث إنها حجبتها عن الحق ومنعتها من المعرفة .

وهذا التقابل الكنائى فى الصورة مفعم بالحركة , وفيه تجسيد للصراع بين النفس المؤمنة وهواها, بين جذبات الحق وهتافات الباطل , وإن شئت قلت : بين دعوات الإيمان , وشبهات الضلال من الهوى , والنفس , والشيطان .
وهذه الصورة الكنائية قد ساعدها على إكمال معالم هذه اللوحة التصويرية استخدامه للتشبيه فى قوله : " ... فإذا أراد الله أن ينصر عبده أمده بجنود الأنوار ... " ومقصده بـ " جنود هى الأنوار , أو بالأنوار المشبهة بالجنود , فإنها إذا حصلت له أدرك بها قبح الشهوات " وهذه اللوحة التصويرية جسدت الصراع النفسى فى قلب المؤمن بين الهدى والضلال , وأن الموفق من هداه الله , وسلحه بأنوار الهدى والرشاد : ...           [ التغابن : 11 ] وأن المخذول من خذله الله فتسلح بجند الهوى , والنفس       ... [ البقرة : 10 ] ...                ... [ الأعراف : 179 ] ...        •     [ الكهف : 28 ] ...            [ الزمر : 22 ]
ومن صور الكناية فى الحكم : قوله فى الحكمة مائتين وثلاث عشرة : " وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به , وإلا فجل ربنا أن يتصل به شئ أو يتصل هو بشئ "
ويقصد الشيخ بالوصول إلى الله هنا : الوصول إلى العلم الحقيقى بالله عز وجل , وتحقيق العلم بوجوده وحده , وهو العلم الذى ينبسط فى الصدر شعاعه , وهو غاية السالكين , ومنتهى سير السائرين . وهذا الوصول لا يتحقق إلا بقمع الشهوات فى النفس , والبعد عن هواها , والعيش فى مرضاة الله وفق مراد الله . ولأجل ألا يفهم من الوصول الوصول الحسى الذى يكون بين الذوات قال فى آخر كلامه : " ... وإلا فجل ربنا أن يتصل به شئ , أو يتصل هو بشئ " فحاشاه سبحانه عن ذلك للزوم تحيزه , أو اتصاله بشئ لافتقاره وحصره , تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً , وفى ذلك يقول الجنيد : " متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير له بمن له شبيه ونظير , هيهات ... هذا ظن عجيب إلا بما لطف اللطيف من حيث لا درك , ولا وهم , ولا إحاطة إلا إشارة اليقين , وتحقيق الإيمان "( )
والكناية هنا فى تعبيره عن العلم بالله بالوصول إلى الله , فهذه العبارة كناية عن العلم بالله علماً يقينياً ترتقى فيه النفس فى معارج القرب من الله . " وأهل هذا الفن قد ذكروا فى هذا المقام اصطلاحات , وألفاظ تداولوها بينهم تقريباً لفهم المعانى , فمنها :السير , والرحيل , وذكر المنازل , والمناهل , والمقامات , ومنها : الرجوع , والوقوف , وكل ذلك كناية عن مجاهدة النفوس ومحاربتها , وقطع العوائق والعلائق عنها , أو الوقوف مع شئ منها , ومن ذلك : الوصول , والتمكين , والسكون , والطمأنينة , وغير ذلك ... , وكل ذلك كناية عما أدركته أرواحهم , وذاقته أسرارهم من عظمة الحق وجلاله "( ) وقد مضى شئ من ذلك عند الحديث عن الاستعارة فى الحكمة الثانية عشرة حيث يقول : " ما نفع القلب شئ مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة " , وقوله فى الحكمة مائتين وأربع وأربعين : " لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين , إذ لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك , ولا قطيعة بينك وبينه تمحوها وصلتك " . وكناية المؤلف عن تحقيق العلم بالله وحده علماً يقيناً بـ " الوصول إليه " مما يناسب المعنى تمام المناسبة , فهو لم يعبر بعبارات القوم الأخرى كالرجوع , أو السير , أو الرحيل , أو غير ذلك ؛ لأنه أراد التعبير عن حالة من الكمال فى العلم لا يناسبها السير أو الرحيل أو المقام إلخ . فالوصول فى الحس : تعبير عن إدراك الغاية عند الواصل . فتحققت بهذه الكناية المناسبة بين المعنى العقلى المعنوى المقصود وهو العلم , وبين اللفظ المناسب للمعنى تمام المناسبة .
وبهذه الملاحظات على بعض الصور البيانية فى الحكم العطائية أكون قد وصلت إلى نهاية هذا البحث , والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم , وأن يجنبنا الزلل , وأن يعلمنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علمنا , فهو حسبنا , ونعم المولى ونعم النصير .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم




الخاتمة وأهم النتائج

اتضح لنا من خلال ما سبق ما يلى :
أولاً : أن الصور البيانية فى الحكم العطائية صور دقيقة تتوافق فيها كل الجزئيات وتتلاحم لخدمة الغرض العام من السياق .
ثانياً : أن ابن عطاء كان يميل فى كثير من الحكم المشتملة على التصوير إلى تركيب الصورة كما لاحظنا فى التشبيه التمثيلى , والاستعارة ؛ وذلك نظراً لأن التركيب فى الصورة أبلغ وأدق وأدل على المعنى المقصود , كما أن التركيب فى الصورة مما يتناسب مع المقام الذى يريد الحديث عنه مما يتعلق بسير السائرين إلى الله , وحال السالكين إليه .
ثالثاً : أن الصور البيانية فى الحكم جاءت لإبراز المعنوى فى ثوب محسوس , والعقلى فى صورة مشاهدة , وقد وافق فيها الشيخ بين المعانى التى يقصدها القوم و بين ما يناسب أفهام الناس فى أحسن صورة من اللفظ , ومن أمثلة ذلك ما سبق فى الحكمة مائة وأربع وخمسين , والحكمة مائتين وأربع وخمسين .
رابعاً : أن الصور البيانية فى حكمه جاءت كلها من صميم البيئة والواقع , ربط فيها التصوير بمشاهد من الحياة , مما جعلها قريبة من الأفهام , ومن ذلك ما سبق فى الحكمة مائة وسبع وثمانين .
خامساً : مناسبة الألفاظ لمعانيها فى الصورة البيانية , مع فصاحتها , ووضوحها , وتعبيرها أدق تعبير عن المقصود , وهذه ميزة من ميزات التصوير الناجح , ومن ذلك ما سبق فى الحكمة الثانية عشرة , والحكمة الثالثة عشرة .
سادساً : تأثر الشيخ بالتصوير فى القرآن الكريم فى بعض المواضع كما فى الحكمة الثانية والأربعين , والحكمة مائتن وأربع وخمسين , وذلك فى بحث الشبيه فى الحكم , وقد سبق بيان أثر الصورة القرآنية فى حكم ابن عطاء .
سابعاً : التأثر بالتصوير فى الحديث النبوى فى أكثر من موضع كما فى الحكمة الثانية والأربعين , والحكمة مائة وخمس وتسعين .
ثامناً : اتجاه الشيخ إلى استخدام الصورة البيانية من تشبيه , واستعارة , وكناية فى الحديث عن مقامات السائرين والواصلين إلى الله ؛ وذلك نظراً لأن الصورة البيانية خير ما يعبر عن هذه الأمور المعنوية والقلبية التى لا يدركها كثير من الناس , ومن ذلك ما ذكره فى الحكمة الثانية والأربعين , والحكمة مائتين واثنتين وأربعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فهرس المصادر والمراجع
القرآن الكريم
1- الإتقان فى علوم القرآن للإمام جلال الدين السيوطى ت (911) هـ - ط دار الفكر – بيروت – ( 1399) هـ (1979) م .
2- الاستعارة نشأتها وتطورها للأستاذ الدكتور / محمود السيد شيخون – بدون تاريخ .
3- أسرار البلاغة للإمام عبد القاهر الجرجانى ت ( 471) هـ - تحقيق الشيخ / محمد رشيد رضا - ط دار الكتب العلمية – ط أولى – ( 1409) هـ (1988) م.
4- الأسلوب الكنائى – نشأته – تطوره – وبلاغته - للأستاذ الدكتور / محمود السيد شيخون – بدون تاريخ .
5- الأعلام لخير الدين الزركلى ت (1390)هـ - دار العلم للملايين (1990)م.
6- الإيضاح لتلخيص المفتاح للخطيب القزوينى ت ( 739) هـ - تحقيق الأستاذ / عبد المتعال الصعيدى – ط مكتبة الآداب – ( 1417) هـ ( 1997) م .
7- إيضاح المكنون لإسماعيل باشا البغدادى ت (1339) هـ ط دار الكتب العلمية- بيروت- (1413)هـ.
8- بحوث فى البيان للأستاذ الدكتور/ محمود السيد شيخون- بدون تاريخ.
9- البرهان فى علوم القرآن للإمام بدر الدين الزركشى ت ( 794) هـ - تحقيق الأستاذ / محمد أبى الفضل إبراهيم – ط المكتبة العصرية – بيروت .
10- بغية الإيضاح للأستاذ / عبد المتعال الصعيدى – ط مكتبة الآداب – ( 1417) هـ (1997) .
11- البيان فى ضوء أساليب القرآن الكريم للأستاذ الدكتور / عبد الفتاح لاشين – ط دار الفكر العربى – ( 1420) هـ ( 2000) م .
12- تاج العروس الحاوى لتهذيب النفوس للشيخ تاج الدين بن عطاء السكندرى ت ( 709 ) هـ - ط مصطفى البابى الحلبى – ط ثانية – ( 1375 ) هـ – (1956 )م
13- التصوير البيانى- دراسة تحليلية لمسائل البيان - للأستاذ الدكتور/ محمد أبو موسى- ط مكتبة وهبة - ط رابعة (1418)هـ (1997) م.
14- تفسير ابن عاشور المسمى التحرير والتنوير للإمام محمد الطاهر بن عاشور ت(1394)هـ - ط دار سحنون- تونس (1997) م.
15- تلخيص البيان فى مجازات القرآن للشريف الرضى ت ( 406) هـ - تحقيق الأستاذ / محمد عبد الغنى حسن – ط دار إحياء الكتب العربية – عيسى البابى الحلبى – بدون تاريخ .
16- التلخيص فى علوم البلاغة للخطيب القزوينى ت (739)هـ - تحقيق الأستاذ/ عبد الرحمن البرقوقى- ط دار الفكر- ط أولى- (1904)م.
17- التنوير فى إسقاط التدبير لابن عطاء السكندرى – ط دار جوامع الكلم – ( 1999 ) م .
18- جامع العلوم والحكم فى شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم لأبى الفرج عبد الرحمان بن أحمد بن رجب ت ( 795) هـ - ط الريان – ط أولى – ( 1407) هـ ( 1987) م .
19- الجمان فى تشبيهات القرآن لأبى القاسم عبد الله بن محمد بن ناقيا البغدادى ت ( 485) هـ تحقيق الدكتور / محمد رضوان الداية – ط دار الفكر – بيروت – ط أولى – ( 1423) هـ ( 2002) م .
20- حاشية الدسوقى على مختصر سعد الدين التفتازانى للعلامة محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقى المالكى ت ( 1230) هـ - ط دار السرور – بيروت .
21- الحكم لابن عطاء الله السكندرى أقوى دستور تربوى صاغه فى القرن السابع الهجرى للأستاذ/ أحمد عز الين عبد الله خلف الله – ط منتدى دار الإيمان .
22- خزانة الأدب وغاية الأرب للشيخ / تقى الدين أبى بكر على المعروف بابن حجة الحموى ت ( 837) هـ - تحقيق الأستاذ / عصام شعيتو – ط دار ومكتبة الهلال – بيروت – ط ثانية – ( 1991) م .
23- دراسات تفصيلية شاملة لبلاغة عبد القاهر فى التشبيه والتمثيل والتقديم والتأخير للأستاذ / عبد الهادى العدل – ط دار الطباعة المحمدية – ط ثالثة – ( 1378) هـ ( 1958) م .
24- الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة للعلامة أحمد بن على بن حجر العسقلانى ت (852)هـ- ط دار الجيل- بدون تاريخ.
25- دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر الجرجانى ت(471)هـ- تحقيق العلامة/ محمد رشيد رضا – ط دار الكتب العلمية – ط أولى - (1409) هـ (1988)م.
26- الديباج المذهب فى أعيان المذهب لابن فرحون .
27- سر الفصاحة لأبى محمد عبد الله يوسف بن سعيد بن سنان الخفاجى الحلبى ت (466) هـ - ط دار الكتب العلمية – بيروت – ط أولى – ( 1402) هـ ( 1982) م .
28- شذرات الذهب فى أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلى ت (1089)هـ ط – دار الكتب العلمية- بدون تاريخ.
29- شرح الطيبى على مشكاة المصابيح والمسمى الكاشف عن حقائق السنن للإمام الحسين بن عبد الله الطيبى ت ( 743) هـ - ط دار الكتب العلمية – ط أولى – ( 1422) هـ ( 2001) م .
30- شرح الحكم للشيخ محمد بن إبراهيم المعروف بابن عباد النفزى الرندى ت ( 792 )هـ والمسمى غيث المواهب العلية بشرح الحكم العطائية – ط مصطفى البابى الحلبى – ط الأخيرة – (1358 ) هـ - ( 1939 ) م .
31- شرح الحكم للعلامة أحمد بن عجيبة الحسنى الإدريسى ت ( 1224 ) هـ والمسمى إيقاظ الهمم فى شرح الحكم – ط المكتبة التوفيقية – بدون تاريخ .
32- شرح الحكم لشيخ الجامع الأزهر العلامة عبد الله بن حجازى بن إبراهيم الشرقاوى ت ( 1204 ) هـ والمسمى المنح القدوسية على الحكم العطائية – مطبوع بهامش شرح ابن عباد
33- شرح الحكم للشيخ محمد خليل الخطيب والمسمى كشف الغطاء شرح وترتيب حكم ابن عطاء – ط مطبعة الشعراوى بطنطا – بدون تاريخ .
34- الصورة البيانية – للأستاذ الدكتور / محمد عثمان خيمر – ط مصر للخدمات العلمية – ط أولى – (1417 ) هـ .
35- عروس الأفراح فى شرح تلخيص المفتاح لبهاء الدين السبكى ت ( 1317) هـ - ط دار السرور – بدون تاريخ .
36- علم البيان للأستاذ الدكتور/ بدوى طبانة- ط مكتبة الأنجلو- ط رابعة- (1397)هـ (1977)م.
37- علم البيان للأستاذ الدكتور/ عبد العزيز عتيق- ط دار النهضة العربية- (1405)هـ.
38- علم البيان للأستاذ الدكتور / فتحى أبو العطا – ط دار النشر الدولى .
39- القصد المجرد فى معرفة الاسم المفرد لابن عطاء الله السكندرى – ط منتدى دار الإيمان .
40- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل لأبى القاسم الزمخشرى ت ( 538) هـ - تحقيق الأستاذ / عبد الرزاق المهدى – ط دار إحياء التراث العربى – ط أولى – ( 1417) هـ ( 1997) م .
41- كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون للعلامة مصطفى بن عبد الله القسطنطينى الرومى الحنفى الشهير بالملا كاتب الحلبى والمعروف بحاجى خليفة ت ( 1067) هـ - ط دار الكتب العلمية – بيروت – ( 1413) هـ ( 1992) م .
42- الكليات لأبى البقاء الكفوى ت ( 1094) هـ - ط مؤسسة الرسالة – ط أول –( 1412) هـ ( 1992) م .
43- لسان العرب للإمام جمال الدين محمد بن منظور ت ( 711) هـ - ط دار صادر – بيروت – ط ثالثة – ( 1414) هـ ( 1994) م .
44- لطائف المنن فى مناقب الشيخ أبى العباس والشيخ أبى الحسن لابن عطاء السكندرى – تحقيق الأستاذ الدكتور / عبد الحليم محمود – ط دار المعارف – ط ثانية – ( 1999 ) م .
45- مباحث فى علوم القرآن للشيخ/ مناع القطان – ط مكتبة المعارف – الرياض – ط أولى – (1413) هـ (1992) م .
46- المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر لضياء الدين محمد بن الأثير ت ( 637) هـ - ط بولاق – ( 1282) هـ . تحقيق الشيخ/ محمد محيى الدين عبد الحميد – ط المكتبة العصرية – (1416) هـ (1995) م.
47- المختصر لسعد الدين التفتازانى ت ( 791) هـ - ضمن شروح التلخيص – ط دار السرور – بدون تاريخ .
48- مشكاة المصابيح للإمام / محمد بن عبد الله الخطيب التبريزى ت ( 740) هـ - تحقيق الأستاذ / محمد سمك – ط دار الكتب العلمية – بيروت – ط أولى – ( 1422) هـ (2001) م .
49- المطول شرح تلخيص المفتاح للعلامة سعد الدين التفتازانى الهروى ت (791) هـ - ط المكتبة الأزهرية – (1330)هـ.
50- المعجم الوسيط – مجمع اللغة العربية بالقاهرة – ط الثانية – ط دار الشروق الدولية – ط رابعة – ( 1426) هـ ( 205) م .
51- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة لابن قيم الجوزية – ط المكتبة التوفيقية – بدون تاريخ .
52- مفتاح العلوم لأبى يعقوب يوسف بن محمد السكاكى ت ( 626) هـ - ط الحلبى – ط أولى .
53- مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح لابن عطاء السكندرى – ط الحلبى – ط أولى ( 1381 ) هـ (1961 ) م .
54- مواهب الفتاح فى شرح تلخيص المفتاح لأبى يعقوب المغربى ت ( 1110) هـ - ط دار السرور – بيروت – بدون تاريخ .
55- النكت فى إعجاز القرآن لأبى الحسن على بن عيسى الرمانى ت ( 296) هـ - ضمن ثلاث رسائل فى إعجاز القرآن – تحقيق الأستاذ / محمد خلف الله , والدكتور / زغلول سلام - ط دار المعارف – ط ثانية – (1387) هـ ( 1968) م .
56- هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادى – ط دار الكتب العلمية .













فهرس الموضوعات
الـــموضـــوع رقم الصفحة
مقدمة وتمهيد . 2
ترجمة موجزة لابن عطاء . 4
اسمه ونسبه . 4
مكانته فى عصره . 4
شيوخه . 5
ابن عطاء عالماً وأديباً زاهداً . 5
شعره . 6
الحكم وموضوعها . 8
أسلوب الحكم . 9
الإيجاز . 9
الاقتباس من القرآن الكريم . 9
الاقتباس من الحديث الشريف . 10
التصوير الدقيق . 10
الاشتمال على السجع والتوازن مع صفاء العبارة . 11
مؤلفاته . 12
وفاته . 12
الفصل الأول : علم البيان ومباحثه . 13
التشبيه . 13
الاستعارة . 14
الكناية . 16
الفصل الثانى : التشبيه فى حكم ابن عطاء . 17
التشبيه التمثيلى . 21
الفصل الثالث : الاستعارة فى حكم ابن عطاء . 26
الفصل الرابع : الكناية فى حكم ابن عطاء . 29
الخاتمة وأهم النتائج . 32
فهرس المصادر والمراجع . 33
فهرس الموضوعات . 37